الموت عند ميشيل دو مونتين
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة الغربية
عندما كان في الثلاثين من عمره خسرَ صديقه المقرب وبعد ذلك بخمس سنوات فَقَدَ والده ثم أخاه، وقد توفِّيَ ابنُه الأوَّلُ وهو رضيعٌ (1).
لم يرَ دو مونتين الموتَ على أنَّه آخرُ فعلٍ يفعله الإنسان بل نظر إليه على أنه يقظةٌ حتميّةٌ مترافقة مع هدوء وقبول تام (2).
وهو يرى أنَّ الناس يُخطئون في فهم الموت، إذ إنَّ الميْتَ لا يعاني ولا يندم على شيءٍ لذا هو لا يندم حتى على تجربة الموت نفسها، بل على العكس؛ الأحياءُ هم من يعانون الخوفَ وترقّبَ الموتِ. لذلك نجد أنَّ الموتَ ليس أسوأَ ما قد يحصل للإنسان فالتجارب الأخرى كالألم مثلًا أصعبُ من الفناء الفيزيائي (2).
لا تحتوي مقالات دو مونتين على تكهناتٍ ميتافيزيقية عن الموت، فقد عالجَ تجربةَ الموتِ بما فيها من ألمٍ وحزنٍ وشجاعةٍ.
وتحدَّثَ عن كلِّ جانبٍ من جوانبِ هذه التجربة موسعًا، فما الجوانب التي ذهبَ إليها؟
الخوف من الموت: يرى دو مونتين أنَّ أصلَ قلقه هو الخوف من الاحتضارِ وليس من الموتِ بحدِّ ذاته. ويشير إلى أنَّ هناكَ فائدةً واحدةً للخوفِ من الموت وهي أنَّه يضيف الحيويَّة للحياة؛ إذ إنَّ الحياةَ قائمةٌ على اجتماع المتناقضات، ولأنها كذلك فهي تتجدَّدُ باحتمالية الموت في أيِّ لحظةٍ. ولكي نستفيد من هذا الخوف يدعونا مونتين إلى الاعتياد عليه والتآلف معه (1).
يرى دو مونتين أنَّ الرغبة في الموت بسنٍّ متقدمةٍ فكرةٌ منتشرةٌ انتشاراً واسعاً بين الناس وهي اعتقادٌ راسخٌ في أفكارهم؛ فيظنُّ الكثيرُ منهم أنَّ رحيلهم عن هذه الحياة باكرًا يُعدُّ سابقًا لأوانه، وهذه الفكرة برأيه هي تعبير عن تعلُّقِهِم بالحياةِ لأجلِ الحياة ذاتها ويحمل تمركزًا حول الذات، و تُخبرنا الحكمة على الجانب الآخر أنَّ على الإنسان أن يعيشَ مدّةَ وجوبِ الحياة عليه وليس مدّة إمكانيته لعيش الحياة (2).
التحضير للموت: يدعونا مونتين إلى أن نكون حاضرين للموت. وقد اعتمد في بداياته على الفلسفة الرواقية في التحضير للموت ومواجهته بشجاعة؛ لكنّه لاحقًا اعتمدَ على التجربة وملاحظة الطبيعة.
إذ يوضّح طرائق الطبيعة التي تساعدنا على الاعتياد على الموت وتجربته إلى درجةٍ ما. كالنَّوم مثلًا الذي يعدُّ نوعًا ما طريقةً الطبيعة لِتُعرفنا إلى الموت (1).
وفي ذلك يرى ميشيل دو مونتين أن التقدمَ في السن مؤشرٌ لا يقبلُ الشكَّ على الاقتراب من الموت والفائدة من ذلك أن التقدَّمَ في السنِّ يستهلكُ جزءًا كبيرًا من حياة الإنسان ووجوده وبذلك فإنَّ موتَه يعني أنَّه سيُسلبُ نصف حياته أو حتى ربع حياته، بعبارة أخرى إنَّ التقدم في السن بالنسبة له يقودنا إلى موت أسهلَ وأكثرَ لذةً لأنَّه يحدثُ وفقَ خطّةِ الطبيعة (3).
طريقة الموت: من أهم ما آمن به مونتين هو ضرورة معرفة الذاتِ والتصرف على أساس هذه المعرفة. وهذا أمر لا يمكن تجنبه في لحظة الموت، فلا بد -في هذه اللحظة من أن نواجَه أنفسنا. لقد تمنَّى مونتين أن يموتَ صادقًا مع نفسه ومنسجمًا مع الحياة كلها، وهنا يظهرُ تأثُّرُه بـ(أبيقور) الذي كان أحد الملهمين له في بحثه عن الموت (1,3).
يرفض مونتين النظر إلى الموت على أنّه بداية لحياة أخرى، ويرفض أيضاً فكرةَ تقمّص الجسد وقد قدم نقدًا واضحًا لفكرة الخلود التي تحدث عنها أفلاطون (3).
يؤمن مجتمعنا اليوم بقدرته على التحكم بالطبيعة لذلك يرفض الموت ويحاربه بسبب خوفه منه، وقد كان لذلك أثرهُ السلبيُّ؛ فقد نبذَ المجتمعُ التقدَّمَ في السنِّ وعدّه تذكيرًا غير مُرحبٍ به بالموت (1).
المصادر:
2. Bonadeo A. Montaigne and Death. Romanische Forschungen [Internet]. 1980 [cited 15 October 2021];92(4):359–370. Available from: هنا
3. Heitsch D. Montaigne on Health and Death. In: Desan P, ed. by. The Oxford Handbook of Montaigne. New York: Oxford University Press; 2016. p.1219-1244. Available from: هنا