عندما تصبحُ كرة القدم عدوةً للبيئة
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم البيئة
تتسبب النشاطات المرتبطة بكرة القدم بعدة تأثيراتٍ سلبيّةٍ في البيئة ابتداءً بكمية المياه الضخمة المهدورة للحفاظ على جودة ملاعب كرة القدم إلى تسببها على نحوٍ غير مباشر في تزايد نسبة انبعاثات الكربون الناتج عن وسائل النقل التي يستقلها آلاف المشجعين لحضور المباريات، وانتهاءً بالطاقة العالية اللازمة لتشغيل الأضواء الكاشفة -بالنسبة للمباريات التي تُلعب ليلًا- وكمية النفايات الهائلة الناتجة عن متاجر الأطعمة والمشروبات المرافقة لمباريات كرة القدم (1).
أشارت نتائج مسح البصمة البيئية لإحدى نهائيات كأس الاتحاد الإنكليزي (FA Cup) الذي شهده ملعب الألفية في كارديف (Cardiff’s Millennium Stadium) إلى تسبب النقل بالنسبة الكبرى من التأثيرات السلبية للحدث في البيئة؛ إذ قطعت الجماهير التي شَهِدت اللقاء قرابة 42 مليون كم لحضور النهائي (2)! ناهيك عن إنتاج ما يزيد عن 59 طنّاً من النفايات الناتجة عن الحضور الجماهيري وشركات الأطعمة والمشروبات الراعية للحدث (1، 2). تسببت هذه المباراة وحدها بتضاعف الآثار السلبية للنشاطات البشرية في البيئة بقرابة 14 مرّةً مقارنةً بالبصمة البيئية العادية في الحالة الطبيعية لأناس يمارسون حياتهم ونشاطاتهم الاعتيادية (2). وأشارت بعض التقديرات إلى أنّ ملعب كرة القدم الواحد في بطولة الدوري الإنكليزي الممتاز (Premier League) -وهو الدوري الأكثر مشاهدةً في أنحاء العالم- يتطلب قرابة 20000 لترٍ من الماء يوميَّاً للحفاظ على جودته (1)!
وفي بريطانيا أيضاً، قُدّر تأثير كل مباراة من مباريات بطولة الدرع الخيرية (FA Community Shield) عام 2012 بقرابة 5160 طنٍّ من ثاني أكسيد الكربون، إضافةً إلى 5000 طنٍّ أخرى ناتجةٍ عن انبعاثات وسائل النقل التي استخدمتها الجماهير من المباراة وإليها (3).
وكذلك عملت إحدى الدراسات البريطانية على استقراء انبعاثات الغازات الدفيئة السنوية الناتجة عن الأحداث الكروية المرتبطة بالدرجات الثماني الأولى على المستوى الوطني وتقديرها بنحو 56237 طنٍّ من غاز ثاني أكسيد الكربون. وذكرت هذه الدراسة أنّ هذه الانبعاثات لا ترتبط بسفر الفرق وتنقلات المشجعين من المباريات وإليها وحسب، بل ببناء الملاعب أيضاً وتشغيلها وأعمال الصيانة الدورية المرتبطة بها. جديرٌ بالذكر أنه قد تنتج عن منافسات الدرجات الدنيا من دوريات كرة القدم الإنكليزية بصماتٌ كربونية فردية صغيرة إلا أنها تحدث باستمرار؛ مما يؤدي إلى خلق بصمات كربونية كبيرة بالمجمل على المدى الطويل (4).
وفي سياق متصل؛ فقد سجلت البصمة الكربونية لبطولة كأس الأمم الأوروبية يورو 2016 (EURO 2016) التي أُقيمَت في فرنسا بمشاركة 24 منتخباً وبحضور جماهيري قُدر بـ 2.5 مليون متابع انبعاثات قدرها 2.825.000 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون على مدار المباريات الـ 51 التي شهدتها البطولة إذ أُنتج قرابة 80% منها من الملاعب المنتشرة في عشر مدن فرنسية احتضنت المنافسات (5).
نأتي إلى الحدث الأكبر في عالم كرة القدم على مستوى الكوكب كله؛ بطولة كأس العالم (FIFA World Cup)؛ إذ أشار التقرير الصادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا (Fédération Internationale de Football Association) بخصوص "إدارة الكربون وحماية المناخ في فيفا" في عام 2019 إلى أن حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في نسخة العام 2010 التي أقيمت في جنوب إفريقيا قد وصل إلى ما يزيد عن 41 ألف طنٍّ بدون حساب الانبعاثات الناتجة عن وسائل نقل الجماهير وحاملي التذاكر. وكذلك شهدت نسخة العام 2014 في البرازيل وصولَ كمية الانبعاثات إلى قرابة 2,723,756 طنٍّ من ثاني أكسيد الكربون متضمنةً وسائل النقل هذه المرة. أما في بطولة كأس العالم الأخيرة في روسيا؛ فقد قُدرت الانبعاثات بحسب البصمة الكربونية بقرابة 2,167,118 طنٍّ من غاز ثاني أكسيد الكربون متضمنةً وسائل النقل أيضاً (6). من هنا نستنتج أن وسائل النقل التي تستخدمها الجماهير للوصول إلى المباريات هي صاحبةُ الحصة الأضخم من الانبعاثات وبالنتيجة من الآثار السلبية في البيئة الناتجة عن الأحداث المرتبطة بكرة القدم ونشاطاتها.
في النهاية؛ لا يمكن حصر جميع الأمثلة عن النشاطات المرتبطة بهذه الرياضة والمترتب عليها الكثير من المشكلات البيئية في أنحاء العالم. ولكن على الرغمِ من كل ذلك؛ لا تعدو كرة القدم عن كونها لعبةً شعبيّةً ترنو إليها ملايين القلوبِ أينما رحلت وحلّت، حاملةً معها شغفاً نقياً وانتماءً بريئاً من تصرفاتنا اللامسؤولة تجاه كوكبنا الأم. فهل تستجيبُ أندية كرة القدم وجماهيرها المتعطشة لصرخات الطبيعة؟
المصادر: