مسرحيّة حيرةُ الطّبيب (خفايا الصراعات النفسيّة)

تقع مسرحية (حيرة الطبيب) في أربعة فصول، وقد أُدّيت على المسرح في لندن عام 1906 قبل أن تُنشر للمرة الأولى عام 1911 (1). خطّت هذه المسرحية يد الكاتب المسرحي العبقري جورج برنارد شو (George Bernard Shaw 1856-1950) بأسلوبٍ ساخر، وقد منحها عنوانًا فرعيًّا "مسرحية تراجيدية"، إذ إنها كانت في حقيقة الأمر نقدًا لاذعًا للصراع بين متطلبات مهنة الطب وأخلاقياته بوصفه عملًا تجاريًا من جهة ومهنةً ساميةً من جهة أخرى.

كتب برنارد شو هذه المسرحية بعد أن تحدّاه صديقه الناقد والكاتب المسرحي ويليام آرتشر (William Archer 1856-1924) ليؤلف مسرحية تراجيدية تحمل معاني الموت حتى يصبح كاتبًا مسرحيًّا عظيمًا، فما كان منه إلا أنه كتب مسرحيةً مفرطةً في هزليتها سخرت من مهنة الطب الخاص نظرًا إلى ما وصلت إليه، على حدّ قوله، من سوداويّةٍ مقيتة، ووصف أطباء القطاع الخاص بأنهم "محض قتلة جَهَلة يحملون ترخيصًا".

تسلّط هذه المسرحية الضوء على مخاطر ممارسة الطب الخاص، وكما عوّدنا برنارد شو؛ فإن هناك خداعًا ينطوي عليه عنوان المسرحية؛ إذ لم تكن الحيرة أكثر من مجرد حيرة مزيفة في الواقع. وتسرد المسرحية قصة الجراح العصري كولنسو ريدجون الذي حصل على لقب "السير" بعد أن طوّر علاجًا لمرض السلّ ووضع خيارين إما إنقاذ حياة الفنان العبقري الفاسد أو شبه الفاسد الذي لا يمكن إصلاحه والذي خدع زوجته المخلصة جينيفر - وهو لويس دوبيدات، أو مساعدة الفقراء. وإنّ ما يزيد مهمة الطبيب ريدجون تعقيدًا أنّه وقع في غرام زوجة الفنان دوبيدات.

ومع أن الطبيب ريدجون تمكّن من اكتشاف تطعيمٍ لمرض السلّ، غيرَ أنّ التكلفة العالية للعلاج حالت دون زيادة عدد المرضى المستفيدين، وجعلته يقتصر على حفنة من الأغنياء. ومن هنا تبدأ معضلة الطبيب وحيرته؛ أي بدءًا من اللحظة التي تدخل فيها ساحرة الجمال جينيفر متوسلةً إليه إنقاذ زوجها من مرض السل الذي ينهش جسده.

وهكذا، يأخذنا برنارد شو في رحلةٍ مع الطبيب ريدجون ويضع النزاهة الطبية موضعًا للشكّ،  والمعضلات الأخلاقية بين مساعدة الفقراء على حساب التربّح أو التربّح على حساب حياة الفقراء، مبرّزًا في الوقت نفسه فكرة التماسك الرومانسي، ويشيرُ بطابعٍ جذّاب إلى الاكتشافات العلمية الطبية آنذاك.

المصادر:

(1) برنارد شو جورج. حيرة الطبيب. الطبعة الأولى. لندن: كونستابل؛ 1911. مكاوي عمر إبراهيم (المترجم). الطبعة الأولى. القاهرة: دار الفكر العربي.