مراجعة رواية (الأشياء تتداعى): حضارات إفريقيَة تزول
كتاب >>>> روايات ومقالات
يعتبر (غينوا أتشيبي) - (1930 - 2013) كاتب رواية (الأشياء تتداعى) من كبار الروائيين الافريقيين ويُعد ظاهرة خاصة بالأدب النيجري وينقل في روايته هذه الأساطير والعنف والقلق ويبحث عن الروح الأفريقية التي تبقى على الرغم من العنف الاستعماري. فقد نُشرت هذه الرواية للمرة الأولى عام 1958 لتتحول بعدها إلى أهم الأعمال الكلاسيكية في الرواية الأفريقية.
تدور أحداث الرواية في أفريقيا تحديدًا في أراضي أمووفيا التي تضم 9 قرىً تسكنها عشيرة واحدة يتكلم أهلها لغة خاصة، هي لغة الأيبو ويؤمن أفرادها بتعدد الآلهة. كان جيمع جيران أمووفيا يخشونها لأنها كانت قوية في الحرب والسحر؛ لذا لم يكن أحد يجرؤ على مهاجمة هذه القبيلة.
يصور الكاتب مدى التزام سكان القرية بمن فيهم (أوكونكوو) -وهو بطل الرواية- بطقوسهم الدينية التزامًا مطلقًا حيث لا قانون سوى قانون القبيلة وأية مخالفة بحقه - مهما بدت مخالفة منطقية- تحتم على صاحبها النفي خارج أراضي أمووفيا كما حصل مع (أوكونكوو) الذي قتل غلامًا بغير عمد في أحد الجنازات المهيبة التي كانت في القرية ما اضطره إلى مغادرة القرية مع عائلته وأزواجه الثلاث لمدة سبع سنين. كان (أوكونكو) مصارعًا لا مثيل له في القرى التسع، فقد قَتل ابنه يومًا بدون تردد عندما طلب منه الهيكل ذلك. يُدعى الهيكل (أغبالا)، ويُعد أعلى سلطة دينية في المنطقة، يقول الكاتب: " كان الناس يقصدونه من أقصى البلاد وأدناها طلبًا للمشورة كانوا يأتون عندما كان سوء الحظ يلازم خطواتهم بعناد أو عندما يتنازعون مع جيرانهم"
وتصور لنا الرواية طقوس هذه القبيلة الأفريقية في السراء والضراء، وكيف يتعامل أهلها مع الأمراض والحوادث غير العادية كالإجهاضات المتكررة أو التوائم، فقد كانت تُنسب كل تلك الحوادث للأرواح الشريرة ويُترك أصحابها للهلاك بدون رعاية. لم يكن لهذه القبيلة محكمة بشرية، وإنما كانوا يقيمون طقوسًا خاصة لإحياء أرواح أجدادهم من العالم السفلي لتحكم بين الناس بالعدل.
أما عن الطقوس الاحتفالية فكان سكان قبيلة يقدسون مواسم الحصاد ويعتبرونها بداية السنة الجديدة وفي كل سنة يتخلصون من حصاد السنة الماضية لكي يبدؤوا عامهم بحصاد جديد.
وينتقل الكاتب بعدها ليصف مراسم الزفاف والوفاة وما فيهما من قصص شعبية يجتمع حولها سكان القرية ليرووها للأطفال. لا سيما قصص الكهنة الذين يقومون بنقل نبوءة الآلهة وطلباتها للناس كما حصل مع زوجة أوكونكوو عندما طلبت الآلهة ابنتها المريضة ازيينا لتراها وما حدث بعد ذلك
ثم ينتقل الكاتب ليصور لنا كيف انتهت هذه الحضارات الأفريقية وبدأت بالانحلال بمجيء دينٍ جديد استجار به كل المنبوذين والضعفاء. كان صاحب الدعوى التبشيرية للدين الجديد رجلًا أبيضًا لم يعتبره الناس بشرًا فهم لم يسمعوا عن الرجال البيض إلا في الأساطير. كان الرجل حازمًا في نشر الدين الجديد الذي استقطب عددًا كبيرًا من سكان القرى فقام بإنشاء معبد جديد وأسس حكومة وكان له دورٌ مهم في جلب أموالٍ كثيرة إلى القرية عبر بيع مستحضرات البامبو وجوز الهند ونبيذ النخيل في الأسواق.
في تلك الأثناء كانت قد انقضت مدة نفي أوكونكوو وعائلته، فيعود لقريته ليجدها تغيرت كليًا، إذ لم يعد أفراد القبيلة يتبعون دين أجدادهم ومنهم ابنه الذي أصبح من مبشري الدين الجديد. يضمر أوكونكوو هنا حقدًا داخليًّا على كل من ابتعد عن دين القبيلة، لكنه لا يستطيع الإفصاح عن هذا الحقد؛ لأن الدين الجديد قد أصبح ذو نفوذ في المنطقة، أمّا السبب الأهم فقد كان محرمًا قتل أي أحد من أفراد العشيرة مهما كان السبب، لكن أوكونكوو لم يستطع كتم غضبه في أحد الأيام ليقتل أحد المبشرين وينتحر بعد ذلك.
تحمل هذه الرواية في طياتها كثيرًا من الرموز لاسيما حكاية الرجل الأبيض التي تعتبر مثال عن مخططات الدول الاستعمارية في سعيها للسيطرة على الدول وإحلال حضاراتها تحت منفذ ديني يحقق مصالحها.
معلومات الكتاب: