مراجعة كتاب يوم كان الرب أنثى,أصل قداسة الأنثى
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
كتبت ميرلين ستون (Merlin Stone) (1931 - 2011) في مقدمة كتابها يوم كان الرب أنثى:
"ماذا ... يمكن أن نتوقعه في مجتمع علّم الأطفال الصغار، رجالًا ونساءً لقرون، أن إلهًا ذكرًا خلق الكون وكل ما فيه، أنتج الإنسان على صورته الإلهية وبعد ذلك، وكفكرةٍ لاحقة، خلقت المرأة، لمساعدة الرجل بالطاعة في مساعيه؟ "
ترى ستون أنَّه عندما أدركت المجتمعات البشرية مفهوم الآلهة، كان وضع المرأة أفضل بكثير من وضعها لدى عبادة الإله المذكر في المجتمعات الإبراهيمية؛ لذا فإن ظهور هذه الديانات، تزامن مع تدهور مكانة المرأة في المجتمع.
تعتبر دراسة مقارنة الأديان مفيدة؛ لأنها تسمح لنا بمراقبة كيفية ارتباط المعتقدات الدينية صدفةً بمن يملك السلطة في المجتمع. لا نستطيع الجزم وفق ستون - على عكس بعض المتدينين - أن البشر قد وصلوا إلى وقت روحي تصادف أن تكون المعتقدات الدينية المعتقدات الصحيحة في مجرى تاريخ البشرية. كلما قرأنا أكثر عن الأديان المختلفة البدائية ترسخت قناعتنا في أن من يُعبد، وما هي القواعد الدينية التي يُتوقع أن يعيش بها المتدينون ترتبط ارتباطًا وثيقا بهياكل سلطة المجتمع.
تشير ميرلين ستون إلى وجود دين للإلهة الأنثى في الشرق الأوسط منذ آلاف السنين قبل وصول إبراهيم أول نبي للإله الذكر يهوه. عبادة الإله الأنثى مغرقة في القدم، فعلى الرغم من تسمية الإله الأنثى بأسماء مختلفة ناتجة عن لغات ولهجات متنوعة فقد كان الناس يعبدون ٱلهة متشابهة تشابهًا كبيرًا. تطرح ستون في جميع أنحاء الكتاب أسباب عبادة هذه الإلهة الأنثى وتأثيرها وأهميتها.
وفق ستون فإن إحدى أكثر النظريات التي تشرح أصل عبادة الآلهة تعتمد على مراعاة أنماط النَّسْب الأمومية في مجتمعات ما قبل اليهودية والمسيحية، حيث ينتمي الإنسان إلى سلالة الأمِّ، على عكس الآن حيث يشيع النمط الأبوي. لقد أثبت بعض علماء الأنثروبولوجيا أنه قبل أن تفهم هذه المجتمعات العلاقة بين الجنس والحمل كانت الأنثى تُبجَّل لأنها مانحة الحياة. كانت تُعد الأم الرأس الوحيد لعائلتها والمنتج الوحيد للجيل القادم؛ لأن مساهمة الرجال في التناسل البشري لم تُفهم حينها. ذلك يعني أن النسب في الأسرة سيُحتفظ به بوساطة خط الأنثى، والانتقال سيكون من الأم إلى الابنة وليس من الأب إلى الابن مثلما يحدث في المجتمعات اليوم.
تقدم ستون دراسات حول مختلف مجتمعات عبادة الآلهة السابقة وتشرح وضع المرأة في هذه المجتمعات الأمومية. إن الصورة الواضحة في المجتمعات التي تعبد إلهًا أنثى تتمثل في أن المرأة كانت حرة بوضوح، ولها وضع اجتماعي واقتصادي مستقل للغاية، ولديها حقوق في الميراث، ويمكن أن تكون كاهنة، ويمكن أن تتخذ أزواجًا عدة، وكان لديهن عمومًا مكانةٌ أعلى بكثير مما كانت عليه في أوقات الإله المذكر في اليهودية المسيحية اللاحقة. ولأن هذه المجتمعات كانت أمومية، ولا تتطلب معرفة أب الطفل؛ فقد كان مفهوم الأخلاق الجنسية للمرأة مختلفًا كثيًرا.
ترى ستون أن معرفة الأب أدت إلى تطوير مفهوم الأخلاق الجنسية للنساء مع التركيز على عذرية المرأة قبل الزواج، والإخلاص الزوجي للمرأة الهدف النهائي. عندما غزا العبرانيون مجتمعات عبادة الآلهة جلبوا معهم نظام الأبوة وقواعدهم المتعلقة بجنس المرأة. فرضت قواعدهم التوراتية قيودًا شديدة على النشاط الجنسي للمرأة، وهذا واضح في العهد القديم. على سبيل المثال يأمر الله الذكر في العهد القديم بالرجم والحرق إن انتهكت النساء قواعد معينة تتعلق بسلوكهن الجنسي.
وعلى الرغم من فرض سيطرتهم على المجتمعات الوثنية التي تعبد الآلهة الأنثى، لم يتمكن العبرانيون من محو دين الآلهة بسرعة. ولهذا، وبسبب تخوفهم ورفضهم لتأثيرات ديانة الآلهة؛ كان لابد من تعليم النساء العبرانيات قبول فكرة أن علاقة المرأة مع أكثر من رجل أمر شرير، وأنّه من المقبول في نفس الوقت أن يكون لأزواجهن علاقات جنسية مع امرأتين أو ثلاث أو خمسين امرأة. على الرغم من أنه لا يمكن للمرأة أن يكون لها سوى زوج واحد، إلا أنه يمكن للرجل أن يكون له زوجات عديدة؛ لأنه طالما كانت زوجاته يمارسن الجنس معه فقط فلا يزال من الممكن تعيين الأب لأبناء كل الزوجات. أصبحت النساء والأطفال ملكًا للرجال. ولكي تتبع المرأة الأعراف الجنسية الخاضعة للإله الذكر في أمور الزواج الأحادي والإخلاص يجب أن يكون كل ما سواها وثنية وخاطئة وغير أخلاقية. وحتى اليوم تُطرح هذه التسميات من قبل المتدينين من أجل عار المرأة،وقد أبقت هذه التسميات النساء في القالب وضمنت الحفاظ على النسب الأبوي وامتياز الذكور في المجتمع.
تلجأ ستون في كثير من الأحيان في كتابها إلى الخوض في تفاصيل كثيرة لاستكشاف مكانة الرجال في مجتمعات عبادة الآلهة الأنثى. وتذكر أن هذه المجتمعات كان يحكمها كبار السن من الذكور والإناث، لذلك نستطيع أن نستقرئ أن الرجال لم يُستبعدوا من المناصب القيادية. فالقواعد الصارمة ربما لم تفرض على الرجال في المجتمعات الأمومية على عكس القواعد الصارمة المفروضة على النساء في المجتمعات اليهودية المسيحية اللاحقة. على عكس الأبوة، فإن معرفة الأمومة واضحة. وإذا كانت معرفة الأمومة مهمة لتوزيع الممتلكات والأراضي، فلن يتعين على الرجال البحث لمعرفة أم الطفل.
على الرغم من أن هذا الكتاب هو مقارنة بين مكانة المرأة في مجتمعات عبادة الآلهة الأنثى، ومكانتها في المجتمعات التي تعبد الإله الذكر، أعتقد أنه سيكون من الخطأ افتراض أن ستون تقترح أن نعود مرة أخرى إلى دين عبادة الآلهة. فقد أنهت ستون كتابها باقتراح أنه حتى يتمكن المرء من اعتبار العالم وكل مافيه مكانًا يخص كل البشر دون تمييز، يمكننا أن نبدأ بالقول إننا أصبحنا نوعا متحضرًا حقًا ولامسنا الحضارة التي ندعيها.
معلومات الكتاب: