عزيزي الكاتب، الإيطالي ريكاردو بوزي، اكتب تكن
كتاب >>>> اكتب تكن
قد لا يكون كل قارئٍ كاتبًا، لكن المحتّم والبديهي أن يكون الكاتب قارئًا نهمًا، له في يومه موعدٌ ثابت مع الكتاب، يجالسه ويؤانسه، وقد يغترّ الكاتب الغرُّ بمخطوطه الأول فينظر إليه بتقديسٍ عجيب وإعجابٍ مبالغ، فيرسله إلى دور النشر بزهوٍّ صريح ويطالبهم باحترام حقوقه وامتيازاته لكونه مؤلفًا نحريرًا، فإن ردّته إليه دور النشر بكتاب اعتذار يظنّ أنّها مؤامرةٌ عليه وعلى مجمل الأدب الرفيع.
ومعروفٌ أنّ كثيرًا من الكتّاب عانَوا في نشر عملهم الأول ليس ضعفًا في المادة الأدبية وإنما تبعًا لاسم الكاتب المغمور وسياساتٍ متفرقة تنتهجها دور النشر في العالم.
في كتاب (عزيزي الكاتب) للإيطالي (ريكاردو بوزي) يضع الكاتب بين أيدينا خمسين رسالةً متخيّلة وجّهتها دور النشر العالمية للكتّاب الأكثر شهرة في تاريخ الإنسانية، وهي رسائل مريرة لكنها منكّهة برشةٍ من توابل الظرف الإيطالي المعروف.
من هذه الرسائل يتخيّل الكاتب (بوزي) رسالةَ استنكار توجهها دار النشر للكاتب الإسباني الشهير (ميغيل دو سرفانتيس) تعتذر فيها بأسلوبٍ مبطّن عن نشر (دون كيشوت) وتقدّم له بعض النصائح لتحسين روايته الأشهر في العالم!!
"العزيز ميغيل:
عمل طويل جدًا، لاينتهي، هل تحدّد مجرياته أيضًا في إسبانيا؟
فليكن في الغرب الأميركي، مثلًا حيث المغامرات، أو على الحدود، أنّى شئت، ولكن ليس في إسبانيا، طواحين هواء في إسبانيا؟ الطواحين! إذن هولندا، هولندا هي الطواحين، لو تعلق الأمر بي شخصيًا، فإنّني لن أحدد بالمطلق أحداث نص في هولندا. بلد بمنتهى الضآلة لتسويق كتاب."
وبأسلوبٍ أكثر تجريحًا يوجّه الكاتب رسالةً متخيلةً أخرى من دار النّشر إلى صاحب رواية (أليس في بلاد العجائب) لويس كارول، يقول له فيها:
"البروفسور العزيز:
ارجع من فضلك إلى الرياضيات والمنطق خاصتك، هذا الشيء، أليس، لن تساهم إلا بجعلك مضحكًا، إنّها بحق مهزلة. نوع من عدم المعنى الكامل. المخلص لكم".
وأخرى للروائي غابرييل غارسيا مركيز ينصحه نصيحةً هامة بخصوص عمله الأشهر (مئة عام من العزلة):
"غابو: لو حذفت كل هذه الأشياء الغرائبيّة، الخارقة للطبيعة، التي تصل إلى حدود الصوفية، سيكون كتابك عظيمًا.
مسألة صغيرة أضيفها، أخشى أن لا يبقى كتابٌ بعد هذا الحذف".
نوّع الكاتب (ريكاردو بوزي) بأزمنة الرسائل، فوجّه بعضَها لكتّاب من عصورٍ قديمة كأفلاطون وهوميروس صاحب الإلياذة والأوديسة الذي قال له برسالةٍ متخيلة من دار نشر:
"أوك، صديقي. أرى أنك لست من نوع الكتّاب الذي يستسلم بسهولة. لو كنتُ أنا الذي استلمت رسالة رفض شبيهة بالتي قد أرسلناها إليك بخصوص "الإلياذة"، أجزم لك بأنّني لن أعود البتة لتأليف أي شيء."
وبأسلوبه الساخر يقول لنوستراداموس برسالة رفض أخرى من دار نشر متخيّلة:
"لو كان بمقدورك التنبؤ بالمستقبل، لما تكلفت عناء إرسال المخطوط إلينا".
وهكذا نجد أنّه لم يسلم من لسان (بوزي) المازح أحدٌ من كبار الكتاب في العالم أمثال: شكسبير، ودانتي، وتوماس مان، وكافكا، وتشارلز ديكنز، ومارسيل بروست، وسيغموند فرويد، وبوكوفسكي ودوستوفسكي وغيرهم كثير، لكنّ الكاتب يمضي بعيدًا في حسّه الساخر ليصل به الحدّ أن يوجّه رسالةً متخيلة أخيرة إلى الربّ بخصوص كتاب العهد القديم!
وقد زاد الكتابَ امتاعًا تزيينُه برسومٍ كاريكاتورية للمبدعين جيانكارلو آسكاري وبيا فالنتيس مستوحاةٍ من نصوص الرسائل وتوقع شكل وجوه الكتّاب عند تلقيهم الردّ الصادم.
ورغم أنّ هذه الرسائل تبعث على الابتسام، لكنها نقدٌ مبطّن لمنطق العولمة الذي يحكم كل مفاصل حياتنا اليوم، وهي في المقابل رسائل تحفيزٍ لكل كاتبٍ مبتدئ يشرع بالنهوض بمشروعه الأدبي ويحفّزه لتخطي العقبات التي لن يكون أولها رسائل الرفض من دور النشر.
معلومات الكتاب: