وشوم مؤقتة للاستشعار من خلال الجلد!
المعلوماتية >>>> عام
في مقالنا هذا تلتقي Tekla S. Perry -وهي من كبار المحررين في مجلة IEEE Spectrum- بـ John Rogers -أستاذ علوم المواد في جامعة إلينوي- و الذي لديه رؤيا جريئة متعلقة بامتلاكنا في المستقبل أجهزة استشعار على أجسامنا تقوم بإرسال البيانات الصحية إلى هواتفنا الذكية و إخبرانا بوجود مشكلةٍ ما تماماً كما تفعل حساسات السيارة!
كيف تعمل الحساسات البيولوجية؟
تشترك الحساسات البيولوجية بالعديد من المواصفات، كقدرتها على التمدد مع الجلد من خلال داراتها المرنة، أو إمكانية تشغيلها لاسلكيا، و لكن الوظائف المختلفة تحتاج الى حساسات مختلفة. على سبيل المثال، يستخدم الحساس البيولوجي على شكل الفراشة لمراقبة مستويات التعرض للأشعة فوق البنفسجية، بينما يستخدم الحساس البيولوجي في الوسط أصبغة لكشف المواد الكيميائية في العرق، و يقوم الحساس البيولوجي في الجهة اليمنى باستخدام دارة كهربائية لقياس ضغط الدم.
هناك حالياً العديد من الأجهزة التي تقوم بوظائف قد تبدو مشابهة، حيث نقوم بارتدائها حول المعصم مثلا لقياس نشاط القلب أو عدد الخطوات التي نمشيها و غيرها من الوظائف، و لكن في الحقيقة لا يمكننا ارتداء تلك الأجهزة طوال الوقت، كما أنها لا تؤدي وظائف حيوية كأن تخبرنا بوجوب زيارة الطبيب أو أن تقوم بإرسال بياناتنا إلى الطبيب مباشرةً.
يعلق جون روجرز بالقول أنه لا شيء يمنع تلك الأجهزة من القيام بوظائف حيوية كهذه، فلو نظرنا إلى زيارة معتادة من زياراتنا للطبيب، لوجدنا أن الطبيب يقوم بفحص النبض و ضغط الدم و درجة الحرارة، و اذا كانت إحدى النتائج غير طبيعية سيقوم بطلب فحوصات إضافية قد تكون مكلفة أو معقدة نسبياً أو حتى مؤلمة. يمكن القيام بهذه الفحوصات عن طريق حساسات خفيفة جداً و مريحة يمكن ارتداؤها كالوشم على الجسم لأسابيع. و تحقيق هذا الأمر ليس بعيداً جداً، حيث يقوم أعضاء من فريق جون روجرز للبحوث بتطوير العديد من الحساسات التي من المتوقع أن تصبح متاحة مع نهاية هذا العام.
إن فريق "إلينوي" ليس الوحيد الذي يحاول صنع الكترونيات مشابهة للجلد، حيث يرأس تاكاو سوميا مجموعة للبحث في جامعة طوكيو تعمل على تطوير جلدٍ الكتروني من مواد عضوية نصف ناقلة و أنابيب الكربون من فئة النانو، ويعمل زينان باو من جامعة ستانفورد على تطوير رقاقات الكترونية ذات حساسية مشابهة للجلد و يمكن استخدامها في أطراف الروبوتات، كما يقوم باحثون في جامعة كاليفورنيا بالعمل على تطوير أحبار تتيح للعلماء رسم مستشعرات وحساسات على الجلد مباشرة.
لكن من المتوقع أن تكون حساسات روجرز هي الأولى التي ستغادر المختبرات لنبدأ باستخدامها على أجسادنا، حيث قام روجرز مع فريقه بإنشاء شركة MC10 عام 2008، و التي قامت بإنتاج أول لصاقات جلدية عام 2012 و أطلقت عليها تسمية "الأختام البيولوجية" أو "Biostamps" إلّا أن معظمها كانت تستخدم للتطوير الداخلي أو في مشاريع للتعاون مع شركات تطوير شريكة. في عام 2014 بدأت الشركة بتطوير جيل جديد من هذه التكنولوجيا يستخدم معظمها في الأبحاث و التجارب الطبية، و يتم تطوير بعضها الآخر لأغراض خاصة كتلك التي تصنع لشركات منتجات التجميل و شركات تصنيع الأدوية التي تحتاج لمراقبة حركة و حرارة المريض عند استخدامه لجرعات محددة من الدواء على سبيل المثال.
يكون الختم البيولوجي بشكل أساسي عبارة عن دارات كهربائية مرنة مدعومة برقاقات مطاطية رفيعة جداً، حجمه كحجم قطعةٍ صغيرةٍ من العملة المعدنية، و قد يحوي الآلاف من الترانزستورات و المقاومات و الأضواء الصغيرة وهوائيات التردد الراديوي. يمكن استخدام هذه الحساسات لمدة تصل إلى حوالي الأسبوع قبل أن تتبدل خلايا الجلد طبيعياً لتتقشر معها هذه الأختام البيولوجية.
يتم تشغيل الختم البيولوجي من خلال استهلاك الطاقة التي تزوده بها الإشارات الراديوية القادمة من الهاتف المحمول للمستخدم عن طريق تقنية NFC (Near Field Communication)، كما يقوم الختم بالاتصال و تبادل البيانات مع الهاتف المحمول باستخدام نفس التقنية، و التي تتيح ارسال البيانات بتردد 13.56 ميغاهيرتز.
يقوم الختم البيولوجي بتحويل الطاقة الترددية التي تلتقطها مستقبلاته إلى طاقة كهربائية، حيث يمكنه توليد عشرات الميلي واط من الطاقة الكهربائية من خلال إشارات NFC التي يرسلها هاتف محمول يبعد عن الختم مسافة تصل إلى متر واحد، و على الرغم من أن الأختام البيولوجية لا تمتلك حالياً القدرة على تخزين الطاقة بسبب افتقارها إلى بطاريات تتسم بالمرونة، إلا أنه من الممكن وضع مرسلات NFC تحت سرير المريض في غرف المستشفيات، و بالتالي يمكن للأختام أن تعمل و تتزود بالطاقة بشكل مستمر و دون توقف.
بعض أشكال الأختام الحيوية biostamps:
Image: spectrum.ieee.org
في الوقت الحالي يعمل روجرز و فريقه على اختبار حساسات مرنة يمكنها أن تقيس درجة حرارة الجسم و تراقب التعرض للأشعة فوق البنفسجية و تقيس النبض و معدل الأكسجين في الدم، بالإضافة الى تطوير حساسات تتعقب تغيرات ضغط الدم و تقوم بتحليل العرق و تجميع الإشارات من الدماغ و القلب ليتم استخدامها في الاختبارات الطبية. و يقول روجرز أن الهدف هو الحصول على بيانات بدقة عالية على عكس الدقة التي توفرها الأجهزة المشابهة المستخدمة اليوم.
من أجل الحصول على هذه الدقة من خلال أجهزة مرنة و صغيرة كان لابد لروجرز من إعادة التفكير في كيفية إتمام بعض القياسات الطبية. على سبيل المثال، عند قياس ضغط الدم، يتم وضع رباط على ذراع المريض و يتم نفخ الرباط و تنفيسه بشكل متدرج للحصول على قيمتي الضغط الانقباضي و الانبساطي. و لكن جهاز الختم البيولوجي الصغير لا يمكنه قطع مجرى الدم للحصول على هذه القيم، و لكن بامكانه قياس النبض في نقطتين متقاربتين و من ثم ارسال هذه القراءات إلى الجهاز المحمول لحساب مؤشر فيزيولوجي يدعى "سرعة موجة النبض" "Pulse-Wave Velocity"، و الذي يتغير بتغير ضغط الدم. رغم أن هذه الحساسات تعطي قياساً لقيمة التغير في ضغط الدم ولا تعطي قراءة لقيمة الضغط بحد ذاته، إلّا أنها تفيد المرضى الذين يحتاجون لقراءات يومية، حيث توفر شراء أجهزة قياس الضغط أو زيارة الممرضة اليومية للقيام بعملية القياس، حيث يقوم المريض بمسح اللصاقة باستخدام جهاز المحمول و يتم إرسال القراءة إلى الطبيب!
