دور وسائل الإعلام في قضايا عنف الشريك الحميم IPV
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم الاجتماع
يُعرَف عنف الشريك الحميم (Intimate Partner Violence IPV) على أنه ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي يحدثه شريكٌ أو زوج حالي أو سابق، وقد يحدث بين شريكين من جنسين مختلفين أو من الجنس نفسه، كذلك فهو لا يَعُد وجود علاقة جنسية حميمة بين الطرفين شرطًا لحدوث هذا النوع من العنف، ويتضمن سلوكيات بمستويات متفاوتة من الخطورة التي تتراوح من حادثة واحدة إلى إساءة مزمنة (2)، وفي الحقيقة تتعرض امرأة من بين كل أربع نساء، ورجل من بين كل سبعة رجال للعنف من قبل شريك حميم خلال حياتهم (3).
وتؤدي وسائل الإعلام دورًا مهمًا في كيفية فهم قضايا عنف الشريك الحميم IPV على أنها قضية اجتماعية، وتؤثر وسائل الإعلام في ردود أفعال الجمهور والأحكام التي يطلقونها على القضية، فينظرون مثلًا في طريقة تُحمّل فيها الضحية مسؤولية إنهاء العنف في العلاقة؛ وفي تجاهل العوامل الاجتماعية التي تديم العنف إلى حد كبير أيضًا (2)، وخاصة بين أوساط المشاهير التي ينتشر فيها هذا النوع من العنف؛ إذ إن قضية جوني ديب وأمبر هيرد ما هي إلا إحداها، لكن بالطبع هناك غيرها كثير، ومن أكثر الحوادث التي أحدثت ضجة كبيرة أيضًا هي تلك التي فعلها لاعب كرة القدم الأمريكي راي رايس (Ray Rice) عام 2014 عندما بصق على حبيبته؛ لأنها أخذت هاتفه المحمول، ولكمها على رأسها بعد ذلك لتغيب عن الوعي إثر الحادثة، ما آل إلى تعليق مشاركته بالدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية إلى أجل غير مُسمى لكون هذه القضية عن العنف المنزلي كانت تشغل اللحظة وكان الهيجان الإعلامي عنها في ذروته (3).
قد يثير المحتوى المُقَدم على شكل رسالة إعلامية المشاعر على نحوٍ متوقع بناءً على المعلومات التي تحتويها، وهذا ما يُعد مهمًا، وقد يؤثر في التفضيلات حيال السياسات التي يجب أن تُتخَذ والعقاب في حال كانت وسائل الإعلام تطرح باستمرار قضية ما بطريقة تنحاز فيها نحو استجابات عاطفية معينة (2).
فقد تؤثر وسائل الإعلام في تصورات الجمهور الواقعَ الاجتماعي، فمثلًا توفر وسائل الإعلام معلومات عن الظروف الاجتماعية بما تتضمنه من صور وأمثلة تساعد على فهم الأفراد للمبادئ المعقدة التي تكمن وراء مسائل السياسات العامة. فمن خلال تركيز الانتباه على قضايا معينة وتجاهل أخرى، سيكون لدى وسائل الإعلام الإخبارية القدرة على التأثير في المعايير التي يُحكم من خلالها على السياسات العامة (2).
لكن أُجريت دراسة لتعقب رؤية الجمهور وتعاطيه مع المسائل المتعلقة بقضايا العنف من الشريك الحميم المطروحة إعلاميًّا وعبر تتبع التعليقات والمنشورات التي تُشير إلى بعض القصص نجد تباينًا واضحًا، فمثلًا شكك حوالي 11% من المتفاعلون بحقيقة أقوال الضحايا عند اتهامهم لشركائهم بالعنف الجسدي والنفسي، ورأى أكثر من 8% آخرون أنَّ كسب مزيد من الشهرة والمال أو انتقامًا من الشركاء وتشويه سمعتهم هي الدوافع وراء اتهامات الضحايا ومنهنَّ من اتخذنّ موقفًا مع الضحايا من النساء فقط لأنهن نساء و"يجب على النساء دعم بعضهنَّ" وحوالي 6.6% ذهبوا للقول: إنه لا يجب إطلاق أحكام نهائية كونه لا أحد يعلم ما كان يحصل بين الطرفين بالفعل (4).
وتُشير نتائج بعض الدراسات بالمقابل إلى أنه قد يكون للمعلومات الواردة في الأخبار والمتضمنة قصص الضحايا تأثيرات غير مقصودة، فمن خلال القول: إن الضحية كان يدمن الكحول أو كان على علاقة غرامية مع شخص آخر، سيزداد إسناد مسؤولية ما حصل إلى الضحية، كذلك يُقدم الباحثون عديدًا من الأمثلة الأُخرى التي تتضمن ما يُنشَر في القصص الإخبارية والمعلومات المتعلقة بالضحية التي تكون في جوهرها تُلقي اللوم على الضحية، ما قد يقود الناس إلى الاعتقاد بأن هناك أسبابًا مقبولة لارتكاب التعنيف ضد شريك حميم (2).
وهذا ما يوضح الحاجة المُلحة إلى أن يُفكر الصحفيين بعناية في الأسئلة التي يطرحونها وتلك التي لا يطرحونها أيضًا، وما الآثار المترتبة على هذه الخيارات، وتُرسخ نتائج هذه الدراسات أهمية وضع الصحفيين للقصص التي يتحدثون عنها في إطار يُركز تركيزًا أكبر على سبب مهاجمة الجاني الضحيةَ، وليس عما قد تكون الضحية قد فعلته لاستفزازه (2).
كونها تندرج ضمن فئة وسائل الإعلام، لم يعد لشبكات التواصل الاجتماعي تأثير في الحِراك العام والانتخابات فحسب، بل غيرت الطريقة التي تُناقش بها مواضيع العنف والإساءة، فتوسعت أخبار التحرش والاعتداء الجنسي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، كما كان الحال مع الضحايا الذين استخدموا وسم أو هاشتاغ #whyIstayed أو #metoo، ما جعل هذه المصادر الثانوية المتمثلة بهذه التعليقات تصبح بفعالية تأثير المادة الأصلية أو أقوى منها (4).
2- Palazzolo K, Roberto A. Media Representations of Intimate Partner Violence and Punishment Preferences: Exploring the Role of Attributions and Emotions. Journal of Applied Communication Research [Internet]. 2011 [cited 23 April 2022];39(1):1-18. Available from: هنا