الطوفان السومري
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة
ويقود ملحمة النجاة هذه، رجل حكيم صالح تختاه الآلهة لهذه المهمة الفريدة، وتوكل إليه مهمة بناء سفينة هائلة، يحمل فيها أهله والمقربين إليه من الصالحين ومن كل زوجين من الحيوانات اثنين. وينطلق بهذه السفينة مع شروع الطوفان ويحط رحاله بعد جفاف المياه. فيطلق حيواناته في أرجاء الأرض مرة ثانية، ويؤسس بمن تبقى من البشر مدينة جديدة.
تتكرر هذه الخطوط العريضة بمختلف الحضارات، مع بعض التعديلات، كما تعتبر نسخة الديانات الإبراهيمية والمعروفة بطوفان نوح-Noah الأكثر شيوعاً، إلا أنها ليست الأقدم فالطوفان السومري، على سبيل المثال، يسبق الطوفان التّوراتي بعدة آلاف من السنين.
المثير للتأمل، شيوع هذه الأساطير المتعلقة بالطوفان والدمار الشامل في أماكن متفرقة من العالم، وبين شعوب لا يربط بينها مكان أو زمان، تثير مسائل عديدة تتعلق بتفسير هذا النوع من الأساطير وبواعث نشأتها. فهل تنقل لنا أحداثاً تاريخية وقعت في أزمان سحيقة قبل التاريخ المكتوب، وترسخت في ذاكرة البشر؟ أم أنها تشف عن حقائق نفسية معينة، تتعلق بلا وعي الإنسان الميّال إلى تدمير الذات؟ هل هي إحساس عارم بالإحباط من حضارة تسير دوماً باتجاه مخالف لسعادته؟
سفر الطوفان السومري
تُعد أسطورة الطوفان السومرية حجر الأساس لأقاصيص الطوفان التي شاعت في الحضارات القديمة. على الرغم من الحالة السيئة التي وجد عليها اللوح الفخاري الحاوي على الأسطورة، ورغم تشوه النص ونقصه في معظم مواضعه. حيث يمنع النقص الحاصل في بداية النص، من حصولنا على فكرة واضحة عن مطلع الأسطورة. وما أن يصبح النص واضحاً يبدأ الحديث عن خلق الإنسان وظهور خمس مدن إلى الوجود هي: اريدو، باديتيرا، لاراك، شروباك.
بعد ذلك نجد الآلهة قد قررت إفناء البشر بواسطة الطوفان، فيلقى هذا القرار الممانعة من بعض شخصيات مجمع الآلهة، فنجد (انكي) إله المياه العذبة الباطنية يحمل على عاتقه مهمة إنقاذ بذرة الحياة على الأرض. يقوم (انكي) بتحذير الملك الكاهن (زيوسودرا) من خلف الجدار في حين (زيوسودرا) يستمع من الجانب الآخر، ويكشف له نوايا الآلهة المتمثلة بالطوفان، ويعهد إليه ببناء سفينة كبيرة تحمل معها الزمرة الصالحة من البشر وبعض الحيوانات.
"وعندما وقف زيوسودرا قرب الجدار سمع صوتا:
(قف قرب الجدار على يساري واسمع
سأقول كلاماً فاتبع كلامي
اعطِ أذناً صاغية لوصاياي
إنا مرسلون طوفاناً من المطر
فيقضي على بني الإنسان
ذلك حكم وقضاء من مجمع الآلهة
أمر آنو وانليل"
برياح عاتية، وأمطار فيضانية تغمر الأرض، يُكمل النص وصفه لأحداث الطوفان التي استمرت سبعة أيام وسبع ليالي، وظهور (أوتو) إله الشمس الذي خرّ (زيوسودرا) ساجداً أمامه.
"هبت العاصفة كلها دفعة واحدة
ولسبعة أيام وسبع ليالي
غمرت سيول الأمطار وجه الأرض
ثم ظهر أوتو ناشراً ضوءه في السماء على الأرض
فتح زيوسودرا كوة في المركب الكبير
تاركاً أشعة البطل أوتو تدخل منه
زيوسودرا الملك خرّ ساجداً أمام أوتو
ونحر ثوراً وقدم ذبيحة من غنم"
هُنا يعترض النص تشوّه، ويُرجّح أنّ الجزء المفقود يتحدث عن جفاف المياه وهبوط السفينة على الأرض الجافة. وما أن يُصبح النص قابلاً للقراءة، نجد (زيوسودرا) يسجد أمام كلٍ من (انليل) و (آنو). ولحمايته الحيوانات وبذرة الحياة الصالحة على الأرض، يُكافَئ (زيوسودرا) بالخلود في أرض دلمون، جنة السومريين، حيث تُشرق الشمس.
"زيوسودرا الملك،
سجد أما آنو وإنليل
ومثل إله وهباه حياة أبدية
ومثل إله وهباه روحاً خالدة
عند ذلك زيوسودرا، الملك
دعي باسم حافظ بذرة الحياة
وفي أرض دلمون
حيث تُشرق الشمس، أسكناه"
باقي مقالات الطوفان:
الطوفان البابلي: هنا
الطوفان الكلداني: هنا
المصادر:
Dalley، Stephanie. Myths From Mesopotamia، Oxford University Press، Oxford، 1989.
Sandars، N. K. (transl.). The Epic of Gilgamesh، Penguin Books، Ltd.، Harmondsworth، England، 1972.
مغامرة العقل الأولى، دراسة في أسطورة سورية وبلاد الرافدين، فراس السواح، طبعة 1987.
دراسات في حضارة المشرق العربي القديم، بشار خليف، مركز الإنماء الحضاري. 2004.
هنا
هنا
مصدر الصورة:
هنا