ظهر مصطلح آليات الدفاع في علم النفس للمرة الأولى على يد "سيغموند فرويد" مؤسس نظرية التحليل النفسي، إذ ناقش ارتباطها بالدفاعات اللاواعية بين أركان النفس الثلاث -بحسب وصف فرويد- وهم الأنا "Ego" والأنا العليا "Super Ego" والهو "Id"، إلى أن وضحتها ابنته "آنا فرويد" وحلّلتها أكثر في عشرينيات القرن الماضي، فوصفتها -على غرارِ والدها- بأنها آلياتٌ غير واعية تستخدمها الأنا لتخفيف التوتر والصراعات بين الهو والأنا العليا داخل الأفراد، ووصفت منها عشر دفاعاتٍ ازداد عددها تباعًا عبر السنين بجهودِ علماء التحليل النفسي (1).
وبعد نصف قرن من الأبحاث التجريبية عن تأثير الوظائف الدفاعية على الاستتباب النفسي وتطور الشخصية ونتائج الإجراءات العلاجية، صُنفت هذه الآليات ضمن ثلاث مستويات أساسية هي: ناضجة "Mature"، عُصابية "Neurotic" وغير ناضجة "Immature"، لنتعرف إليها معًا: - آليات الدفاع الناضجة: تتوافق مع أعلى مستويات التأقلم النفسي، أو ما يسمى بالتأقلم الإيجابي "Positive Coping"، وتدل كثرة استخدامها على وعي وفهم أكبر للمشاعر والأفكار والرغبات المرتبطة بالصراعات الداخلية والتوتر داخلي أو خارجي المنشأ، وتساعد الأفراد على التعامل مع الكُرَب النفسية التي قد يتعرضون لها وتمكنهم من تجاوزها (2).
من أمثلتها:
حس المرح "Humor": استخدام الدعابة لتخفيف الحزن والمشاعر السلبية، مثل ذكر موقف أو صفة طريفة لشخص في أثناء وصفه يوم وفاته.
التوقع "Anticipation": توقع حدوث مشكلة محددة والعمل على تجنبها مُسبقًا أو حلها، مثل التدرّب على الأسئلة التي من الممكن أن يتلقاها الشخص في أثناء مقابلة العمل وتهيئة نفسه قبل خوض المقابلة.
التسامي "Sublimation": تكريس القلق والرغبات غير المقبولة لتحقيق سلوكيات أكثر قبولًا في المجتمع، مثل توجيه مشاعر الغضب والعنف وتفريغها في ممارسة الرياضة.
الكبح "Suppression": القيام بكبح شعور أو فكرة محددة بوعي على عكس الكبت الذي يُعد عملية غير واعية لحجب الأفكار المسببة للقلق، مثل كبح الأفكار المتولدة عن صدمة سابقة أو حادث مؤثر وعدم التفكير بهما (1,2).
- آليات الدفاع العُصابية: تتوافق مع المستوى المتوسط من التأقلم النفسي، وتضم الآليات ذات الصلة بالتعامل مع القلق والهواجس، ويساعد استخدمها الفرد على التعامل مع الجوانب الشعورية والمعرفية لصراعاته من خلال إبقاء بعض المشاعر والأفكار مغيّبةً عن العقل الواعي لأن تعامله معها والتفكير بها سيزوّده بقلقٍ غيرِ محتمل (2).
من أمثلتها:
الكبت "Repression": الحجب اللاواعي لفكرة أو مشاعر غير مرغوبة، ومع كون الشخص غير قادر على تذكر وتحليل موقف صادم سبق له اختباره، إلا أنه يبقى متأثرًا بالمشاعر والرغبات النابعة من ذلك الموقف، أي تتواجد المكونات العاطفية دون وجود المكونات المعرفية.
عزل المؤثرات "Isolation of Affects": تجنب العودة لاختبار شعور مرتبط بشخص أو حدث أو فكرة محددة، نشاهده عن شخص يروي قصة احتراق منزله بدقة دون إبداء ردود فعل عاطفية.
الإزاحة "Displacement": تحويل عبء المشاعر من كيان أو موقف محدد وصبّه على كيانٍ آخر (أضعف غالبًا)، مثل من يعاني من يوم عصيب في العمل فيعود ويصب غضبه على عائلته في المنزل (1,2).
التراجع "Undoing": ميل الشخص للتعامل مع الصراعات ومسببات التوتر من خلال القيام بسلوكيات يظن أنها معاكسة لمسببات هذه الصراعات، فيقوم شخصٌ مثلًا بالتودد لشخصٍ سبق له أن قام بإهانته رغبةً منه بتخفيف مشاعر الذنب التي يشعر بها (2,3).
- آليات الدفاع غير الناضجة: وهي أكثر آليات الدفاع شيوعًا، تدل كثرة استخدامها واعتماد الفرد عليها على ضعف دفاعاته النفسية وفهمه القليل لمشاعره ومسببات صراعاته الداخلية ومصادر التوتر الخارجية، فهذه الدفاعات تثبط الوعي من خلال الأفكار والأحداث غير المرغوبة وتحيّدها لحماية النفس من الشعور بالتهديد (2).
من أمثلتها:
الإنكار "Denial": رفض تقبل الواقع غير المريح واستبداله بأفكار وتوقعات داخلية غير منطقية، مثل رفض تصديق خبر مرض الأشخاص الذين نحبهم.
التصرف بتهور "Acting Out": الاعتماد على التصرفات المؤذية لتشتيت الانتباه والغضب عن مصدره الأساسي، من الممكن أن تترافق مع اضطرابات مثل اضطراب السلوك "Conduct Disorder" واضطراب الشخصية غير الاجتماعية "Antisocial Personality Disorder".
الإسقاط "Projection": نَسب شعور داخلي غير مرغوب لشخص ما لشخصٍ آخر، فمثلاً قد يصبح الأفراد الذين يخونون شركاؤهم أكثر شكاً بهم، أو حتى يتهمونهم بالخيانة لتخفيف مشاعر الذنب كون خيانتهم لشركائهم المخلصين غير مبررة.
العنف السلبي "Passive Aggression": التعبير عن الغضب مباشرةً، مثل التزام الصمت والتجاهل (3).
ومما أوردناه سابقًا نستنتج أن آليات الدفاع أساسية لتحقيق استتبابنا النفسي، إلا أن بعض أنواعها واستخداماتها تحمل على ممارسها كثير من الآثار السلبية، فتارةً تكونُ سببًا في منعنا من الوصول إلى فهمٍ أعمق لتجاربنا ومشاعرنا، وتارةً أخرى تكون سببًا في كبت مشاعرنا في المواضع الخطأ، لكننا حالَ ما ندرك الآليات التي نستخدمها ونلجأ إليها، سنكون قادرين على مُحاكمتها منطقيًا واستبدالها بعادات وأفكار أفضل (3).
المصادر:
1. Bailey R, Pico J. Defense Mechanisms [Internet]. PubMed. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2022. Available from: هنا_ 2. Di Giuseppe M, Perry JC. The Hierarchy of Defense Mechanisms: Assessing Defensive Functioning With the Defense Mechanisms Rating Scales Q-Sort. Frontiers in Psychology [Internet]. 2021 [cited 2021 Nov 9];12. Available from: هنا 3. Felton A. What Are Defense Mechanisms? [Internet]. WebMD; 2022. [cited 2022 Oct 30]. Available from: هنا