التزاحم الخلوي؛ بين إعادة الاستتباب والموت الخلوي المبرمج
البيولوجيا والتطوّر >>>> منوعات بيولوجية
تعد قدرة الخلية على تكوين استجابةٍ مناسبةٍ للشدة البيئية أو داخل الخلوية أمراً بالغ الأهمية في تحديد مصيرها. (1)
لكن كيف تستجيبُ الخليةُ للشدة؟ وعلى أي مستوىً جزيئيٍّ يتظاهر الخلل؟
أجل لا شك في أن أول إجابةٍ ستتبادر إلى أذهاننا بصفتنا بيولوجيين هي على مستوى ترجمة الحَمْض النَوَوِيُّ الرِّيبوزي المرسال (mRNAs) وتصنيع البروتينات المختلفة. فلنَخُض في الأعماق الخلوية لفهم الأحداث.
تتمحور الحياة -بأدق جزئياتها- حول عملية الترجمة التي تُمثل جسر الوصل بين الحموض النووية والحموض الأمينية. وكأية عمليةٍ حيويةٍ في الجسم؛ تخضع الترجمة للتنظيم على مستوياتٍ مختلفة. وأحد مستويات التنظيم هو التطويل (translation elongation)، وهو العملية التي تتحرك فيها الريبوزومات على طول (mRNAs) لتكوين الببتيدات عن طريق فك شفرات الروامز (codons). وتقود عوامل الشدة المختلفة إلى عرقلة حركة هذه الريبوزومات وبالنتيجة تصادمها.
يجب على الخلايا أن تتجنب ازدحامات الريبوزومات، لأن توقف عمل الريبوزومات قد يكون مصدر البروتينات المشطورة والضارة. وبالنتيجة تخضع تصادمات الريبوزومات للمراقبة في الخلايا عن طريق نظام مراقبة الجودة المرتبط بالريبوزوم لمراقبة تخرب عديد الببتيد الناشئ. في هذا النظام اقتُرح الريبوزوم المتصادم، الذي يسمى أيضاً ثنائي الريبوزوم (di-ribosome) أو الديزوم (disome) مستشعراً نوعياً يدل على توقف الترجمة. (3)
في شهر تموز (يوليو) من العام الماضي 2020؛ أجرى الباحثون تجاربَ باستخدام مثبطات الترجمة والاستطالة ومختلف شروط التوتر الخلوي -متضمنة الحرمان من الحموض الأمينية (starvation) والتشعيع بالأشعة فوق البنفسجية-؛ إذ تبين أن هذه التصادمات تُفَعِّل طرائق الاستجابة الخلوية للشّدة المتواسطة بـ MAPK.
(1)
تعد سبل تنبيغ الإشارة المُتَواسطة بالبروتين كيناز (MAPK) المنشَّطة بالميتوجين آلياتٍ منتشرةً وعاليةَ الانحفاظ تطورياً لتنظيم الخلايا الحقيقيات النوى. يتيح تعدد هذه السبل حدوثَ استجاباتٍ منسَّقَةٍ ومُتكامِلة للمحفزات المتنوعة. تشمل هذه المحفزاتُ الهرموناتِ وعواملَ النمو والسيتوكينات إضافةً إلى الشدة البيئية. تُؤثِّر مسارات (MAPK) -بمجرد تنشيطها- كثيراً في فيزيولوجيا الخلية، فهي تنسق عملية الانتساخ الجيني، والتصنيع الحيوي للبروتين، والتحكم في دورة الخلية، والاستماتة، والتمايز. (2)
تحدد بروتينات كيناز المفَعَّلَة بالشدة الخلوية (SAPK) مصير الخلية استجابةً للأذيات البيئية المتعددة. تشمل الـ (SAPKs) عند الثدييات عائلتين؛ هما: (P38) و(c-Jun N-terminal kinase - JNK). ويسبب تفعيلُ العائلة الأولى توقفَ الدارة الخلوية، في حين يسبب تفعيل العائلة الثانية الموتَ الخلوي المبرمج. ويعتمد تفعيل هاتين العائلتين خاصة على بروتين كيناز كيناز كيناز المنشَّط بالميتوجين (MAPKKK) ZAK؛ فما آلية عمل هذا البروتين في أثناء حدوث الشدة الخلوية؟
تشير التقارير إلى أن التصادم الريبوزي يظهر في مواقع مرمّزات التوقف في (mRNAs) حتى في ظروف الخلية الطبيعية؛ وأظهرت التجارب في هذه الدراسة كذلك ارتفاعاً في تراكيز البروتين (ZAK) في المواقع المذكورة ذاتها، إضافةً إلى ارتفاعٍ ملحوظٍ في نسبة ارتباط البروتين بالريبوزومات المتصادمة، وذلك عند المواقع حيث توجد الجزيئات الببتيدية المسببة لتوقف حركة الريبوزومات وتعطيل عملية الترجمة، ليتفعّل هذا البروتين ويحفز تفعيلَ سبل تنبيغ الإشارة (SAPK) الموافقة. (1)
تؤكد التجارب في هذه الدراسة على أنه على الرغم من ارتباط (ZAK) بالريبوزومات المتعددة الوحدات المتوضعة على (mRNAs) والمتصادمةِ على نحوٍ عابر، إلا أن هذا البروتين تحت الشدة الخلوية الواسعة يعمل على الفسفرة الذاتية تلقائياً على الريبوزومات الوفيرة التصادم والأكثر استقراراً، وبصورةٍ دقيقةٍ تحدث الفسفرة على الوحيدة الصغيرة من الريبوزومات المتصادمة (the disome)، ومن ثم يفعل سبل تنبيغ الإشارة (SAPK) الموافقة. (1)
بالمحصلة، يعد التصادم الريبوزي وسبل الإشارة المرتبطة بهذه الظاهرة أحد السبل التي تستخدمها الخلية للحفاظ على الاستتباب الخلوي؛ إذ ينبه الخليةَ عند حدوث الشدّة للبدء بتفعيل طرائق الاستجابة المناسبة لها. تفتح هذه الدراسة آفاقاً جديدةً لمزيدٍ من الأبحاث العلمية فيما يخصُّ بروتين (ZAK) وآلية تفعيله، مما يتيح فهماً أوسع للأحداث الخلوية الجزيئية ما قبل الموت الخلوي المبرمج.
المصادر: