مراجعة رواية (امرأة عند نقطة الصفر) ؛ حكاية امرأة من قبيلتي
كتاب >>>> روايات ومقالات
كانت المرأة تتعرض للتمييز في المجتمعات الأبوية مثل المجتمعات المصرية من خلال القواعد والثقافة. تصور (امرأة عند نقطة الصفر) حياة فردوس تصويرًا مؤلمًا، وهي امرأةٌ مقيدةٌ بشدةٍ داخل حدود نظامٍ ذكوريٍّ وحشي بحسب تعبير السعداوي. وعلى الرغم من كونها روايةً خياليةً جزئيًا، إلا أنها تستند إلى لقاءٍ حقيقيٍّ مع امرأةٍ تنتظر الإعدام في سجن القناطر في مصر عام 1974.
رفضت فردوس في البداية التحدث مع أي شخصٍ، لكنها في النهاية تروي قصتها للسعداوي. تسرد فردوس قصةً مقلقة عن نشأتها الفقيرة، واغتصابها من قبل أفراد أسرتها الذكور، وتجربة الختان، وتحكي عن كونها عبئًا كبيرًا على عائلتها، وعن تزويجها في سنِّ المراهقة لرجلٍ بعمر 60 عامًا، وعن تعرضها للضرب مرارًا وتكرارًا، والنزول إلى الشوارع، وكيف أصبحت عاهرةً، وتحكي في النهاية عن قتلها لرجلٍ أدى إلى سجنها بالقناطر. يتحول الرجال في نظر فردوس إلى تهديدٍ من جميع نواحي الحياة.
في طفولتها المبكرة ترى فردوس والدها مشابهًا الرجال الآخرين، فهو رجلٌ قاسٍ وأناني يضرب زوجته ولا يهتم إلا بتأمين الطعام لنفسه، في حين تعاني فردوس الجوع وسوء التغذية. تستخدم السعداوي وجهة نظر فردوس، لتشير بذكاءٍ إلى قوة الدين لكونه إحدى الركائز الخاضعة للمجتمعات التي يسيطر عليها الذكور. تشرح السعداوي النفاق الديني السائد في تقاليد ومعتقدات السياسات الأبوية التي ترسخ اضطهاد المرأة باستخدام أسلوب الكتابة المبتكر.
تعتمد شدة الرواية على نكسات القدر التي تتعرض لها فردوس، والتدقيق الاجتماعي الذي يخنقها، والرغبة الشديدة لدى الرجال الذين يلتهمونها. كل هذا دفع فردوس إلى أقصى حدودها لتقتل آخر رجلٍ يقف في طريق حريتها. ومع ذلك، بعد هذه اللحظة الساطعة لتأكيد الذات، تمشي نحو تدمير ذاتها وفق ما يوحي العنوان تمامًا؛ فقد كانت فردوس عند نقطة الصفر وهي تتحرك نحو الابتعاد عن العالم. وتقول عن الفترة التي قضتها في السجن: "كنت المرأة الوحيدة التي مزقت القناع وكشفت وجه واقعهن القبيح".
ترحب بالموت بأذرعٍ مفتوحة باعتباره الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق للتحرر الكامل. تمضي فردوس حياتها أكملها تحت سلطة رجلٍ؛ ما جعلها تحمل كراهيةً دائمة لهؤلاء الرجال الذين لن تتحرر منهم إلا بالموت. لن تخشى أكثر ما يخشاه هؤلاء الرجال الأقوياء الموت، وبهذه الطريقة ستكون متفوقةً عليهم. إن رفض فردوس الشديد للعيش في نهاية الرواية يتركها صفرًا حرفيًا .
(امرأة عند نقطة الصفر) سردٌ للاعتداء الجنسي والاغتصاب وسفاح القربى والدعارة والعنف المرتكب ضد المرأة. الرواية صورةٌ مروعة للغاية للمرأة في المجتمعات المحاصرة بالجهل والفقر والعنف، وتستخدمها (السعداوي) لتذكير القرّاء بالتمييز التاريخي للمرأة الذي أدى إلى ضعفها في المجتمعات الأبوية.
رأي مُعد المقال:
تستخدم السعداوي (امرأة عند نقطة الصفر) لتروي قصتها من خلال عدسة امرأةٍ لم يتبقَ لها سوى حقيقتها. يمثل هذا الكتاب ما شهدته أو ما زالت تعيشه نساءٌ عديداتٌ في مجتمعاتنا.
بإعطاء صوتٍ لفردوس، يمكن اعتبار الكتاب بمثابة ردٍّ على تقليد الأدب العربي الذي فشل في إعطاء المرأة صوتًا خارج النقاش الأبوي.
(امرأة عند نقطة الصفر) ليست روايةً فقط، بل رسالةٌ مقاومة لجميع النساء تدفعهن إلى إنهاء القهر وتحقيق الحرية لأنفسهن وبقية المجتمع نهائيًّا.
معلومات الكتاب: