التمويل السلوكي (Behavioral Finance)
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> الأسواق المالية
التمويل السلوكي (Behavioral Finance)
هو مصطلح يشير إلى كيفية تأثير علم النفس على السلوك المالي للمستثمرين، وهو مجال فرعي من مجالات الاقتصاد السلوكي (Behavioral Economics) يجمع بين علم النفس السلوكي والعلوم الاقتصادية والمالية التقليدية.
وهو أحد مجالات الدراسة التي تقول بأنه عند اتخاذ قرارات الاستثمار، فإن الناس ليسوا عقلانيين تمامًا كما توضح نظرية التمويل التقليدية (1).
ويشير علماء السلوك إلى أن السلوك غير العقلاني يُعدُّ أمرًا شائعًا أكثر من كونه شذوذًا (2).
وفيما يخص المهتمين بعلم الاستثمار الذين لديهم فضول تجاه كيفية أن العواطف والتحيزات تؤثر في تغيير أسعار الأسهم، يقدم التمويل السلوكي بعض الأوصاف والتفسيرات المثيرة للاهتمام (2).
مبادئ التمويل السلوكي:
المحاسبة العقلية (Mental accounting):
عرَّفها ريتشارد ثالر Richard Thaler على أنها مجموعة العمليات المعرفية التي يستخدمها الأفراد والأسر لتنظيم الأنشطة المالية وتقييمها وتتبعها(3)، وهو مفهوم يشير إلى ميل الناس إلى تخصيص الأموال لأغراض محددة (1)، وغالبًا ما تقود المحاسبة العقلية المستثمرين إلى اتخاذ قرارات غير منطقية (2).
وتبعًا لذلك يرى الباحثون السلوكيون أن المستثمرين لا يملكون موقفًا واحدًا فقط تجاه الخطر، وإنما عدة مواقف، فقد يميل بعضهم إلى تحمل مخاطر مرتفعة، في حين يميل آخرون إلى تجنب المخاطر، لذا ستختلف قراراتهم الاستثمارية تبعًا لمحاكمتهم العقلية الخاصة (3).
سلوك القطيع (Herd behavior):
يشير إلى أن الناس يميلون إلى تقليد السلوكيات المالية للآخرين بدلًا من استخدام معلوماتهم الخاصة أو اتخاذ قرارات مستقلة وفقًا لتحليلاتهم الخاصة، ويشتهر هذا السبب وراء الارتفاعات الهائلة وعمليات البيع المكثفة (1). ويُفسر سبب شراء المستثمرين في الأسواق الصاعدة والبيع في الأسواق الهابطة (2).
الفجوة العاطفية (Emotional gap):
تشير الفجوة العاطفية إلى اتخاذ القرار بناءً على المشاعر القوية أو التوترات العاطفية مثل القلق أو الغضب أو الخوف أو الإثارة، وكذلك فيما يخص مجال الاستثمار في كثير من الأحيان، تكون العواطف سببًا رئيسيًّا لعدم اتخاذ الناس خيارات عقلانية (1).
الإرساء ( Anchoring ):
وهو يشير إلى إرفاق مستوى الإنفاق بمرجع معين، كالإنفاق على أساس مستوى الميزانية أو على أساس القيم الموجودة لديه سابقًا (1).
مثلًا في سياق الاستثمار، تتمثل إحدى نتائج الإرساء في أن المشاركين في السوق الذين لديهم هذا النوع من التحيز يميلون إلى الاحتفاظ باستثمارات فقدت قيمتها، لأنهم ثبتوا تقديرهم للقيمة على السعر الأصلي (4).
الإسناد الذاتي (self attribution):
يشير إلى التحيز الذي يجعل الشخص يعتقد أن النجاح الذي حققه في العمل أو اختيارات الاستثمارات أو المواقف المالية يرجع إلى خصائصه الشخصية، أي يتجاهل فيه الشخص دور القوى الخارجية في نجاحه ويعزو النجاح إلى قوته وعمله.
تُعدَّ هذه الظاهرة سلبية في طبيعتها لما تحققه من إخفاقات على المدى البعيد، وخصوصًا إذا كان الشخص يريد الحفاظ على النجاح في الاستثمار أو الإدارة أو أي نشاط آخر في الأعمال أو التمويل، فيجب عليه تصحيحها.
التحيزات التي دُرِست في التمويل السلوكي:
تحيز التمركز الخاطئ (Disposition Bias) :
يُقْصَد به ميل الأشخاص إلى بيع الأسهم المربحة والتشبث بالأسهم الخاسرة، من منطلق تحقيق المكاسب السريعة من بيع الأسهم المربحة والاحتفاظ بالأسهم الخاسرة مدة طويلة وعدم الاعتراف بالخسارة أملًا في بيعها بعد ارتفاع سعرها أو عودة سعرها الأصلي مرة أخرى (1).
تحيز التأكيد: (Confirmation Bias)
وفقًا لهذا التحيز، يميل المستثمرون إلى قبول المعلومات التي تؤيد وجهة نظرهم الاستثمارية، إذ يكون المستثمر على استعداد لقبول المعلومات التي تؤيد وجهة نظره حتى إذا كانت هذه المعلومات مغلوطة (1).
التحيز التجريبي: (Experiential Bias)
يحدث عندما تكون ذاكرة المستثمرين متحيزة للأحداث الأخيرة أو تقودهم إلى الاعتقاد بأنه من المرجح أن يقع الحدث مرة أخرى.
على سبيل المثال، أدت الأزمة المالية عامي 2008 و 2009 إلى خروج عديد من المستثمرين من سوق الأوراق المالية، بسبب النظرة الكئيبة إلى الأسواق وتوقع مزيد من المصاعب الاقتصادية في السنوات القادمة، فقد زادت تجربة المرور بمثل هذا الحدث السلبي من تحيزهم أو الخوف من احتمالية تكرار هذا الحدث.
ولكن في الواقع، تعافى الاقتصاد وانتعشت السوق مرة أخرى في السنوات اللاحقة (1).
تجنب الخسارة (Loss Aversion):
يُقْصَد به ميل المستثمرين إلى إعطاء الأولوية في التركيز على تجنب الخسارة أكثر من تحقيق مكاسب عالية، إذ يرون أن ألم الخسارة له تأثير مضاعف في نفسياتهم أكثر من اهتمامهم بكسب الأرباح.
مثلًا، يفضل بعض المستثمرين شراء أسهم ذات عوائد منخفضة لكنها مضمونة على أن يشتروا أسهمًا ذات عوائد مرتفعة ومخاطر عالية (1).
تحيز الاعتياد (Familiarity Bias):
يحدث عندما يميل المستثمرون إلى الاستثمار في ما يعرفونه، مثل الشركات المحلية أو الاستثمارات المملوكة محليًّا.
نتيجة لذلك، لا يتنوع المستثمرون عبر قطاعات وأنواع متعددة من الاستثمارات، مما قد يزيد من المخاطر. أي يميل المستثمرون إلى الذهاب مع الاستثمارات التي لديهم تاريخ فيها أو مألوفة لديهم (1).
التمويل السلوكي في سوق الأوراق المالية:
تقول نظرية كفاءة السوق (EMH) إنه في أي وقت في سوق عالي السيولة، فإن أسعار الأسهم في ســوق الأوراق الماليــة تعكــس جميــع المعلومــات المتوفرة والمتعلقــة بالسوق، ولكن وثقت عديد من الدراسات ظواهر تاريخية طويلة الأجل في أسواق الأوراق المالية تتعارض مع فرضية كفاءة السوق، ولا يمكن إيجادها في نماذج تستند إلى العقلانية الكاملة للمستثمر (1).
تستند EMH عمومًا إلى الاعتقاد بأن المشاركين في السوق ينظرون إلى أسعار الأسهم بعقلانية بناءً على جميع العوامل الداخلية والخارجية الحالية والمستقبلية (1).
عند دراسة سوق الأوراق المالية، يتبنى التمويل السلوكي وجهة نظر مفادها أن الأسواق لا تتصف بالكفاءة تمامًا، وأنه يمكن للعوامل النفسية أن تؤثر في شراء الأسهم وبيعها.
وعلى نطاق واسع، استُخدِمَت نظريات التمويل السلوكي كذلك لتقديم تفسيرات أوضح لحالات الشذوذ الكبيرة في السوق، مثل الفقاعات السعرية والركود العميق (1).
ولكن لم يتوصل علماء السلوك بعد إلى نموذج متماسك يتنبأ بالفعل بالمستقبل بدلًا من مجرد التفسير بالاستفادة من الإدراك المتأخر لتحركات السوق في الماضي (2).
لا يقدم التمويل السلوكي أي معجزات استثمارية، ولكن ربما يساعد المستثمرين في تدريب أنفسهم على كيفية توخي الحذر من سلوكهم، ومن ثَم تجنب الأخطاء التي من شأنها تقليل ثرواتهم الشخصية (2).
المصادر:
2- McClure B. An Introduction to Behavioral Finance [Internet]. Investopedia. 2020: هنا
3- Segal T. Mental Accounting Definition [Internet]. Investopedia. 2019. هنا