من الاستخدامات الواعدة الأخرى للأختام البيولوجية هي مراقبة العرق، حيث يتم ذلك من خلال قنوات للسوائل ذوات أحجام مايكروية، يوجد في داخلها أصبغة كيميائية يتغير لونها عند التقائها بالعرق، و تغير أصبغةً أخرى لونها حسب نسبة الغلوكوز و حمض اللبنيك و الكلوريد و الصوديوم، ثم يقوم التطبيق المتخصص على جهاز المحمول بتحليل تغير اللون و يمكن بعد ذلك أن يعطي اقتراحات مثل "حان وقت زيارة الطبيب"، "عليك بشرب الماء"...
يبدو روجرز واثقاً أن المستشفيات ستعتمد على هذه الأجهزة قريباً، حيث يقوم مستشفى Carle Foundation Hospital اليوم فعلا بتجربتها في وحدات الرعاية المشددة لحديثي الولادة، حيث يقوم الأطباء بإلصاق الأختام على ساق الطفل او ذراعه او صدره لمراقبة درجة الحرارة و مؤشرات حيوية أخرى.
و ليست المستشفيات وحدها التي بدأت بالعمل مع روجرز و فريقه، فقد بدأت شركة لوريال لمستحضرات التجميل العمل مع الفريق أيضاً لإنتاج حساسات لمراقبة انتقال الحرارة في الجلد. و تطمح لوريال لاستخدام هذه البيانات لاختبار فعالية منتجاتها، حيث تستخدم اللصاقة لقياس تغيرات الجلد عير الزمن، و قد قامت الشركة باجراء التجارب على 20 شخص كل منهم يرتدي 6 لصاقات. و أنشأت الدراسات الأولية روابطَ بين نسب الترطيب و الحرارة و سماكة الجلد و تنقل الحرارة في الجلد. و يقول الرئيس التنفيذي لشركة لوريال أنه يطمح أن تصبح اللصاقة قادرة على اسداء النصائح المتعلقة بصحة الجلد بعد 5 إلى 10 سنوات.
يقوم باحثون آخرون بدراسة إمكانية استخدام الحساسات الحرارية لقياس التوتر عند العاملين في أبراج المراقبة الجوية، حيث كلما ازداد التوتر تنخفض حرارة اليدين. كما تجري دراسة سريرية في جامعة Northwestern University في شيكاغو لاختبار استخدام الأختام البيولوجية في قياس درجات الحرارة و الانتقال الحراري في الأنسجة لمراقبة شفاء الجروح.
بالطبع على أي جهاز يُستخدم لجمع البيانات أن يحافظ على خصوصية مستخدمه، لذلك يجب أن يخضع لقوانين الخصوصية في البلد الذي يوجد فيه، لكن الأختام البيولوجية- على عكس الأجهزة الأخرى- تحافظ على خصوصية مستخدميها لأن الجهاز لا يمكن ازالته دون تدمير المعلومات الموجودة عليه.
مع أن الاختبارات الأولية للأختام البيولوجية تدعو للتفاؤل وخصوصاً مع كثرة الأفكار حول كيفية الاستفادة منها، لكن تصميمها و تصنيعها يبقى تحدياً كبيراً، حيث يقوم روجرز و فريقه بتصنيع كل جهاز بشكل منفرد و أحياناً قد تأخذ العملية شهوراً وحتّى سنوات!
لحل هذه المشكلة، قام روجرز بتصنيع أختام بيولوجية كبيرة نسبياً (بحجم لصاقة الجروح)، يمكن إعاده استخدامها و تتألف من العديد من الحساسات و البطاريات و ذاكرة، و يمكن إلصاقها على مختلف أعضاء الجسم، كما يمكن تحليل البيانات التي ترسلها من خلال تطبيقات على الأجهزة المحمولة. تخطط شركة MC10 حالياً لتسويق هذه الأختام البيولوجية الكبيرة نسبياً كمنتج منافس للأجهزة الحالية التي تراقب الحالة الصحية و ذلك في عام 2016.
يستخدم باحثون آخرون القلوب الحية من المتبرعين لاختبار الأختام البيولوجية التي يمكن أن تغلف سطح القلب، هذا النوع من أجهزة الاستشعار سيتمكن يوماً ما من الالتفاف كلياً حول عضلة القلب و الحصول على الطاقة من ضرباته. و هذا من شأنه أن يعطي معلومات مفصلة حول عدم انتظام ضربات القلب ويمكن أن يوفر تحكم أكثر دقة لأجهزة ضبط نبضات القلب، التي تراقب حالياً نقطة واحدة فقط فيه.
مع اقتراب تسويق تلك الأجهزة، بدأ روجرز بالتفكير في الخطوة القادمة بعيداً عما يمكن قياسه خارج الجسم. فبالتعاون مع باحثين من جامعة بينسيلفانيا يعمل روجرز على مصفوفة تتألف من أكثر من 400 حساس يمكن وضعها حول الدماغ و التي بإمكانها رصد النشاط الدماغي خلال نوبة الصرع. ليس هذا و حسب، بل بدأ روجرز بالعمل على تحدٍّ جديد، و هو التعامل مع التلافيف و الانعطافات و الشقوق في أعضاء الجسم و التي تتطلب إيجاد حلول ثلاثية الأبعاد، حيث يقول روجرز: "نحن لا نريد تحويل الدارات على الشرائح إلى صفائح رقيقة و لينة بامكانها الالتفاف حول الأسطح و حسب، بل نطمح لحث الدارة على تجميع نفسها إلى أي شكلٍ ثلاثي الأبعاد، من خلال مصفوفات من الهياكل المترابطة التي تتخلل الأنظمة البيولوجية، و هذا من شأنه أن ينتقل بنا إلى عالم جديد من التكامل الحيوي (Biointegration).
في انتقال سريع إلى عام 2025 -و إذا تحققت أحلام روجرز-، سيتم استخدام الأختام البيولوجية في مستشفيات الدول المتقدمة، فيمكن وضعها على أطراف الأطفال حديثي الولادة أو الأمهات أو مرضى القلب، و ذلك لإجراء العديد من الوظائف كمسح سريع لدرجة الحرارة و مستوى الأكسجين و النبض و ضغط الدم و الإشارات المبكرة للسكتة القلبية و غيرها. كما يمكن أن يصطف الركاب على متن سفينة سياحية في الميناء و هم يحملون على أجسادهم ختم بيولوجي عليه شعار السفينة السياحية، ليكون بمثابة معرّف آمن للسماح لهم بالتنقل على متن السفينة و يمكن أن يستخدم أيضاً لفتح أبواب المقصورات وحتى لمراقبة التعرض لأشعة الشمس على مدار الأسبوع وتحذيرهم عندما يحين الوقت لاستخدام الواقي الشمسي.
قد يكون من الصعب أن نتصور انتشار هذه الأختام البيولوجية (Biostamps)، خاصة و أن معظم الناس لم يروها إلى حد الآن، و لكن بالنظر إلى التطور التكنولوجي، نرى أن الهواتف الذكية كانت مجرد فكرة مرسومة منذ 10 سنوات، والآن نحن نعتمد عليها من أجل الوصول المستمر للمعلومات المتعلقة بالعالم الخارجي، و بعد عقد من الآن، إن نجح روجرز في نشر أختامه البيولوجية، فسنتمكن من جمع الكثير من المعلومات عن العوالم الداخلية.
--------------------------------------------------
المصدر:
هنا