البنك الوراثي السوري في إيكاردا قرب مدينة حلب يتحدى الحرب وينال جائزة جريجر ماندل.
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم الجينات
تتميز الحقول المحيطة بمنطقة حلب بأنها من أوائل الحقول التي استثمرها الإنسان منذ عشرات آلاف السنين وأولى الأراضي إنتاجاً للقمح والشعير ومحاصيل أخرى جعلت هذه المنطقة جزءاً من منطقة الهلال الخصيب التي انبثقت منها الحضارات الغربية.
وبالرغم من ظروف الحرب التي تدور في سوريا هذه الأيام استطاعت مجموعة صغيرة من العلماء في سوريا الحفاظ على بعض هذه المناطق التي تحتوي على موروث زراعي مهم ونال هذا الإنجاز التقدير الذي يستحقة إذ قدمت جائزة جريجر ماندل يوم الخميس للعلماء العاملين في البنك الوراثي في المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) في مراسم جرت في برلين. ومعظم هذه العينات ستحفظ بشكل جيد في منطقة Svalberd في أقصى شمال النرويج حيث بنيت بنوك لحفظ هذه البذور ضمن ظروف مثالية.
ويقول محمود الصلح المدير العام لإيكاردا إن هذا البنك يمثل ثروة وراثية للبشرية إذ يحتوي على أنواع نباتية من حوالي 128 دولة ويلعب دوراً هاماً في حفظ التنوع الحيوي وضمان احتياطي غذائي للمستقبل ضمن ظروف التغيرات المناخية التي أصبحت تشكل تهديداً حقيقياً على الأمن الغذائي خاصة في دولنا النامية .
وسط هذه الحرب المستمرة في سوريا لم يستسلم هؤلاء العلماء مخاطرين بأرواحهم في سبيل الحفاظ على هذا البنك الذي يعتبر بقاؤه لصالح العالم بأسره، وهم جزء من حضارة سوريا التي تمتد لآلاف السنين حيث كان سكان هذه المنطقة أول من تعلم الزراعة فانتقلوا من حياة الصيد إلى حياة الزراعة المستقرة معلنين عن الثورة الزراعية في هذه المنطقة التي كانت بداية نشوء الحضارات الحديثة.
اليوم، بعد عشرة آلاف عام من الثورة الزراعية التي ما زلنا نجني قطافها تبدو المناطق التي انطلقت منها تحت خطر محدق، فظهور الأمراض المدمرة للمحاصيل كصدأ ساق القمح الذي لم يكن معروفاً قبل عشرة سنين من الآن بات يهدد توفر الخبز للناس على امتداد منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. ومن العوامل المساعدة على انتشار هذه الأمراض دخول الزراعة بدورها في العولمة والاعتماد على عدد محدود من الأصناف عالية الإنتاجية وإهمال زراعة الأصناف الوراثية المقاومة.
تعتبر بذور هذه المحاصيل والتي زرعت لآلاف السنين (من قمح وأرز وذرة وفاصولياء) هامة جداً في العلم الحديث بسبب ما تمثله من قاعدة وراثية جيدة قد تلعب دوراً جوهرياً في احتواء انتشار هذه الأمراض المدمرة وتحسين إنتاجية المحاصيل في الوقت نفسه لتأمين الغذاء لعشرة بلايين نسمة من المتوقع أن تشغل الأرض في القريب العاجل.
حيث يمثل هذا التنوع الوراثي الذي قام علماء سوريا بالحفاظ عليه ثروةً وراثية كبيرة استغرقت من أجدادنا مئات السنين من الزراعة والتحسين لإدخالها ضمن أنواعنا المحفوظة. ولكن مع تحول الزراعة إلى تجارة كبرى توجه التركيز على الأصناف ذات القاعدة الوراثية الضيقة بهدف زيادة الإنتاجية وسرعة الإنتاج مما أدى إلى انتشار أنواع محدودة على حساب غيرها وتقلص الحوض الوراثي للأصناف المزروعة. ويكمن الخطر هنا في أن اقتصار استخدام المُزارع على هذا العدد المحدود من الأصناف التي قد تبدو مرغوبة ظاهرياً ربما أدى إلى خسارة الكثير من العوامل الوراثية التي قد تبدو غير جديرة بالبقاء أو غير مرغوبة ولكنها قادرة على لعب دور المنقذ عندما ينتشر مرض جديد مدمر في المنطقة (كما حصل في حالة الصدأ).
ولهذه السبب قامت هذه المجموعة الصغيرة من العلماء بجهود جبارة وقاتلوا وفي كثيرٍ من الأحيان خاطروا بحياتهم للحفاظ على هذا الإرث الحيوي الذي تغاضى عنه الكثيرون فلهم كل الحب والتقدير.
المصادر:
هنا
هنا