فرضية العالم العادل
علم النفس >>>> القاعدة المعرفية
وتتنبأ فرضية العالم العادل بردّ فعل الناس على المواقف الظالمة التي يَشهَدونها، والتي وفقًا لوصف ليرنر «تنتهك ما يُعتبر ملائمًا، فحين يشهدُ الإنسانُ موقفًا ما، فإنه يميل إلى وضع نتيجةٍ معينةٍ للحدث الذي يراقبه، وتكون هذه النتيجة متوافقة مع ما يعده «ملائمًا»، فإن حدث الظلم، يدركُ أنَّ العالمَ غيرَ عادل ويشعر بالغضب والحنق والسّخط (2). ويشعر الإنسان عند مراقبته حدثًا غير عادلٍ أنه معرّضٌ أيضًا لذلك الظلم وتلك المعاناة، مما يمثّل تحديًا لرؤيته للعالمَ. وسيحاول عندئذٍ إعادة التوازن إلى الموقف من خلال البحث عما يبرّر الفعل الظالم، كي يصل في النهاية إلى اعتقاد مفاده «إن العالم عادلٌ، والضحية مسؤولة عمّا تعرضت له» (2).
ومن الأمثلة الشائعة لوم ضحية الاعتداء الجنسي على لباسها أو تصرفاتها، إذ نسمع ما يشبه القول: «لو لم تكن ترتدي هذا اللباس لما تعرضت للاعتداء»، ما يحاول الأشخاص الوصول إليه هو نتيجة مفادها «إن الفتاة نالت ما تستحقّ، لا داعي للغضب، إذ لن أتعرض أنا لذلك». وهي نتيجة خاطئة ومؤذية للضحية وتحرّض على انتشار ثقافة الاغتصاب في المجتمع عند تسليط الضوء على الضحية ونسيان المجرم الذي يستحق كل اللوم.
ولوم الضحية رد فعل شائع عندما يشهد الناس حدثًا ظالمًا يعجزون عن تصحيحه، وتُعرف هذه الظاهرة باسم تأثير الانتقاص Derogation Effect. ومن المثير للاهتمام أيضًا أن الضحية أحيانًا توجه اللوم/الانتقاص لذاتها، ولوحظت مثل هذه الحالات بين ضحايا المعسكرات النازية وضحايا الاغتصاب. وتلوم الضحية ذاتها للتكيف مع الحقيقة المؤلمة بأن أشخاصًا بريئين آخرين قد يتعرضوا لما تعرضت له من معاناة. وتفسر هذه الظاهرة لوم الفقراء على فقرهم ومرضى الإيدز على مرضهم (2).
وعلى الرغم من ترافق هذا الاعتقاد بالنتائج السلبية، ثمة آثار إيجابية ترافقه، فالإيمان بعدالة العالم يقي الإنسان من مواجهة المآسي والظلم ويحفظ سلامتهم النفسية. ووجدت الأدلة بالفعل أن المؤمنين بعدالة العالم أقل سخطًا ويميلون إلى تجنب الأفعال المنحرفة لاعتقادهم أن الأعمال ستُجازى (2).
إن نطاق فرضية العالم العادل في الحقيقة واسع يلاحظ أثره في جوانب مختلفة، ويُعتقد أن الحاجة للإيمان بعدالة العالم تُشاهد في الكثير من الظواهر والعلاقات الاجتماعية. فمثلًا، يميل الناس للربط بين الجاذبية الجسدية من جهة والصفات الشخصية الإيجابية والنجاح من جهة ثانية بما يتلاءم مع فرضية العالم العادل. إذ يميل الناس للاعتقاد أن الأشخاص الجذابين استحقوا جمالهم لأنهم جيّدون وسيحصدون النجاحات في جوانب أخرى من حياتهم نتيجةَ ذلك (3).
ومن الظواهر الأخرى التي يمكن أن تفسرها فرضية العالم العادل ما يعرف بظاهرة تعميم المكانة Status Generalization Phenomenon التي تشير إلى ميل ذوي المكانة المرموقة اجتماعيًا (فيما يتعلق بالجنس أو العرق أو الطبقة الاجتماعية...) إلى نيل مواقع القوة أكثر من نظرائهم الأقل مكانة بصرف النظر عن صلة الموقع/المنصب بميزاتهم الاجتماعية، إذ يرغب الناس بالاعتقاد أن الناس في موقع القوة هم فعلًا أجدر بنَيلها، أي أنهم يُعممون تفوق الفرد في الجانب الاجتماعي «س» ليصبح تفوقًا في الجوانب الأخرى. فترجح الحاجة لوجود العدالة على أهمية التوزيع العادل للقوة (3).
الإيمان بعدالة العالم انحياز معرفي نتائجه غير محمودة، لذا فإن إدراكنا لتأثيره في رؤيتنا يحررنا من خطأ الحكم، فنرى الحياة على نحوٍ أوضح.
المصادر:
2.Giddens L, Petter S. “They Deserved It”: Using the Just World Hypothesis to Understand Blaming, Apathy, and Support on Social Media [Internet]. Scholarspace.manoa.hawaii.edu. 2020 [cited 31 January 2021]. Available from: هنا
3.Hafer C, Bègue L. Experimental research on just-world theory: problems, developments, and future challenges. Psychol Bull [Internet]. 2005 [cited 31 January 2021];131(1):128-167. Available from: هنا