إيجاد استخدامات جديدة للأدوية باستخدام الذكاء الصنعي
المعلوماتية >>>> الذكاء الصنعي
لطالما كانت إعادة استخدام الدواء (إعادة توظيف الدواء) إستراتيجية أساسية وضرورية في عملية التطوير الدوائي؛ إذ تعمل على إعادة إحياء أدوية قد فشلت سابقًا كخيارات علاجية، أو على توسيع مجال استخدام أدوية ناجحة وفعالة، وتخفض هذه الإستراتيجية من الزمن التقليدي الذي يستغرقه الدواء ليصبح متاحًا للاستخدام من قبل المرضى من (10 إلى 17 عامًا) إلى (3 إلى 12 عامًا) باستخدام هذه الطريقة (1).
إنّ إعادةَ استخدام الدواء هي طريقة تعمل على تسريع عملية اكتشاف الأدوية عن طريق التعرف إلى استخدامات مفيدة وجديدة لأدوية موجودة مسبقًا، وما يميّز هذه الطريقة عن طريقة التطوير الدوائي التقليدية هو أنها تنطلق من مركبات ذات خصائص دوائية وخصائص أمان معروفة ومدروسة جيدًا؛ مما يخفض من احتمال حدوث الآثار الجانبية خلال مراحل الدراسات السريرية.
في حين اكتُشِفَت العديد من الأدوية المُعاد استخدامها بالصدفة (على سبيل المثال: الفياجرا لضعف الانتصاب)، طُوِّرَت مؤخرًا الطرائق المحوسبة من خلال الاستفادة من السمات البنيوية للمركبات أو البروتينات، ودراسة الارتباط على مستوى الجينوم وغيرها من الأساليب التي تركّز في المقام الأول على توظيف المعلومات قبل السريرية التي بدورها -للأسف- لا تتوافق دائمًا مع التأثيرات العلاجية السريرية في الإنسان (2).
صمّم باحثو جامعة ولاية أوهايو Ohio State University إطارَ عمل يجمع عددًا هائلًا من البيانات المرتبطة بالمرضى، وباستخدام قوة معالجة حاسوبية كبيرة للوصول إلى عدد من الأدوية المرشّحة ليُعاد استخدامها، وتقدير تأثيرات هذه الأدوية في مجموعة من النتائج والمخرجات، وعلى الرغم من أن هذه الدراسة ركّزت على نحو أساسي على إعادة استخدام الأدوية المُقترَحة للوقاية من الفشل القلبي والسكتة الدماغية لدى مرضى الشريان التاجي؛ إلا أنّ إطار العمل هذا مرن ويمكن تطبيقه على معظم الأمراض (3).
طريقة العمل
عند إعطاء إطار العمل هذا مجموعة بيانات لمرضى يعانون حالةً مرضية معينة (مثلًا الداء الشرياني التاجي)؛ يستخرج قائمةً من الأدوية التي يمكن إعادة استخدامها لأغراض أخرى ويحدد لكلٍّ منها مجموعتين من المرضى: المستخدمين وغير المستخدمين، ثم يحسب للمرضى جميعهم في كلا المجموعتين عددًا كبيرًا للعوامل المؤثرة ونتائجَ تطور المرض لديهم.
تُقدَّر آثار العلاج -بعد تصحيح الالتباسات وتحيزات الاختيار- باستخدام الشبكة العصبونية المتكررة RNN recurrent neural network؛ إذ يجهز الإطار المقترح بآلية "الانتباه" Attention mechanism و"الذاكرة القصيرة الطويلة المدى long short-term memory LSTM" التي توفر إمكانية تفسير الأنموذج وفهمه، وتعدّ الأدوية ذات التأثيرات المفيدة والمهمة إحصائيًّا مرشحةً لتخضع لإعادة الاستخدام، ومن المرجّح أن تُستخدَم لاحقًا في علاج الداء الشرياني التاجي، كما في مثالنا هذا (2).
Image: SYR-RES
قال بينج تشانغ Ping Zhang؛ مؤلف الورقة البحثية التي ناقشت أنموذج إطار العمل هذا، والأستاذ المساعد في علوم وهندسة الحاسوب والمعلوماتية الطبية الحيوية في جامعة ولاية أوهايو: "يُظهرُ هذا العمل كيف يمكن للذكاء الصنعي أن يُستخدَم في اختبار دواء ما على المريض، وأن يسرِّع عملية توليد الفرضيات وربما يسرِّع الدراسات السريرية أيضًا، لكننا لن نستبدل الطبيب على الإطلاق؛ إذ إنّ القرارات المرتبطة بالأدوية يجب أن تُتخَذ دائمًا من قبل الأطباء السريريين". وتابع Zhang بقوله: "تحوي بيانات العالم الحقيقي على العديد من العوامل المؤثرة، وهذا هو سبب إدخال خوارزمية التعلم العميق التي يمكنها التعامل مع المتغيرات المتعددة، فلا يمكن لأي إنسان العمل مع مئات أو آلاف العوامل المؤثرة المُربكة، وبالتالي نلجأ إلى استخدام الذكاء الصنعي لحل هذه المشكلة (3)."
استخدم فريق البحث بيانات ما يقارب 1.2 مليون مريض يعاني أمراضَ القلب، وتضمّنت هذه البيانات معلوماتٍ عن العلاج المخصص لهم، وتأثير المرض فيهم، إضافة إلى القيم الموافقة لمختلف العوامل المؤثرة، كذلك تأخذ هذه الخوارزمية مرورَ الوقت بعين النظر لكل مريض على حدى؛ أي كل زيارة وكل وصفة طبية وكل اختبار تشخيصي.
يُفترَض أن يساعد الأنموذج الناتج عن هذه الخوارزمية على تحديد الأدوية التي قد تخفض من خطورة الإصابة بالفشل القلبي والسكتة الدماغية لدى مرضى الشريان التاجي، وقد أسفر هذا الأنموذج عن تسعة أدوية يرجح أن توفّر هذه الفوائد العلاجية؛ ثلاثة منها قيد الاستخدام الحالي، مما يعني أنّ التحليل حدد ستة مرشحين لإعادة الاستخدام الدوائي. كذلك اقترحَ الأنموذج أنّ كلًّا من الميتفورمين metformin (المُستخدَم في تدبير النمط الثاني من الداء السكري)، والإسيتالوبرام escitalopram (المُستخدَم لعلاج الاكتئاب والقلق) قد يقلل من خطورة الإصابة بالفشل القلبي والسكتة الدماغية لدى هذه العيّنة من المرضى، ولكن تبيّن أن كلًّا من هذين العقارين يُختبر في الوقت الحالي للتحقق من فعاليته ضد أمراض القلب.
وقد أكّد Zhang أنه من الممكن تطبيق هذا الأنموذج على الأمراض المختلفة، وأنه يطمح إلى توظيفه في إيجاد العلاجات للأمراض التي لا تمتلك أيَّ علاجٍ فعال حتى الوقت الحالي (3).
إنّ إعادة استخدام الأدوية لا تنجح دائمًا؛ إذ لوحظ أنّ معظم الأدوية التي فشلت لم تتخطَّ المرحلة الثالثة من الدراسات السريرية، ومن المتوقع فشل البعض الآخر في مراحل متأخرة من التطوير الدوائي تمامًا كما لو كنا نطور دواءً جديدًا من الصفر، ولكن من غير المحتمل أن تكون هذه الإخفاقات ناتجة عن سمية الدواء أو آثاره الجانبية لأنّ هذه الأدوية كانت قد تخطّت اختبارات السلامة بنجاح، كذلك هناك أسباب أخرى لفشل المتابعة في تطوير هذه الأدوية وهي متعلقة بالقوانين المُحددة لإعادة الاستخدام الدوائي؛ بما في ذلك اعتبارات خاصة ببراءات الاختراع وبالعقبات التنظيمية (4).
المصادر: