ساحر السينما الصامتة؛ جورج ميليه.
الفنون البصرية >>>> عالم السينما والتلفاز
وُلد ماري جورج جان ميليه (Maries Georges Jean Méliès) في 8 كانون الأول (ديسمبر) عام 1861 بباريس.
في عمرٍ مبكر؛ أظهر اهتمامًا خاصًّا بالفنون، والذي قاده وهو طفل ليتخذ مكانًا في مدرسة الفنون في باريس، كما أظهر اهتمامًا خاصًّا بتصميم الديكور المسرحي وبمسرح الدُّمى (1,2).
في عام 1884؛ أكمل (Méliès) دراسته في لندن، وهناك اكتسب شغفًا كبيرًا بعروض السحر المسرحي بعد مشاهدة أعمال (John Maskelyne) ماسكلين (1).
بعد عودته إلى باريس؛ عمل في معمل أبيه للأحذية وتولى منصب الإدارة بعد تقاعد أبيه، وقد مكَّنه منصبه من جمع مبلغٍ كافٍ لشراء مسرح روبرت هودين (Theatre Robert Houdin) الشهير عندما عُرض للبيع في عام 1888 (1).
ومنذ تلك اللحظة؛ كرَّس وقته للعمل كفنان مسرحي استعراضي، تمحورت عروضه حول تقنيات السحر والخدع -التي تعلمها حينما كان في لندن- إلى جانب العمل على خدعه الخاصة.
في ديسمبر عام 1895؛ حضر عرضًا لجهاز السينماتوغراف (Cinématographe) الخاص بالإخوة لوميير (The Lumière brothers) في باريس، مفتونًا بما رأى. أراد شراء نسخة من هذه الكاميرا لنفسه لكن الإخوة لوميير رفضوا بيعها له قائلين: "هذا الاختراع ليس للبيع يا صديقي، ويمكنك شكرنا لفعلنا هذا لأنه سيكون سبب تدميرك؛ فليس له مستقبل تجاري" (2).
عاقدًا العزم على الاستثمار بالصور المتحركة؛ سعى إلى لندن وهناك وجد أخصائي البصريات روبرت بول (Robert William Paul) الذي كان يبيع عارضَ أفلام يدعى (Theatrograph) الثيتروغراف (3).
بدأ (Méliès) بإنتاج فيلمه الأول ورق اللعب (Une partie de cartes)، وهو تقليد لفيلم لوميير وأول عنوان في قائمته.
جمع فيلمه الثاني (Une séance de prestidigitation) بين السينما والسحر، ومهد الطريق للمؤثرات البصرية الخاصة، ومن ثم تبعتها مئات الأفلام (3).
أفلامه الأولى كانت عبارة عن بكرة واحدة، واستمر عرض اللقطة الواحدة حوالي الدقيقة (1).
في خريف عام 1896؛ وقع حدث -تحول بعد ذلك إلى فلكلور سينمائي (film folklore )- غيَّر الطريقة التي ينظر فيها (Méliès) إلى صناعة الأفلام. وفي أثناء تصوير مشهد شارع بسيط؛ تعرضت كاميرته لعطل واستغرق تصليح العطل بضع ثوانٍ، لم يفكر (Méliès) كثيرًا في الحادثة وعند معالجة الفيلم صُعق من تأثير هذه الحادثة البسيطة على المشهد حيث ظهرت أشياء فجأة اختفت وتحولت لأشياء أخرى (2).
استنتج (Méliès) من هذه الحادثة أن السينما تمتلك القدرة على التلاعب بالزمان والمكان وتشويههما، وتوسَّع بأفكاره الأولية وابتكر بعض المؤثرات الخاصة المعقدة.
معتمدًا على هذا النجاح؛ قام بإنشاء استوديو زجاجي بتكلفة كبيرة على أرضٍ من ممتلكات عائلته في مونتروي خارج باريس، مُزودًا بمعدات إضاءة وغرف ملابس للممثلين وأبواب للخدع، والذي سيقوم بخدمته طيلة مسيرته المهنية (2).
كان رائدًا في أول عرض مزدوج (double exposure) في فيلم (La caverne Maudite, 1898)، وأول شاشة منقسمة فيها فنانون يمثلون عكس أنفسهم (Un Homme de tete, 1898).
كما استخدم الوهم في فيلم الرجل ذي الرأس المطاطي (L'Homme à la tête de caoutchouc)، حيث حصل على ذلك التأثير باستخدام عربة وكاميرا ثابتة، وذلك بتحريك العربة وعليها الممثل باتجاه الكاميرا (1).
تناول (Méliès) موضوعات متنوعة إضافة إلى أفلام الخيال المرتبطة به عادة، متضمنة الأفلام الدعائية، وأفلام الدراما، وكان من أوائل صناع الأفلام الذي قدَّم عري على الشاشة في (Apres le Bal).
كانت مساهمته الأساسية في السينما المزج بين عناصر المسرح التقليدية والصور المتحركة، وسعيه لتقديم مشاهد كانت غير ممكنة في المسرح الحي.
كانت سنة 1902 واحدةً من أكثر سنوات (Méliès) ازدهارًا؛ حيث أبدع في أشهر فيلم في مسيرته وهو رحلة إلى القمر (Le Voyage Dans la Lune)، مستوحيًا الإلهام من عدة مصادر مثل جون فيرن (Jules Verne) اتش جي ويلز (H.G. Wells).
استغرق تصويره عدة أشهر، واحتاج تمويلًا ضخمًا، قِيس الفلم بحوالي 853 قدمًا (260 مترًا) والتي بلغت على الشاشة قرابة الـ 13 دقيقة تضمنت 30 مشهدًا، احتوت هذه المشاهد على حيل وخدع لم ترَ الشاشة لها مثيل من قبل.
Image: https://www.telerama.fr/sites/tr_master/files/styles/simplecrop1000/public/voyage_dans_la_lune_1902_01_0.jpg?itok=dETi8yij
اكتسح الفيلم العالم، وتعرض للقرصنة بشكل كبير خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ مما أجبر (Méliès) على فتح مكتبٍ فرعي لحماية حقوق ملكية فيلمه.
شهد عام 1908 ذروة مسيرته الفنية، حيث قدم 50 عملاً في سنة، كما مثلت بداية النهاية له أيضًا. في عام 1912؛ قام بتصوير آخر 3 أفلام بتكليف من شركة الأفلام باتي (Pathé)، كانت كلها متخبطة.
كان التطور المتسارع للسينما، وابتعاد الجمهور عن قصص الخيال، وعدم رغبة (Méliès) في تحويل عمله الصغير إلى شركة، إضافةً إلى اقتراب الحرب الكبرى كلها كانت سببًا في إعلانه الإفلاس في 1923، غير قادرٍ على سداد ديونه لشركة باتي، واضطر بعدها لبيع الاستديو الخاص به.
لكسبِ لقمة عيشه؛ عمل في بيع الحلويات والألعاب في محطة مونبارناس (the Montparnasse station) في باريس، اكتشفه صحفي هناك، ونظم حفل تكريم له اعترف فيه الفرنسيون بمساهمته الكبيرة في السينما في عام 1929، وحصل على وسام جوقة الشرف وعلى إيجار شقة مجاني حيث أمضى فيها بقية سنين حياته.
(أحدث تكريم لـِ (Méliès)، والأكثر إثارة، هو فيلم Hugo لعام 2011، من إخراج مارتن سكورسيزي).
Image: https://www.melies.eu/images/hugo2.jpg
تُوفي جورج ميليه سنة 1938؛ تاركًا خلفه زُهاء ال 500 فيلم (تمويل وإخراج وتصوير وبطولة في كل فيلم تقريبًا) ساهمت وبشكل كبير في تطور صناعة السينما كما نراها اليوم، والحيل التي ابتكرها ميلييس مهدت الطريق للمؤثرات الخاصة الحديثة المستخدمة حاليًا، والتي تُنفَذ رقميًا (2).
Image: https://static.lexpress.fr/medias_11260/w_1647,h_921,c_crop,x_0,y_445/w_1000,h_563,c_fill,g_north/v1481818769/georges-melies-1861-1938_5765227.jpg
المصادر:
2. Georges Méliès - The Cinémathèque française - Google Arts & Culture [Internet]. Google Arts & Culture. [cited 29 July 2021]. Available from: هنا
3. Georges Méliès, Magic and Cinema - The Cinémathèque française - Google Arts & Culture [Internet]. Google Arts & Culture. [cited 29 July 2021]. Available from: هنا