ثلاثي المرح: اللعب - الألعاب - الرياضة 3- الرياضة: ما هي؟
منوعات علمية >>>> منوعات
من منَّا لا يعرف الرياضة؟! لعلَّ العديد منَّا يمارسها سواءً أكان لغرض التسلية والترفيه أم على نحو جدي سعيًا للتمييز واللياقة البدنية وأحيانًا المكاسب المادية، لكن جميعنا ندرك التحديات فيها وصعوبة إتقانها، وإضافةً إلى ذلك؛ فهي تحمل صعوبات في فهمها بصورة كاملة ودراستها من قبل الأكاديميين.
سنحاول بدايةً فَهم طبيعة العلاقة بين الرياضة والألعاب عن طريق رأيين لبيرنارد سوتس Bernard suit:
الأوَّل ورد في مقال The Elements of Sport؛ هو أن كل رياضة هي بالضرورة لعبة؛ أي يجب أن تحقق شروط اللعبة عند سوتس (التي ناقشناها في المقال السابق) إضافةً إلى شروط خاصة بالرياضات وهي: أن تعتمد على نحو أساسي على المهارة، وأن تكون هذه المهارة جسدية (أي الشطرنج لا تعدُّ رياضة)، وأن يكون أتباعها كثرًا وعلى درجة معينة من الاستقرار؛ أي لها مؤسسات ومنشآت المساعدة لها والمتعلقة بها مباشرة (1). وهذا الشرط الأخير يستبعد بعض النشاطات كهولا هوب Hula Hoop مثلًا، فمع أنها تحقق شرط المهارة الجسدية والأتباع الكثر، لكن ذلك لن يؤهلها على نحو كافٍ لأن تدعى رياضة.
أما الردُّ الثاني فكان في مقال Tricky Triad حيث يعود سوتس ليقول إن ليست كل رياضة هي بالضرورة لعبة، حيث يرى أن رياضات الأداء الاستعراضي performance sports (مثل الجمباز والغطس diving) ليست ألعابًا فالمهم فيها هو الوصول إلى أداء مثالي، وليس التغلُّب على العوائق غير الضرورية التي تفرضها القواعد (ناقشناها المقال السابق)، وعرف الرياضة هنا بأنها athletic competitive events منافسات بدنية، والتي قد تكون على شكل إما ألعاب وإما أداء استعراضي (1).
أما جون لوي John W. Loy (البروفيسور في الدراسات الرياضية)؛ ركز على عنصر اللعب في الرياضات، وعرف الرياضة على نحو مشابه لتعريف سوتس الأول، فقال إنها تشترك مع الألعاب بكونها نشاطًا مرحًا ممتعًا وطوعيًّا، منفصلًا عن الحياة العادية الروتينية، ونتائجه غير حتمية، لا ينتج منفعة مادية، محكومًا بقواعد، له طريقة معينة لتحديد الفائز. في حين تختلف الرياضة عن الألعاب في أنها تتطلب قدرات ومهارات جسدية مميزة، ويرى سوتس أنه يجب أن يكون لها مؤسسات تنظمها إضافةً إلى جمهور وأتباع كثر ولفترة طويلة من الزمن (1).
يعطي عالم الاجتماع الألماني غانثر لوشين Gunther luschen، تعريفًا للرياضة يوضح فيه علاقتها بكلٍّ من اللعب والعمل، فيقول: إن الرياضة هي نشاط عقلاني مرح وتفاعلي، له عوائد خارجية بحيث كلما ازدادت هذه العوائد الخارجية عدَّ النشاط عملًا، وكلما نقصت عدَّ لعبًا (2).
وكتبت البروفيسورة الأمريكية في فلسفة الأخلاق جان بوكسل Jan Boxill عن الرياضة، مركزةً على الأهمية الأخلاقية فيها، وتقول إن الرياضة بشكلها الأنموذجي تتمتع بالخصائص الأربعة الآتية:
1- أنها نشاط طوعي، غايته في ذاته حتى وإن كان يخدم أهدافًا أخرى، أي إنَّه من غير الضروري أن ينتج أي شيء أو يقدم أي خدمة.
2- أنها محكومة بقواعد، وهي نوعان: الأوَّل، القواعد المعنية بالسلامة والكرامة واللعب النظيف، وسمتها القواعد التنظيمية regulative rules، ومثال عليها عدم ضرب الملاكمين بعضهم من تحت الحزام وعدم الاحتكاك والتصادم بين لاعبي كرة القدم خارج إطار اللعب. فهذا النوع من القواعد يأتي انعكاسًا للقيم والأسس أخلاقية.
النوع الثاني هو القواعد البنيوية constitutive rules ـ مشابهة للقواعد البنيوية عند سوتس- التي عرضناها في مقال سابق- والتي يأتي وجودها من القَبول بها. هي القواعد التي تحدد النشاط والمصممة لتطوير وتقديم المهارات والمواهب، ومع ذلك لا نستطيع القول إن جميع الرياضات تمتلك مثل هذه القواعد مثل تسلق الجبال، لكن يمكننا القول إن هناك قاعدة على الأقل وهي أنه يجب تسلق الجبل للوصول إلى القمة وليس فقط الوصول إلى القمة، أما باقي القواعد فهي قوانين الطبيعة فقط.
3- أن فيها تحديات جسدية.
4- أنها تنضوي على التنافس لتحقيق الأفضلية والتميز في مواجهة تحديات أو صعوبات مشتركة بين المتنافسين.(3)
أما المعنى الأكثر بساطة للرياضة- إن صح التعبير- نجده في تعريف ميثاق الرياضة الأوروبي الذي يهدف بدوره إلى تمكين الأفراد من الرياضة وتوفير فرص ممارستها لهم، ولحماية وتطوير الأسس الأخلاقية والكرامة الإنسانية والسلامة لمن يمارسها، إذ يعرف الرياضة بأنها: كل أشكال النشاطات الجسدية، غير المنظمة كانت أم منظمة، والهادفة لتحسين اللياقة البدنية والصحة العقلية، أو تكوين علاقات اجتماعية، أو تحقيق نتائج في المسابقات على كل المستويات (4).
وأخيرًا لا بدَّ من الإشارة إلى الآراء التي تعارض مثل هذه التعاريف مثل البروفيسور بالفلسفة غراهام مكفي Graham McFee الذي يرى أن إعطاء تعريف للرياضة ليس فقط غير ممكن بل غير مستحب أيضًا، ويقول إن التعاريف هي كلام يصف أشياء مفهومة مسبقًا، لذا لا يساعد على الفهم بل من يفعل ذلك هو الأمثلة (1).
لكن ماذا لو كان المثال ذاته محط خلاف، مثل اعتقاد البعض لسباقات السيارات NASCAR رياضة وعدم اعتقاده كذلك من آخرين؟ وعندما نقول في تعريف ما إنها يجب أن تعتمد على النشاط الجسدي، كم هو مقدار المجهود الجسدي الذي يجب أن يبذله اللاعب بالتحديد لنقرر على أساسه؟ وهل هناك من فائدة أساسًا من تحديد إذا ما كان النشاط لعبًا أم رياضة أم شيئًا آخر؟
نجد أننا كلما وجدنا أجوبة عن أسئلتنا نصبح أمام المزيد من الأسئلة، وعن طريق هذه العملية يصبح فهمنا للمواضيع التي نبحث فيها أفضل وأكثر عمقًا.
المصادر: