العلم الزائف وترسيم الحدود الجزء الأول: ما بين العلم واللاعلم
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
كذلك سنحاول في هذه المداخلة توضيح طبيعة العلوم الزائفة مقارنة بالمجالات الأخرى غير العلمية (Non-scientific).
ماذا نعني بالعلم؟
يستخدم مصطلح (Science) الإنكليزي أساسًا ليصف العلوم الطبيعية والمجالات الأخرى الشبيهة بها كالاقتصاد السياسي وعلم الاجتماع، في حين لا تعدُّ الدراسات الأكاديمية في التاريخ والعلوم الإنسانية علمًا وفق هذا المعنى، ثم إن المصطلح الألماني الموافق له (Wissenschaft) له معنى أوسع بحيث يشمل جميع التخصصات الأكاديمية التي من ضمنها العلوم الإنسانية.
وقد يكون المصطلح الألماني الأوسع مناسبًا أكثر في فهم المشكلة بين العلم والعلم الزائف لأنها تشبه مشكلتنا مع تحريف التاريخ والتاريخ الزائف (مثل إنكار محرقة اليهود).
فما يهمنا هنا هو جميع المجالات الطبيعية والاجتماعية والإنسانية التي تعتمد التحقيق الجدي والمنهجي للوصول إلى أفضل فهم ممكن للعالم من حولنا.(1)
ماذا نعني بالعلم الزائف؟
لا بد لنا هنا من استعراض عديد من الآراء الفلسفية عن هذا الموضوع، منها ما يَعُدُّ كلَّ ما هو غير علمي (Non-scientific) ببساطة علمٌ زائفٌ، ومنها من لا يعدُّ ذلك.
وقد اقترحت تعابير مثل: (Para-science) للدلالة إلى الممارسات والمعتقدات غير العلمية وهي التي لا تعدُّ علمًا زائفًا مثل بعض المعتقدات الدينية والفلسفية التي لا تدَّعي العلمية، واللاعلمي (Unscientific) للدلالة إلى ما يتعارض مع العلم مباشرة، وهو الذي ليس بالضرورة أيضًا أن يكون علمًا زائفًا، بل قد ينجم عن أخطاء في الحساب والقياس؛ أي عن أداء علمي سيِّئ على الرغم من محاولة العالم الجديّة للوصول إلى نتاج علمي جيد وليس ناجمًا عن تزييف وخداع، والعلم الزائف (Pseudo-scientific) للدلالة إلى ما هو غير علمي ويدّعي العلمية على نحو مقصود.(1،2)
أما معايير تمييز العلم الزائف؛ فقد ركز كثيرون ممن كتبوا عن العلم الزائف على أنه غير علم يُطرح على أنه علم؛ أي إنه يحقق شرطين:
في حين أن الشرط الأول معنيٌّ باستبعاد ما هو حقًّا علمي، ويُعنى الشرط الثاني باستبعاد ما هو غير علمي ولا يندرج تحت العلم الزائف، وقد لا يتفق الجميع على صياغة الشرط الثاني بهذا الشكل؛ إلا أن التعديلات المقترحة عليه لا تبعده كثيرًا عن معناه السابق.(1،2)
Image: SYR-RES
مشكلة تعيين الحدود الفاصلة:
يعد كارل بوبر (Karl Popper) الفيلسوف البريطاني من أصل نمساوي، أحدَ فلاسفة العلم الأكثر تأثيرًا، ويُعدُّ معيارُه من أشهر الحلول لمشكلة تعيين الحدود الفاصلة، وهو الذي جاء رافضًا للمعيار الذي يعتمد على التأكيد (verification) واقترح عوضًا عنه معيارَ قابلية الدحض (Falsifiability) الذي من شأنه أن يرسم الحدود بين العلوم التجريبية وجميع المجالات الأخرى الدينية منها والميتافيزيقية والعلم الزائف، ويسمى أيضًا معيار قابلية الفحص (Testability). م(1،2)
يعتمدُ هذا المعيار على الملاحظة والرصد المستقبليين للنظريات؛ أي على صحة ما تقدم من تنبؤات للمستقبل لا على ما لها من أدلة نظرية، ومثال على ذلك الاختبار الناجح لنظرية النسبيّة العامة لأينشتاين مقارنة بنظريات فرويد؛ إذ كان يمكن أن تُدحضَ نظرية أينشتاين بفشل أحد تنبؤاتها، فلو أن كسوف الشمس عام 1919 لم يظهر انحناء ضوء النجوم بنتيجة حقل الجاذبية الشمسي (كما توقعت النظريّة)؛ لعدَّها العلماءُ نظريّةً خاطئةً. أما نظريات فرويد فلا يمكن دحضا بهذا الشكل، وبذلك لا يمكن التأكد من صحتها.(3)
ويقول عديد من مناصري هذا المعيار أن هناك شرطًا آخرَ مطلوب إضافة إلى قابلية الدحض؛ وهو أن تعطي المحاولات التي تسعى إلى اختبار النظرية ودحضها نتائجَ سلبية.
وكما غيره من المعايير؛ تعرض لعديد من الانتقادات، كذلك اقتُرحت عليه تعديلات تحت اسم الدحض المعقد (Sophisticated Falsification) أو التقدم العلمي (Scientific Progress)، وهنا لا يجري التعامل مع نظرية مفردة؛ بل برنامج من الأبحاث، إذ تُدحض نظرية بأن تأتي نظرية أفضل منها تعطي توقعات أكثر صحة، وعندها نقول أننا أمام تقدم علمي.(1،2) أما المساعي التي تحاول دحض نظرية دون أن تأتي بفهم أفضل أو أن تعطي تنبؤات أكثر صحة؛ فلن تكون علمية وقد تعدُّ علمًا زائفًا، كمحاولة دحض نظرية "التطور بالاصطفاء الطبيعي" دون تقديم فهم أفضل عن كيفية نشوء الأنواع أو تفسير أفضل للتشابهات بين عديد من الكائنات الحية.
وهناك أيضًا عديد من الآراء والأجوبة بما يخص تعيين الحدود الفاصلة التي ستكون موضع الجزء الثاني لهذا المقال.
المصادر:
1. Hansson, Ove S. The Stanford Encyclopedia of Philosophy [Internet]. Science and Pseudo-Science (Summer 2017 Edition). Zalta E (ed.). Available from: هنا
2. Sfetcu N. Science and pseudoscience - Falsifiability [Internet]. 2019 [cited 31 July 2020]. Available from: هنا
3. Shermer M. What Is Pseudoscience? [Internet]. Scientific American. [cited 31 July 2020]. Available from: هنا