مراجعة رواية (لم يصلِّ عليهم أحد): الذين نجوا من الحياة
كتاب >>>> روايات ومقالات
وخالد خليفة سوري الجنسية من مواليد حلب عام 1964، وقد تُرجِمت أعماله إلى كثيرٍ من اللغات، ومنها؛ (مديح الكراهية) و(لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة)، وقد وصلتا إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية.
وتدور أحداث هذه الرواية في مدينة حلب، والتي كانت مدينةً هادئة قبل حدوث الطوفان عام 1907 الذي أغرق قرىً بأكملها وجعل حیاة من بقي حیًّا أشد إيلامًا ممَّن رحل.
تدور أحداث الروایة حول صدیقين هما زكریا وحنا، وهما الشابان اللذان نجیا من طوفان ضرب قریتهما (قرية حوش حنا) في حلب، وأفقدَهما أحبتهما جميعًا.
ویتناول الكاتب (خالد خلیفة) كیف غیَّر الطوفان حیاتهما فلم تنتهِ مآسیهما بانتهاء مراسم الدفن التي امتدت أیامًا طویلة، ورافقتها آلامٌ أطول كما وصفها زكریا "الدفن لا یعني نهایة الموت، شعرت لأول مرة بالموت یسري تحت جلدي".
ويصف الكاتب في مقدمة الرواية مشهدَ الطوفان ليعود بالزمن تدريجيًّا إلى طفولة حنا وزكريا.
و(حنا) هو الطفل الذي هرب إلى حلب بعد مجزرة ماردین التي وقعت عام 1881 على ید مجموعة من الضباط العثمانیین بحق عائلة والده (كابرییل كریكوس)، فانتقل إلى العیش مع عائلة زكریا حيث قضيا طفولتهما معًا، وجمعتهما الرغبة في اكتشاف كل ما هو مجهول قبل أن یجمعهما الطوفان لیكونا شاهدین على فقدان أحبتهم جميعًا في القریة.
فحنا الذي شعر أنَّ سعادته قد غاصت في أعماق النهر الذي سلبه ابنه وزوجته یقرر الهروب من حلب باحثًا عن شيءٍ یغیر حیاته ویخرجه من كوابیسه وبؤسه، فیختار حیاة الزهد ویمرُّ بتجربة روحیة تغیِّر نظرته إلى الحیاة وتحوِّله من شاب مولع بالقمار والنساء إلى قدیس عظیم ینتظره البؤساء والمرضى لیقضي حوائجهم، فیبصر الأعمى بلمسته ویسیِّر المشلول بمباركته.
أما (زكریا)، فقد عاش مع زوجته (شاها) حیاةً جمیلة قبل الطوفان الذي أخذ ابنهما الوحید، ولكنَّ الطوفان لم یغرق ابنه فحسب؛ بل أغرق ماضیه الصاخب وحیاته كاملةً بما فیها خیوله وقلعته.
ثمَّ تتوسَّع أحداث الرواية لنشهد قصص حبٍّ جمعت بين مجموعة من الأشخاص في القریة في ظل تنوعٍ دیني في المدینة جعل من بعضها مستحیلًا ومن بعضها الآخر سببًا لنهایة حیاة.
ولم تكن جثث موتى الطوفان وقصص الحب المستحیلة الوحیدة التي لم یصلِّ علیها أحد، فقد غصَّت تلك الأرض بمقابر أشخاص بؤساء ماتوا ولم یصلِّ علیهم أحد؛ إذ عُثِر على كنیسة مدفونة تحت الأرض تضمُّ رفات 30 شخصًا اتَّخذوها مكانًا للعبادة في أثناء فترة اضطهاد القیصر للمسیحیین في المنطقة.
وفي الوقت نفسه، یسلِّط الكاتب الضوء على شخصیات كانت بارزة في تلك الحقبة الزمنية من تاريخ المدينة؛ مثل (أبو الهدى الصیادي)، وهو شیخ القریة الجلیل الذي كان رافضًا لوجود العثمانین ولوجود التشدُّد الدیني، وتحمل هذه الشخصية في طياتها رمزیةً لمدینة جمعت تناقضات دینیة وسیاسیة في أثناء القرن التاسع عشر والتي شكَّلت فترةً غنیة من تاریخ هذه المدینة.
ثمَّ یسهب الكاتب في الحدیث عن تاریخ حلب عن طريق عَرْضه مجموعةَ مصنفات عُثِر علیها في منزل عائلته في العنابیة تعود كتابتُها إلى(حنا)، فقد كتب (حنا) سبعة مصنفات بین عام 1918 وعام 1951 في دیر زهر الرمان.
وكانت المصنفات تضمُّ الحدیثَ عن النبات والحیوان الموجود في حلب في تلك الفترة، وعن أنساب الخیول التي كان زكریا مولعًا باقتنائها، إضافةً إلى مصنفٍ أسماه الكاتب(الآثام)، ویتحدَّث فیه حنا عن عذاباته بعد الكارثة وعن حیاته التي أضاعها سدى. ونراقب في هذا الفصل عبثیةَ حنا الشاب، ثمَّ بَحْثه عن الله، ونراقب تحوُّلاته في رحلات بحثٍ مختلفة ما بین البحث عن الحریة، والبحث عن الله وعن الحب وعن الموت وعن ذلك كله، بینما الخلفیة الهادئة ترصد تغیرات أیديولوجیة تغیِّر من النسیج المجتمعي لمدینة حلب تدریجیًّا.
لقد تشارك سكان مدینة حلب في عقود الموت بأشكاله المختلفة متمثِّلًا بالمجازر تارةً، وبالكوارث الطبیعیة والأوبئة تارةً أخرى، واليوم تشارك أبطال هذه الروایة القلقَ نفسه، فیطوفون في الأرض باحثین عن ظلِّ حیاة بعد أن أغرق الطوفان حیاتهم السابقة.
ملاحظة: كلمة (يصلِّ) غير مضبوطة بالشكل في الغلاف الأصلي للرواية، وضبطناها دفعًا للبس.
معلومات الكتاب:
المصادر: