الرياضة في خدمة الأخلاق
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة اليونانية
تستضيف مدينة بكين الصينية في الفترة ما بين 4 و20 من شباط دورة الألعاب الأولمبية الشتوية المعروفة باسم بكين 2022 أيضًا، وهو حدث دولي متعدد الرياضات، ويُقام كل 4 سنوات في بلد مختلف، لكن تعود بدايات الألعاب الأولمبية إلى بلاد الإغريق، فقد كان اليونان قديمًا غنيًّا بما يكفي ليشكل عديدًا من أساسات الحضارة الغربية، لكن دفعتهم كثرة النزاعات والحروب إلى محاولة تجنب تبديد ثرواتهم في العداء المستمر، فكانت الألعاب الأولمبية واحدةً من بين عدة طرائق ساعدت على تحقيق ذلك، إذ كانت بمنزلة طريقة غير مباشرة لحل النزاعات ولتقليل العدائية بين المدن المشاركة فيها، ومن ثم ادخار تكاليف إرسال الجيوش إلى المعارك، وبالطبع لم يكن ذلك كافيًا لتجنب المعارك جميعها، لكن الانتصار في هذه المنافسات الرياضية كان دليلًا كافيًا على قوة المدينة ومكانتها (1).
تختلف الألعاب الأولمبية القديمة عن تلك التي تُقام في يومنا هذا، إذ كان الدين جانبًا مهمًّا في إعداد الرياضيين وتأهيلهم، وكان تفوق الرياضيين في هذه المنافسات يجلب لهم ولموطنهم شهرةً واسعةً ومكانةً رفيعةً، فتُقَدم لهم المكافآت الفخرية والمادية، وهذا يفسر سعي المدن للاشتراك في هذه الألعاب من أجل الحصول على المكانة السياسية، حتى إن بعض المدن اليونانية كانت تبدي اهتمامًا بمحاولة استقدام الرياضيين المعروفين بتفوقهم من مدن أخرى في سبيل الحصول على هذه المكانة السياسية الرفيعة بين المدن (2). ومن ناحية أخرى، تختلف المنافسات الأولمبية في اليونان القديم عنها في وقتنا الحالي، إذ كانت تستبعد كل الرياضيين غير اليونانيين ولا تسمح بمشاركتهم، على عكس الألعاب الحديثة التي تشارك فيها معظم دول العالم (2).
عند الحديث عن حدث كهذا في اليونان القديم، لا بُد من إلقاء نظرة على آراء فلاسفة اليونان في ذلك الوقت، فمن الملاحظ مثلًا اهتمام أفلاطون (Plato 423-348) بالرياضة والتدريب البدني، وقد يكون أول من تحدث عن أهمية الرياضة في بناء الشخصية حتى إنه جعلها جزءًا من التربية، ففي جمهوريته يُعَد الهدف الأساسي من الرياضة هو غرس الفضيلة، وكان أفلاطون يحث على التدريب البدني، ليس لمصلحة الجسد فحسب بل لأنه يساعد على تهذيب النفس وتهيئتها لتلقي الفلسفة والتربية الأخلاقية (3).
استخدم أفلاطون مصطلح الفضيلة (aretê) عند حديثه عن أهمية الرياضة لأنه يعني التميز في كل شيء ويدل على الصفة التي تجعل الناس صالحين وسعداءً في الوقت ذاته، وهذا هو الهدف من التربية البدنية برأيه.
يقسم سقراط الروح في كتابه الجمهورية (Republic) (Socrates 470-399) إلى ثلاثة أقسام: الجزء العقلاني والجزء الروحاني والجزء الشهواني، ووظيفة التدريب البدني برأيه هي أن يلائم بين هذه الأجزاء الثلاثة لتحقيق الغاية من التربية في الجمهورية (3).
وقد تمكن الإغريق من تجميع الثروة والحفاظ عليها بالوسائل الاقتصادية ومن خلال النفوذ والفلسفة وغيرها، حتى أصبح هذا التراث في النهاية أساس الحضارة الغربية (1).
تدقيق لغوي: محمد ناولو.
المصادر:
2. Crowther NB. Athlete and State: Qualifying for the Olympic Games in Ancient Greece. Journal of Sport History [Internet]. 1996 [cited 8 February 2022];23(1):34-43. Available from: هنا
3. Reid HL. Sport and Moral Education in Plato’s Republic. Journal of the Philosophy of Sport [Internet]. 2007 [cited 8 February 2022];34(2):160-175. Available from: هنا