هل تشعُّ النجوم لأجلنا؟
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم الأخلاق وعلم الجمال
من أغنية yellow لفرقة coldplay التي تصور المحبوبة على أنها محور حياة كاتب كلمات الأغنية، وربما ستقتنع هي بذلك، ولكن كم أحد حولنا مقتنع بذلك أيضًا؟!
لو درسنا تاريخ الحضارات البشرية وثقافات المجتمعات المختلفة وأساطيرها، فإننا سنلاحظ أنها غالبًا ما تضع الإنسان في مركز الكون وتوظف له الأهمية الأسمى في الوجود، ومن ثم تبرر استغلال الطبيعة لمصلحته، إذ تعطي قيمة ذاتية للبشر بما يعني أنهم مهمون بذاتهم، وفي المقابل تعطي أهمية عملية لما هو غير بشري فيما يعني أن أهميتهم تقبع في فائدتهم للبشر، ويُطلق على هذه الفكرة: المركزية البشرية (Anthropocentrism) (1,2).
في القرون القليلة الماضية دُحضت هذه الفكرة عن طريق عديد من الاكتشافات العلمية التي ألقت بالبشر على هامش الكون، فها هو عالم الفلك البولندي نيكولاس كوبرنيكوس Nicolaus Copernicus يدحر المسلَّمة المألوفة آنذاك بأن الأرض هي مركز الكون والشمس تدور حولها، ويُعلن أن الأرض ما هي إلا جرمٌ سماويٌّ صغير يدور حول الشمس مثل باقي الكواكب، ثم يأتي عالم الجيولوجيا والبيولوجيا تشارلز داروين Charles Darwin ليُلغي أية ميزة بيولوجية للإنسان على حساب باقي الحيوانات، ويجعل منه جزءًا من النظام الحيوي على سطح الأرض، وأخيرًا يحرك عالم النفس سيغموند فرويد Sigmund Freud بيدقه ويَصفُ العقلانية -التي يفتخر بها البشر التي رآها أرسطو وديكارت وكانط على أنها خاصية خارقة للطبيعة-، بأنها مجرد زيف (1,2).
أغنتنا الاكتشافات العلمية الأخيرة بحقائق عن الكون تخالف تصورات الإنسان البدائية، فقد وجدنا أن الكون أكبر بكثير وأن تاريخه أطول وأكثر تنوعًا مما تخيل الإنسان سابقًا، وأن الأخلاق التي لطالما افتخر البشر بها؛ قد ظهرت لدى بعض الحيوانات القادرة على التصرف أخلاقيًّا، وهذه الاكتشافات أجبرتهم على التخلي عن المطالبة بمركزية الإنسان الوجودية والبيولوجية في الكون، وأعادت تعريف مركزية البشر على أنها السلوكيات والقيم التي تعطي الأولوية لمصالح الإنسان على مصالح الكائنات الأخرى ومصالح البيئة، وطُبعت بذلك القيمة الوجودية بطابع الطبيعة، ولذا يُناقش البيئيون: على أي أساس إذًا ما يزال الإنسان محتفظًا بمركزيته الأخلاقية التي تجعله يتعامل مع البيئة حوله على أساسها وبما يخدم مصلحة بقائه ورفاهيته (1-3)؟
إن التطور التكنولوجي والاكتشافات العلمية أدت بالإنسان إلى التأثير في العالم من حوله على نطاق واسع وغير مسبوق، وخصوصًا بعد الثورة الصناعية التي أضرت بالحيوانات والبيئة الطبيعية كثيرًا، إذ تسببت بالاحتباس الحراري والانقراضات لعديد من الأنواع، وتلوث الهواء والماء، وتدمير الحياة البرية. ويناقش البعض أن المشكلة الأخلاقية هنا ليست في مركزية البشر بل في المركزية الصناعية (industrocentrism) التي تضر بالبشر والبيئة على حدٍّ سواء، مما دفع الفلاسفة الأخلاقيين البيئيين إلى الدعوة لئلا تقتصر أخلاقنا على مصلحة البشر فحسب؛ بل أن تمتد لتشمل باقي الأنواع بما يُعرفُ ب (speciesism)، أو لتشمل البيئة كاملةً بما يعرف ب (Environmentalism) (1-3).
ولكن قد يقول قائل: ما دام وجود الإنسان غير مركزي وإنما ثانوي، وبما أنه جزء من البيئة؛ فإن تأثيراته في البيئة المحيطة به ثانوية ومقبولة إذا ما خضعت لمقياسي الزمان والمكان الشاسعين بالنسبة لنا. فمثلاً؛ مرت الأرض بالعديد من الانقراضات العظيمة التي دمرت معظم أشكال الحياة، والتي تفوق في ضررها كلَّ ما سببه الإنسان للبيئة، فقد نعدُّ أن هذا حدث طبيعي لا يجب أن يُعرقَل، ونفس الفكرة تنطبق على تأثيرات الإنسان الضارة على البيئة.
إن هذا المنظور يتعارض مع مصلحة البشر ومصلحة كوكب الأرض والكائنات التي تسكنه، ومن ثم فإن كون الإنسان لا يحتل مركز الكون لا يعني ألا يهتم بعواقب أفعاله على المدى القصير المتعلق به بوصفه بشريًّا وبنسله، بل على العكس، إذ يجب أن يدفعه ذلك لحماية البيئة كونها النظام الداعم لحياته.
وتُشير مغالطة المركزية البشرية (the anthropocentric fallacy) إلى أنه على الرغم من إدراك الإنسان للطبيعة من وجهة نظر بشرية فقط، فهذا لا يمنعه من إدراك قيمة ذاتية لها.
وبهذا تكون مركزيته البشرية لا بد من القليل منها للحفاظ على حياته الجيدة، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يتذكر أنه جزء من البيئة، فيحترمها ويضع حدوداً لتأثيراته فيها، ويوسع من اهتمامه بالكائنات التي تشاركه البيئة بما يتناسب مع إدراكه بصفته بشريًّا للأخلاق وللمكان والزمان (1-3).
المصادر:
2. Kortenkamp K, Moore C. Ecocentrism AND Anthropocentrism: Moral Reasoning About Ecological Commons Dilemmas. Journal of Environmental Psychology. 2001;21(3):261-272. Available from: هنا
3. Kopnina H, Washington H, Taylor B, J Piccolo J. Anthropocentrism: More than Just a Misunderstood Problem. Journal of Agricultural and Environmental Ethics. 2018;31(1):109-127. Available from: هنا