قراءة في كتاب (فن الرواية): دراسة في أدب الرواية الجزء الثاني
كتاب >>>> اكتب تكن
تستحوذ فكرة الرواية الناجحة على الفصل الخامس، ويحدد ويلسون أحد شروط الرواية الناجحة وهو أن تحدث مشكلةٌ في الرواية، وبقدر صعوبة المشكلة وإمكانية حل عقدها يكون لدينا روايةٌ ناجحة. وفي موضعٍ آخر يشير إلى مكمن مشكلة الرواية في القرن العشرين وهو أن روائيي القرن العشرين كانوا يكتبون دون أية فكرةٍ عمَّا يريدون، وبرأي ويلسون "الضرورة الأساسيَّة للكاتب هي أن يدرك أنَّ ما يحاول القيام به هو إحداث إحدى المزايا التي يستطيع من خلالها رؤيةَ وجهه".
في الفصل السادس يوضح ويلسون تطابق هرم ماسلو في الحياة الإنسانيَّة والأدب، حيث يرزح في قاعدة الهرم مستوى الحاجات الأساسيَّة؛ أي الطعام والشراب، وفي هذا المستوى لن ينجح أي كاتبٍ في الإبداع والابتكار لأنَّه جائعٌ "الرجال لا يبدعون الأدب عندما يكونون في حاجةٍ للطعام". ويأتي بعده مستوى الحاجة للأمان؛ وهنا يكون الصراع على الأرض، نرى ذلك في أدب الملاحم الكبرى مثل الإلياذة. وفي حال نجاح الكاتب في تجاوز هذا المستوى يرتقي إلى مستوى الحاجة للحب وهنا نرى أدب القرن الرابع عشر الذي كان عن (الأنثى الخالدة)، ثُمَّ بعد خمسمئة عامٍ يصل الأدب إلى مستوى احترام الذات؛ حين ظهر (لافليس) يتحدَّى الإرادة الإمبريالية، وفي النهاية يصل إلى مستوى تحقيق الذات؛ وهنا ظهرت روايات تحقيق الذات والروايات الرومنسية وذلك في القرن التاسع عشر.
بالإضافة لذلك يشير الكاتب في الفصل السابع إلى تغيير أسلوب وطريقة السرد عند رواة ما بعد العصر الفيكتوري "كانت أوَّل المهام أمام الروائيين في الفترة التي أعقبت العصر الفيكتوري هي التخلص من الأسلوب الفيكتوري وتطوير أسلوبٍ أكثر مرونةً". ويفرد الكاتب حيزًا كبيرًا في هذا الفصل لدراسة رواية (يولسيس) لكاتبها (جيمس جويس) التي نشرت عام 1922، اعتبرها كثيرٌ من معاصريها تؤذن بنهاية عصر الرواية التجريبيَّة، وذلك لبلوغها درجةً عالية من الشهرة والكمال. ومن خلال شرحٍ مسهبٍ أيضًا للرواية التجريبيَّة يوضح أنها تعني اللاانتماء؛ أي أن الكاتب يبحث عن صورةٍ للذات، وعندما يعثر الكاتب على هدفه يكون قد تجاوز مستوى الرواية التجريبيَّة، ويختم بقوله "الرواية التجريبية هي تجربة فكريةٌ غير ناجحة"؛ وذلك لأن كُتَّاب هذا النوع من الروايات متشائمون علىّ الدوام لسبب فشلهم في إثارة دوران التوتر والحرية التي يدور في فلكها إيجاد حل لمشكلة الرواية؛ أي إيجاد صورة للذات.
أمَّا في الفصل الثامن يناقش (ويلسون) الأفكار العامة كونها مواد مهمة للأدب، ويعرض نظرية الرجل الصائب أو الرجل الضعيف؛ أي الرجل الشوفيني الذي يكبر ولا يزال يمتلك عقل طفلٍ؛ أي غير ناضجٍ، ويريد الحصول على مبتغاه بأية وسيلةٍ كالطفل تمامًا، وقد تنتابه ثورات هياجٍ لعدم حصوله على مبتغاه وفق تعريف فرويد لهذه الحالة، ومثالًا عليه الرجل الذي يتباهي بغرامياته ويجبر زوجته أن تتقبَّل ذلك أو يثور عليها ويعنفها، ويوضح ويلسون كيف أنَّ هذا المثال مادةٌ دسمة لكتابة الروايات برز عند كاتب القصص القصيرة (آي. ئي. فان فوغت) في بدايات الخمسينات من القرن العشرين عندما بدأ يخوض غمار إشكاليات علاقات الأزواج. وأيضًا كان للكاتب (غاي دو موباسان) لمسةٌ في الأدب في محاولته للغوص في أعماق العلاقات الإنسانية.
يعرض ويلسون في الفصل التاسع مفهومات التقنية والبناء للعمل الروائي الجاد، وذلك عندما يقوم الروائي بهدم العالم وإعادة بنائه وفق رؤيته من خلال رواياته. لم يتمكن سوى عددٍ قليل من الرواة من فعل ذلك ومنهم: الكاتب (لوليم غولدن) في روايتِهِ (كاليب ويلمز) ذات الهدف الاجتماعي. وتظهر تقنية الهدم وفق ويلسون عند الكُتاب الذين يرفضون الواقع فيهرعون لخلق عالمٍ جديد وفق مفهوماتهم "يبدو واضحًا أنَّ كلَّ الأدب الجاد يستمد قوَّته من المغايرة بين رموز الكاتب الخاصَّة بالقيم والعالم الذي يرفضه".
معلومات الكتاب: