إيليني كارايندرو
الموسيقا >>>> تعرف إلى موسيقيي العالم
عندما تُصبح الموسيقا التصويرية للفيلم مُماثلة لقيمة الفيلم نفسه!
تخيَّل اليونان بجمالها المتوسطي اللازوردي، هناك ولدت إيليني كارايندرو ونشأت في قرية جبلية في وسط اليونان وتشرَّبت موسيقاها روحَ بلدها منذ البداية، وألحقتها بدراسة أكاديمية لآلة البيانو والنظريات الموسيقية لاحقًا في مكان يُدعى "هيلينكون أوديون" مدة خمس سنوات، ثم إنها درست علم الموسيقا النظرية في باريس، وأنشأت مخبرًا للآلات الموسيقية التقليدية ora.
تعاملت إيليني في كتابتها الموسيقية للأفلام والمسرح مع مخرجين يونانيين، وكذلك تعاونت مع كريس ماركر وجول داسين ومارغريت فون فوتا. وامتدَّ تاريخها العريق ليشمل 18 فيلمًا و13 مسرحية و10 مسلسلات تلفزيونية.
تجاوزت مؤلفات إيليني بشهادة نقاد الأفلام وصحفيِّي الموسيقا تسميةَ "الموسيقا التصويرية"، فلم تعد مجرد مرافقة أو تجميل للفيلم؛ بل عنصرًا أساسيًّا منه.
يقول الكاتب نيكوس تريانتا فيليديس في وصفٍ لموسيقاها: "لا شيء يُشبه موسيقا كارايندرو، إنها أشبه بمشاهد أنجيلويولوس المتسلسلة، موسيقاها هي الدم الذي لا يظهر على الشاشة، لتكشف الموسيقا شيئًا عميقًا روحانيًّا بين الكلمات".
*ثم إنَّ المغنية اليونانية أنجيليك إيوناتوس Angélique Ionatos قد أدَّت اثنين من مؤلفات إيليني في ألبومها un blue tres noir.
ووصفها الكاتب نيكوس تريانتا فيليديس بقوله: "الموسيقا هذه ليست موسيقا فيلم بإحساس محدود، بل موسيقا سينمائية في طبيعتها قادرة على خلق مناخ عاطفي، وقادرة على مسك يد المشاهد أو المستمع وجرِّه إلى تطوير مُخيِّلته كرسم سماء أو مناظر في الخفاء، وتُعطيها بلمستها الساحرة ببساطة القدرةَ على الغناء".
ساهمت نشأتُها في قريتها الجبلية المعزولة في منطقة جميلة وسط اليونان تُدعى "روميلي" بتغذية ذاكرتها بأصوات ظلَّت عالقة معها مثل زمجرة الرياح والمطر المُنهمر على الأسطح والمياه المُترقرقة وغناء العندليب وسكينة الثلوج، حتى الجبال المحيطة غصَّت بأصوات الفلوت والكلارينيت التي كانت تصل من مهرجانات القرية المجاورة.
"أذكر جيدًا دندنات النساء الجميلة في أثناء مواسم قِطاف الذرة، بينما نحن الأطفال نستلقي على البيدر ونحصي النجوم. حُفِرت الموسيقا البيزنطية في ذاكرتي، والتي كانت تتسلسل من الكنيسة. ورافقني هذا المشهد الموسيقي وأثَّر في موسيقاي التي صنعتها لاحقًا في تجارب مثل: Happy Homecoming، Comrade where the instrumentation often shifts around a bourdon or drone bass.
من طبيعة قريتها الجبلية إلى العاصمة المزدحمة الحديثة العهد بكلِّ ما قدَّمته التكنولوجيا من سيارات وكهرباء وأفلام! كانت نقلةً نوعيةً؛ إذ سكنت مع عائلتها بقرب سينما في الهواء الطلق واستطاعت إيليني عن طريقها مشاهدة الأفلام من نافذة غرفتها.
إنَّ الفتاة الريفية بشغفها الفطري والسينما التي تحت قبَّة السماء المفتوحة ومفاتيح البيانو التي أدمنتها قد شكَّلت ثلاثي الشغف الأساسي في حياتها وكان ذلك قبل سنِّ الثامنة.
وعلى الرغم من أنها درست في "هيلينكون أوديون" في كلية الموسيقا اليونانية؛ ولكن بقيت ألحانها بطابعٍ مُلحَّن غريزيًّا؛ إذ إنها تستخدم جملها الخاصة منذ أن بدأت ألحانها الأولى في أول جلوس لها إلى البيانو.
انتقلت إلى باريس بمنحة من الحكومة الفرنسية عام 1967، وبدأت دراسة علم الموسيقا، ويُعدُّ هذا حدثًا مهمًّا في سيرتها الذاتية؛ إذ نضجت ببطء لتتوِّج مسيرتها التي بدأت من عالمها الموسيقي الطفولي والمتطور مع الزمن عن طريق دراستها للأوركسترا.
كتبت إيليني في أثناء فترة دراستها أغاني "اللحن يأتي بسهولة إليّ"، وقد حاز بعضها نجاحًا تجاريًّا كبيرًا، ولكن ذلك لم يصرفها عن دراستها. في الوقت الذي كانت فيه ألحانها تُسافر في أنحاء العالم كانت هي غارقة في البحث الموسيقي. ومن ألبوماتها الأولى التي تشعر بالفخر إزاءها: I megali agripnia عام 1973.
انصهرت في سنوات مكوثها في باريس 1969-1974 مع إيحاءات عصر الجاز الأكثر قوة في تلك الفترة. وفي تلك المدينة على وجه التحديد وبعد أن ركَّزت زمنًا على الموسيقا الكلاسيكية؛ بدأت تنغمس في دراسة الموسيقا الشعبية العالمية.
مجددًا في أثينا؛ وجدت مختبرًا للأدوات التقليدية في مركز أورا الثقافي وشاركت في برامج الراديو الثالث في قسم علوم الموسيقا. وبعد ذلك في 1976 تقول عن نفسها: "تعرَّفت عالمي وطوَّرت ولحَّنت اعتمادًا على شعوري دون أيِّ انحياز أسلوبي أو فكري، وكانت تلك الفترة التي بدأت فيها التأليف بغزارة للمسرح والسينما".
صنعت موسيقاها لـ Christofis's Wandering عام 1979 نقطةَ تحوُّل في تأليفها الموسيقي السينمائي؛ إذ سمحت لنفسها بأن تُعطي انفعالًا خاصًّا للأشياء ولحركة الكاميرا.
وجدت نهجًا شخصيًّا للتأليف على المدى القريب، وكان ذلك بداية جديدة لها فتحت لها عالمًا لم تفكر سابقًا بالسفر إليه أبدً. والأمر الذي ساعدها أيضًا هو هامش الحرية الكبير الذي مُنحها إياه المخرجون الذين عملت معهم، ثم إنَّ مشاهدهم أعطتها المناخ المناسب لإظهار أجمل ما في أعماقها من مشاعر وأحاسيس.
في إحدى تصريحاتها تقول: "علاقتي بالكاميرا تفوق أهميةً علاقتي بالسيناريو"، بالموسيقا تضفي بلمستها على الحبكة والقصة ككل، في الوقت ذاته المغزى من الفيلم لا يظهر دائمًا في النص. تتكامل الصورة والموسيقا لتقول ما لا تستطيع الكلمات قوله بسهولة.
يبدو السيناريو غير ذي قيمة أحيانًا، كما يقول هارولد بينتر: "المعنى الحقيقي يكمن خلف الكلمات". مع الموسيقا تضيف لمسةً من التحديد للقصة مع باقي عناصر الفيلم: السيناريو والموقع والتمثيل والمونتاج، وتبقي البحث قائمًا عن الإيقاع الداخلي.
نالت كارايندرو جائزة أفضل فيلم عن "روزا" في مهرجان تيسالونيكي السينمائي 1982، وتعاونت مع ثيو أنجليلويوس، وقد حدث ذلك واستمرَّ حتى أصبحت العلاقة وطيدة بين الثنائيين في صناعة الموسيقا.
تقول إيليني عن عملها مع أنجليلويوس: "أنجيلويولس هو الرجل الذي يشعر بالكثير ويقول القليل؛ لذلك فمن المهم جدًّا عندي أن أفهم الأفكار في جذور عمله وكيف يمكنني أن أنقل الأشياء التي لن يُعبِّر عنها لفظيًّا في الفيلم. وأنا أجد الموضوع الرئيس في بعض الأحيان في الوقت الذي لدينا فيه سيناريو".
إنَّ كارايندرو حاصلة على ماجستير في التاريخ وعلم الآثار. وارتبطت في المسرح أيضًا مع كتَّاب مسرحيين معاصرين، ولكنها أيضًا كتبت للموسيقيين القدماء مثل أريستوفانس.
لقد جهزتها خلفيّتُها في علم الموسيقا وعملُُها مع الراديو للحفاظ على الآلات القديمة والأشكال الصوتية، وحافظت على الروح اليونانية التقليدية عن طريق وجود السانتوري التي تشبه صوت الرصاص في موسيقاها وباستخدام الكلارينيت أصواتًا أساسية.
في الواقع؛ إنَّ كارايندرو لديها ما يكفي من الاحترام للموسيقا اليونانية الشعبية لتتركها وحيدة، فهي استخدمت آلات تقليدية ولكنها وظَّفتها بطرائق غير تقليدية. "تأخذ السانتوري أحيانًا دورَ البيانو أو العكس بالعكس، أنا لم أخلط الموسيقا الشعبية مع أصواتي الخاصة، فالأصوات والألوان في بعض الآلات لديها جزء للعزف، هذا كل شيء؛ لأنها كانت تُعزَف في رأسي طوال حياتي كلها. أنا أستخدمتها لأرسم صورة تُمليها عليَّ هجرتي. إنَّ اهتمامي بالموسيقا التقليدية وعملي ملحنةً منفصلان تمامًا. وقد مزجت بينهما مرة واحدة حين تعرَّفت عازفَ فلوت غجري رائع وحاولت أن أحضره إلى موسيقاي أربع أيام وليالٍ، وقد أرهق نفسه بمحاولة عزف ما قد كتبته وجعلني حزينة بشدة وشعرت بأنني أحضرت طيرًا جميلًا ووضعته في قفص. لقد كان حُرًّا جدًّا في موسيقاه الخاصة: لذلك قلت وقتها: يكفي لن أكررها مجدداً".
وكتب أحد النقاد عنها: كارايندرو تصنع الحلم وتُعطيه زخمًا، وتتحدَّى خيالها الخاص لتحفيز النص والصور، وتُشجِّعنا للانطلاق والتحليق معها عن طريق المناظر الطبيعية والمناظر البحرية والمظاهر الروحية.
من مكان آخر من جهة كارايندورو يبقى لحنها الوحيد الذي تُردِّده دائمًا يتمحور عن موطنها: "أينما سافرت.. تبقى اليونان جرحي".
نترككم مع مختارات من أعمال إيليني:
المصدر:
هنا