هل تؤثر طريقة حديث الوالدين في تطور الأطفال اللغوي والاجتماعي؟
التعليم واللغات >>>> اللغويات العامة
تُعدُّ لغة الوالدين في التحدث مع أطفالهم (parentese) واحدة من أبرز العوامل التي تتنبأ بإنجاز الأطفال اللغوي. وقد سُجِّل في أنحاء العالم استخدام الوالدين لأسلوبِ تحدُّثٍ يتميز بارتفاع درجة الصوت وتباطؤ وتيرة الكلام والتنغيم المبالَغ فيه عند التخاطب مع أطفالهم. وعلى الرغم من ارتباط الكيفية التي يتحدث بها الآباء إلى أطفالهم الرُّضع ارتباطًا وثيقًا باكتساب اللغة لدى الأطفال، فإنَّ العديد من أولياء الأمور لا يُدركون ذلك (1).
وإذا عرف الآباء أن الطريقة التي يتحدثون بها قد تُساعد أطفالهم على التعلّم؛ فهل يُغيرون طريقة كلامهم؟
تُشير دراسة نُشرت في 3 شباط (فبراير) من عام 2020 أجراها معهد التعلم وعلوم الدماغ (I-LABS) في جامعة واشنطن إلى أن الآباء سيغيرون من طريقة كلامهم مع أطفالهم إذا كان ذلك مُفيدًا لأطفالهم. فقد درس الباحثون كيفية تأثير تدريب الأهل على قيمة لغة الوالدين -في التحدث- في استخدامهم لها مع أطفالهم الرُّضَّع، وأظهرت الدراسة أنَّ استخدام لغة الوالدين المتزايد قد عزز مهارات الأطفال اللغوية فيما بعد (2،3).
والجدير بالذكر أن لغة الوالدين تختلف عن أسلوب الكلام الطفولي (baby talk)؛ إذ عادة ما يكون هذا الأخير كلمات بلا معنى وأصواتًا سخيفة، مثل: cutesie-wootsie، أمَّا لغة الوالدين فهي تحتوي على قواعد نحوية متكاملة تتضمن كلمات حقيقية والأحرف الصوتية الطويلة والتنغيم المبالغ فيه. ويذكر الباحثون أيضًا أن لغة الوالدين تتناسب مع الرُّضع وتساعدهم على التناغم اجتماعيًا مع آبائهم وتحفزهم على التحدث حتى إذا كانت مجرد مُناغاة (4).
تقول باتريشيا كول (Patricia Kuhl) من I-LABS: "إننا نعلم منذ مدة بأن استخدام لغة الوالدين في التحدث يرتبط بتطور التحصيل اللغوي" وتضيف: "لكننا لم نكن نعرف السبب، فنحن نعتقد أن لغة الوالدين تُسهل تعلم اللغة بما تحتويه من تراكيب لغوية مُبسطة وأصواتٍ عالية، لكنَّ الدراسة الجديدة تشير إلى سببٍ أكثر جوهرية" وتُوضح كول: "نعتقد الآن بأن لغة الوالدين فعالة بسبب ارتباطها الاجتماعي بدماغ الطفل، فنغمات الصوت العالية وتباطؤ وتيرة الكلام المُستخدَمة تجذِب الطفل اجتماعيًّا وتدعوه إلى الاستجابة إليها" (2،3).
وفي دراسة سابقة نُشرت في عام 2018؛ تتبَّع الباحثون في I-LABS استخدام لغة الوالدين بين الآباء وأطفالهم الرُّضَّع مِمَّن يبلغون ستة أشهر، وجرى تقسيم الآباء عشوائيًا إلى مجموعتين: إحداهما كانت تحت التدريب والأخرى دونه، وحظيت المجموعة التي تلقت التدريب على مجموعة من النصائح والدروس عن إستراتيجيات اتصال مُحدَّدَة وهي: لغة الوالدين والتحدث مباشرة إلى الطفل ودمج اللغة في التفاعلات الفردية. وفي خلال الجلسات شغَّل المُدرب تسجيلات صوتية لأنماط مُعيَّنة من الكلام وقارن تسجيلات الآباء بالأهداف التي يرتكز عليها البحث من أجل تطوير لغة الطفل، ومن ثم وُجِّهت نصائح إلى الوالدين عن كيفية استخدام إستراتيجيات الاتصال هذه في أثناء ممارسات الحياة اليومية مثل وقت الطعام أو وقت الاستحمام. ووجد الباحثون أن الآباء الذين تلقوا التدريب ازدادت نسبة تحدثهم مُباشرة بلغة الوالدين إلى أطفالهم بنحو 15%، في حين أظهر الآباء من المجموعة التي لم تتلقَّ التدريب نموًّا أقل في استخدامهم لكلتا الإستراتيجيتين بمتوسط يبلغ نحو 7%. ووفقًا للتسجيلات وتقارير أولياء الأمور؛ وجد الباحثون أن أطفال العائلات المدرَّبة قد أصدروا مُناغاة أكثر وقد استطاعوا عند بلوغهم سِنَّ 14 شهرًا التلفظَ بكلماتٍ أكثر بكثير من أطفال العائلات غير المُدرَّبة (4).
وقد بحثت الدراسة الجديدة في آثار تدريب الوالدين وما ينتج عنه من تغييرات في مُدخلاتهم اللغوية وما يؤديه بدوره من تغييرات في النطق والتحصيل اللغوي لدى الأطفال ما بين سني 6 و18 شهرًا، وشارك في الدراسة عائلات تضم بينها أطفالًا في سنِّ 6 أشهر وقُسمت إلى مجموعتين: الأولى تتلقى التدريب على استخدام لغة الوالدين والثانية دون تدريب، وذلك لتحديد ما إذا كان بالإمكان تحسين متغيرات مُعينة من لغة الوالدين (parentese) بواسطة التدريب (1).
ومن إحدى طرائق التدريب التي اعتمدها البحث استهدافُ جوانب مُحددة من مُدخلات لغة الوالدين وقياس مدى مرونتها وتحديدُ ما إذا كان بإمكان التحسينات في هذه الجوانب أن تؤدي إلى تغييرات قابلة للقياس في نتائج الأطفال اللغوية، واختار الباحثون لغة الوالدين لأنها تُستخدم عبر مختلف الثقافات وهي موجودة في أغلب الأُسر الأمريكية. وأما الجانب الآخر الذي اعتمده الباحثون فكان باستهداف عائلات تتفاوت في حالتها الاجتماعية والاقتصادية من أجل تقييم الدور المُحتمل الذي تؤديه تلك الحالة في آثار تدريب الوالدين (1).
ولتقييم نتائج التحصيل اللغوي لدى الأطفال؛ أُعطيت جميع الأُسَرِ في الدراسة مُسجل صوت يرتديه الطفل داخل سترة صُنعت خصيصًا له في خلال أربع عطلات نهاية أسبوع منفصلة في سنِّ 6 و10 و14 و18 شهرًا. وسَجل الجهاز كُلًّا من حديث الوالدين والرُّضع مدة يومين كاملين متتاليين، وذلك ليتمكن الباحثون من قياس نسبة استخدام الآباء للغة الوالدين والمحادثات بين الأهل والطفل وكذلك تحصيل الرضع اللغوي سواء أكان مُناغاة أم كلمات حقيقية. وعُقدت جلسات تدريب الوالدين في سنِّ 6 و10 و14 و18 شهرًا للأطفال (2،3). وبعد ذلك شُغِّلت التسجيلات وراجع المُدربون استخدام الآباء والأمهات للغة الوالدين وناقشوا المشاركة الاجتماعية التي تُعزز مهارات الأطفال اللغوية. وزوَّد الباحثونَ الآباء والأمهات بملاحظات لغوية نوعيَّة وكميَّة، وشرحوا لهم كيف ولماذا يختلف كل مقياس لغوي من يوم إلى آخر ومن عائلة إلى أخرى ومن سياق إلى آخر.
تقول ناجا فيرجان راميريز Naja Ferjan Ramírez المُشرفة الرئيسة في هذه الدراسة: "لقد قدمنا للآباء والأمهات نصائح لغوية محددة، وبعد مناقشة أعمالهم اليومية شجعناهم على التفكير في سيناريوهات إضافية تُمكنهم من استخدام اللغة والتفاعل مع أطفالهم، وبصفة عامة فقد عبَّر الآباء والأمهات عن امتنانهم عند مغادرة جلسات التدريب برفقة أفكارٍ جديدة يمكنهم تطبيقها في بيوتهم" (1).
وقال الباحثون بأن جميع الآباء والأمهات في الدراسة قد استخدموا بالفعل لغة الوالدين في بداية البحث، ولكن استخدامهم لها قد تفاوت كثيرًا؛ فقد تعلَّموا في مجموعة التدريب مزيدًا من الفوائد المعرفية والاجتماعية للغة الوالدين وكيفية استخدامها ووقتها للتشجيع على التواصل الاجتماعي مع أطفالهم، وأدركوا كذلك تأثيرات لغة الوالدين الإيجابية في تطوير لغة الأطفال (2،3).
وأظهرت النتائج أن الأهالي الذين تلقوا التدريب قد زادوا من نسبة استخدامهم للغة الوالدين وأظهروا انخراطًا مع أطفالهم في النشاطات الحوارية أكثر ممن لم يتلقوا تدريبًا، وأبدى أطفالهم بدورهم ازديادًا في إصدار أصواتٍ مرتبطة بالكلام بدرجة ملحوظة بين سني 6 و18 شهرًا، وتمكنوا من لفظ مزيد من الكلمات عند بلوغهم 18 شهرًا (1). وبحسب تقديرات لاستطلاعات الآباء والأمهات؛ فإنَّ متوسط مفردات الأطفال عند سنِّ 18 شهرًا قد بلغ نحو 100 كلمة بين أطفال الأسر التي دُرِّبت وذلك مُقارنة بنحو 60 كلمة لدى أطفال الأسر التي لم تُدرَّب (2،3).
وتجدر الإشارة إلى أنَّ التزايد في استخدام لغة الوالدين وتبادل الحوار بين سني 6 و18 شهرًا يرتبطان إيجابيًّا بازدياد النطق عند الأطفال في أثناء الفترة الزمنية ذاتها، ويرتبطان أيضًا بتحصيل الأطفال اللغوي عند سنِّ 18 شهرًا، مِمَّا يُشير إلى أن السلوكيات اللغوية للوالدين وأطفالهم تتطور معًا (1).
وختامًا؛ يستنتج الباحثون بأنَّ استخدام لغة الوالدين –وهو أسلوب تَحدُّث مُحسَّن اجتماعيًّا ولغويًّا– يؤدي إلى تطوير المهارات الاجتماعية واللغوية لدى الأطفال، ويمكن أن يؤدي التدريب الذي يقوم عليه البحث –ويستهدف التواصل الاجتماعي بين الوالدين وأطفالهم– إلى تعزيز التحصيل اللغوي لدى لأطفال (1).
المصادر: