إيجاد طريقة فعالة لتعديل جينوم الميتوكوندريا أول مرة
البيولوجيا والتطوّر >>>> التقانات الحيوية
تؤدي الميتوكوندريا دورًا مهمًّا في عديد من العمليات الخلوية كالفسفرة التأكسدية المسؤولة عن توليد الطاقة اللازمة لعمل الخلية، وتمتلك الميتوكوندريا جينومًا خاصًّا بها يتميز بكونه جزيئًا حلقيًّا ثنائيَ الطاق، ويُرمَز له بـ mtDNA، ولكل ميتوكوندريا عدةُ نسخ من هذا الجينوم يُرمِّز عديدًا من البروتينات المسؤولة عن أداء وظائف الميتوكوندريا.
تؤدي الطفرات في mtDNA إلى عديد من الأمراض التي تعدُّ من أكثر الأمراض الوراثية الاستقلابية شيوعًا، التي تتصف بالتطور السريع ومعدل الوفيات المرتفع؛ لذلك هناك حاجة كبيرة لإيجاد طرائق فعالة لتصحيح الطفرات في mtDNA، مما يساهم في علاج هذه الأمراض في المستقبل (1).
لا شك أنَّ النجاح في التعديل الجيني للدنا قد حقق ثورةً في مجال العلوم الطبية الحيوية، وصُمِّمتْ عديد من تقنياتِ تعديل الجينوم في السنوات الأخيرة، ومن أكثر هذه التقنيات نوعيةً وفعاليةً تقنيةُ CRISPR-Cas9 (2)، على الرغم من فعالية هذه التقنية إلا أنه من غير الممكن استخدامها لتعديل mtDNA؛ نظرًا لأنها تعتمد استخدام جزيء RNA نوعي لتسلسل الدنا الهدف، وتكمن المشكلة في أنه حتى الآن لم يتمكن العلماء من إيجاد طريقة إدخال الـ RNA إلى الميتوكوندريا.
عند استخدام تقنية CRISPR وبعد ارتباط جزيء الـRNA بتسلسل الـDNA الطافر يشطر بروتين Cas هذا التسلسل ويستبدل به تسلسلَ الدنا الطبيعي، وهذا يمثل التحدي الثاني أمام تعديل جينوم الميتوكوندريا وهو أن الـmtDNA عندما يتحول إلى الشكل "الخطي - linear" عند قطعه يتخرب بسرعة، ولذلك فقد حالت التحديات السابقة دون تطوير طرائق فعالة لتعديل جينوم الميتوكونديا (3).
في عام 2016، طَوِّرتْ طريقة لتعديل الأسس الأزوتية دون الحاجة إلى شطر الدنا الهدف، التي تشبه نظامَ CRISPR في كونها تستخدم جزيءَ RNA نوعيًّا للتسلسل الهدف، لكنها تتميز باعتمادها الإنزيمات النازعة الأمين (deaminases)، التي تنزع الأمين من السيتيدين ليتحول إلى يوريدين، وتُسمَّى هذه الإنزيمات base editors؛ لأنها تعدل الأساس الآزوتي كيميائيًّا دون شطر الدنا (4)، وبذلك تتجاوز العقبة الأولى أمام تعديل جينوم الميتوكوندريا.
ولتجاوز العقبة الثانية طورت مجموعة من الباحثين مؤخرًا طريقةً لتعديل الجينوم تعتمد نازعات الأمين، لكنها تستخدم بروتينات الـTALE (transcription activator–like effectors) عوضًا عن الـRNA لتحقيق الارتباط النوعي بالتسلسل الهدف (3)ـ وترتبط بروتينات TALEs (التي اكتشفت عند بكتيريا Xanthomonas المعدية النباتات) مع تسلسلات نوعية للدنا، وتزيد من انتساخ الجينات الهدف؛ ولذلك سميت منشطات الانتساخ، ويمتلك كل بروتين منها نطاقًا خاصًّا من الحموض الأمينية يتعرف على تسلسل معين من الدنا؛ ونظرًا لأنه من الممكن تصميم بروتينات TALEs قادرة على التعرف على أي تسلسل دنا، فقد اُستخدامت هذه البروتينات في تقنيات تعديل الجينوم قبل تطوير تقنية CRISPR(5).
شَطر الباحثون في البحث المذكور الإنزيمَ النازع الأمين إلى قسمين غير فعالين وربطوهما ببروتين TALE مهندس جينيًّا ليرتبط بجين ميتوكوندري معين، ويؤدي ارتباط هذا البروتين بتسلسل الدنا الهدف إلى اتحاد قسمي الإنزيم معًا، فيستعيدان فعاليتهما الإنزيمية ويصحِّحان الطفرة.
حققت هذه الطريقة في التجارب in vitro فعالية في تعديل الجينوم وصلت إلى 50%، ما يعطي أملًا كبيرًا في قدرة هذه الطريقة على علاج الأمراض المرتبطة بالميتوكوندريا في المستقبل، لكن مازال من الضروري تجربة هذه الطريقة على نماذج حيوانية مختلفة أولًا لاكتشاف قدرتها العلاجية (3).
المصادر: