حظي موضوع تناول الطعام ليلًا -وخاصةً قبل النّوم- اهتمامًا كبيرًا في السّنوات الأخيرة؛ إذ اقتُرِح الحدّ منه وأحيانًا تجنُّبَه بوصفهِ نظامًا صحيًّا لفقدان الوزن لتحسين صحة الجسم (1). وتضاربت الآراء بين داعم للفكرة ورافضٍ لها، فالموقف الأول يَعُدّ تناول الطّعام قبل النوم أمرًا غير مرغوب فيه، وينطلقون في دعم موقِفهم من النّقاط الآتية:
يختلف الشّعور بالشّبع باختلاف الوقت خلال اليوم، وأنّ تناول الطّعام في أثناء الليل يكون أقلّ إشباعًا ويؤدّي إلى زيادة السّعرات الحرارية اليومية مقارنةً بالطعام المُستَهلك في ساعات الصّباح (2).
ثَبُت أنّ مصير العناصر الغذائية المُستَهلَكة، والاستجابة الأيضيّة بعد تناول وجبات متطابقة يتغيّر على مدار اليوم، ممّا يؤدي إلى إفراط في تناول الطعام وزيادة الوزن مع حدوث عواقب استقلابيّة مُحتَملة، إذ تكون الاستجابة أدنى مع المدخول الليلي (1).
من المعروف أن تناول الوجبات قبل موعد النوم يُسهم في ارتفاع مستوى الأنسولين الذي يؤدّي إلى انخفاض استجابة هرمون النّمو، مما يؤثر سلبًا في تكوين الجسم وبناء العضلات (3).
وفي دراسة متلازمة الأكل الليلي (Night eating syndrome - NES)؛ يُبدي المرضى المصابون بها تأخّرًا في النمط اليومي لتناول الطعام الذي يتجلى بفرط الأكل في المساء والاستيقاظ الليلي المُتكرّر المصحوب بتناول الطعام وفقدان الشهية الصباحي، ويرتَبط (NES) بالسّمنة، ويستهلك الأشخاص الذين يعانونه ضعفَ كمية الكربوهيدرات والبروتين وأربعة أضعاف الدّهون في وجباتهم اليومية (4).
يوجد علاقة عكسية بين مدة النوم ومؤشر كتلة الجسم، وهناك احتمالية أكبر للإصابة بالسمنة لدى أولئك الذين يحظون بأقل من 9-7 ساعات من النوم كل ليلة (1). وأشارت عدّة دراسات إلى أنّ الامتناع عن الأكل أو الشرب قبل ساعة واحدة -على الأقل- من وقت النوم يَقي من الاستيقاظ بعد بداية النوم، وأنَّ التوقيت المُبكر لتناول الطعام أو الشراب فيما يتعلق بوقت النوم -بين 4 و6 ساعات قبل النوم- يزيد احتمالية مدة النوم المثلى (5).
كذلك فإنّ النّصائح للحصول على نوم صحي لا تُشجّع على الأكل أو الشرب قبل النوم، ولا سيما الوجبات الكبيرة أو الحارّة والغنية بالتوابل، والكحول والمشروبات الغازية التي تحوي الكافيين الذي يمكن أن يؤخّر بدء النوم (5).
كل ما ذكرناه يدل على أن تناول وجبات -كبيرةِ أو غالبيةِ العناصر الغذائية اليومية- في وقت متأخر من المساء قد يزيد التعرُّض للسمنة ومشكلات صحيّة أخرى.
في حين أنّ هذا قد يكون صحيحًا عندما نتحدث عن كميات كبيرة من الطعام المُتناول في الليل، غيرَ أنّ هناك رأي مخالف يقول:
إذا تغيّرت اختيارات الطعام وفُضّلت الأطعمة الصغيرة، الكثيفة المغذيات، والمنخفضة الطّاقة (200 كيلو كالوري)؛ يؤدي تناول الطعام ليلًا إلى انخفاض طفيف في أكسدة الدهون مدة 24 ساعة وزيادة طفيفة في الكوليسترول الكلي (1).
أمّا الرياضيون عند أخذهم بروتين الكازيين قبل النوم بـ 30 دقيقة، فكانت لديهم تركيزات أعلى من الأحماض الأمينية الأساسية في البلازما مما يشير إلى أنّ البروتين المُتناول قبل النوم قد هُضم وامتُصّ امتصاصًا فعّالًا، ممّا يُساعد على نحوٍ أكبر في الحفاظ على صحة الجسم، ومن ثمَّ توفّر ميزة تنافسيّة لدى الأفراد الأصحّاء النشطين بدنيًّا (1).
إن تقديم وجبة خفيفة ليلية قليلة الدسم ومنخفضة السعرات الحرارية بدلًا من اختيار الأطعمة العالية الدهون والسعرات الحرارية قد يكون مفيدًا للبالغين الذين يعانون زيادةَ الوزن والسمنة. ويؤدي تناول وجبة خفيفة مُنظّمة بعد العشاء إلى انخفاض إجمالي في السعرات الحرارية اليومية، وفقدان مُتواضع في الوزن. والمُثير للاهتمام أن الأشخاص الذين يتناولون طعامًا أقلّ على العشاء عندما يضعون في حسبانهم أنهم سيتناولون وجبة خفيفة في المساء بعدَ العشاء (1).
أما مرضى تخزين الغلوكوجين (Glucogen) ومرضى السكري، فإن تناول جرعة من العناصر الغذائية قبل النوم ضروري للمساعدة في الحفاظ على تركيزات الغلوكوز (Glucose) في الدم في أثناء النوم والبقاء على قيد الحياة (1).
وأخيرًا، نستطيع أن نجد تقاربًا بين الموقفين؛ إذ إن الموضوع يتعلق بنوعية الوجبات المُتناوَلة قبل النوم ونوعية النمط الغذائي المُتّبع والغرض منه، كذلك من الواضح أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفحص هذا المنظور الجديد للتغذية الليلية من حيث الصلة بالأفراد المستقرين صحيًّا والرياضيين والمرضى.
وتحديد دور التغذية الليلية في التّعافي من التمرين وتحسين الأداء -إن وُجد- له ما يبرره، إلى جانب تحديد التغيرات الأيضيّة بين عشية وضحاها، التي قد تحدث من جرّاء التغذية الليلية وخاصةً التمثيل الغذائي للدهون (1) .
المصادر:
1- Kinsey AW, Ormsbee MJ. The Health Impact of Nighttime Eating: Old and New Perspectives. Nutrients [Internet]. 2015 [cited 29 September 2022];7(4):2648-2662. Available from: هنا
2- de Castro JM. The time of day and the proportions of macronutrients eaten are related to total daily food intake. British Journal of Nutrition [Internet]. 2007 [cited 29 September 2022];98(5):1077-1083. Available from: هنا
3- Lanzi R, Luzi L, Caumo A, Andreotti A, Manzoni M, Malighetti M et al. Elevated insulin levels contribute to the reduced growth hormone (GH) response to GH-releasing hormone in obese subjects. Metabolism [Internet]. 1999 [cited 29 September 2022];48(9):1152-1156. Available from: هنا90130-0
4- Goel N, Stunkard AJ, Rogers NL, Van Dongen H, Allison KC, O'Reardon JP et al. Circadian Rhythm Profiles in Women with Night Eating Syndrome. Journal of Biological Rhythms [Internet]. 2009 [cited 29 September 2022];24(1):85-94. Available from: هنا
5- Iao S, Jansen E, Shedden K, O’Brien LM, Chervin RD, Knutson K et al. Associations between bedtime eating or drinking, sleep duration and wake after sleep onset: findings from the American time use survey. British Journal of Nutrition [Internet]. 2021 [cited 29 September 2022];127(12):1888-1897. Available from: DOI: هنا