مراجعة رواية معراج الموت، ممدوح عزام
كتاب >>>> روايات ومقالات
تُعدُّ رواية (معراج الموت) فاتحةَ الأعمال الروائية للكاتب السوري ممدوح عزام، وقد تناول فيها بدعةً قبليةً، هي قتل الفتاة بحجة غسل العار. يكفي أن يرتاب رجال عشيرتها في بعض تصرفاتها، أو يشكُّوا في أن علاقة حميمة تجمعها بأحد الشبان، ليكون مصيرها وربما مصيره معها القتلَ بذريعة صون الشرف وتطهيره من الدنس. عندئذٍ ينظر المجتمع المتنكر لإنسانيّته إلى هذا المجرم القاتل نظرةَ البطل، ويرفعه إلى مرتبة التقدير والاحترام؛ لأنَّه في نظرهم حمى شرف نساء عشيرته وشرفهنَّ العفيف.
تعلَّمت سلمى منذ طفولتها أنَّ حب الفتيات خطيئة، وأنَّ علاقتها بالمدرِّس عبد الكريم الذي يبادلها الحب ستئن بصوتٍ مجروح دون أن تبصر النور، فتواطأ الحبيبان على الرحيل إلى ضيعةٍ مجاورة بعيدًا عن أعين الرقباء.
ولم يعلم الحبيبان أنَّهما انتهكا مبادئ مجتمعهم الجبان، وأنَّ فعلهما المُخلَّ بالأخلاق بنظر الجاني يستوجب القتل للتخلص من عار هروبها. فيستغّل الجاني - وهو عم سلمى- نفوذه في جلبها ذليلةً ويُسكنها في القبو الوحيد في القرية الذي كان سابقًا بيتًا للحصان.
"صباحاً بدأت تبصق دماً. وللمرة الأولى، منذ شهر، منذ أن جاؤوا بها، وأغلقوا باب هذه الحجرة، أحسّت أنّ مفاصلها تتراخى، وأنّ جسدها قد أضحى متهدّلاً، جافاً خفيفاً، لايقوى على حمل رأسها الضعيف المتهاوي. لم ترَ الدم. كانت الحجرة واطئة، معتمة، لاينفذ النور إليها، إلا من شقوق مصراعي النافذة الخشبية"
مع أن أعمام سلمى من آل الذيب أجمعوا سلفاً على ضرورة قتلها إلا أنهم احتاروا في التعامل معها؛ لأن القانون يعاقب على جرائم القتل، ما يراه آل الذيب جريمةً في حقهم وإن كانت الأحكام مخففة، فالشهور القليلة التي سيقضيها المجرم في سجنه مستفيدًا من العذر المخفِّف يرونها دهراً طويلاً لا يستحق شخص مثلُ سلمى أن يضيع بسببها. فكان أن أجمعوا رأيهم على وأد شبابها في بيت الحصان.
"لا يلائمها سوى الذبح! - قاطعه جميل بحركةٍ مُباغتة، ثمّ أكمل حين لاحظ التعب والإنهاك على وجه عمه، قائلًا لسلمى إنّهم لن يلوّثوا يد أي شاب من بيت الذيب بدمها النجس، فدقيقة واحدة يمضيها شاب من بيت الذيب في السجن بسببها، تساوي دهراً، أما هي فسوف تموت هنا".
يلمّح الكاتب إلى أنّ ما اصطُلح على تسميته جرائم الشرف ليست عملاً ذكوريًا قطعًا، فتواطؤ النسوة ساهم في انتشار هذه الآفة في المجتمعات المتخلفة. فقد كانت لعمات سلمى اليد الطولى في قتلها، تجلى ذلك في ابتكار طريقةٍ تدفع بالضحية إلى هاوية الموت دون أن تكتشف الشرطة دلائل واضحة لجريمةٍ موصوفة.
"منذ تلك الأيام صارت تتأخر في تناول طعامها. كان في الغالب مؤلفاً من رغيفٍ واحدٍ من خبز الطلامي، وحبات من الزيتون أو قطعة من الجبن. كانت عماتها يرمينه لها، ملفوفاً في صرّةٍ من القماش. لم تكن تعرف أنّه قطع من ثيابها. كنّ قد مزّقن ثوبين لها، ثم بدأن يلففن بالمزق زوّادة الموت، ويرمينه لها قبل منتصف الليل، إذ لم تكن واحدة فيهنّ راغبةً في رؤية وجهها، خوفاً من تسلّل الشفقة. ومع هذا لم يستطعنَ منع أنفسهنّ من ترداد عبارات التعاطف والرحمة، كلما قذفت إحداهنّ الطعام في نوبتها"
تدور أحداث الرواية في ريف السويداء جنوب سورية، وهو مجتمعٌ كغيره من المجتمعات الشرقيّة التي تتجذّر فيها الثقافة الذكورية التي ترى جرائم غسل العار مبرّرةً. هذه الجرائم لا يردعها إلا تثقيف تنويري مع تعزيز حضور المرأة في فضاء المجتمع، وسنّ قوانين رادعة تدين الجريمة أيًّا كانت ضحيتها.
كتب الروائي ممدوح عزام سيناريو لفيلمٍ سينمائيٍ بعنوان (اللجاة) وهو مقتبسٌ عن روايته (معراج الموت)، أنتجته المؤسسة العامة للسينما عام 1993، وهو من إخراج رياض شيّا، والفيلم متاحٌ للمشاهدة على موقع (يوتيوب).
معلومات الكتاب: