موسيقا شهيرة، لكن لماذا لا استمتع بها كالآخرين؟!
الموسيقا >>>> الموسيقا والطب
لعلك سألت نفسك يومًا وأنت تستمع إلى أغنيتك المفضلة وقد بلغت ذروة ابتهاجك "أيمكن لأحد حقًا ألّا تأسره هذه الكمية من المتعة والسعادة ؟!"
على الرغم من أنها لا تمثّل كيانًا ماديًّا ولا ترتبط بمنفعة بيولوجية أو مادية، فإن الموسيقا تُصنّف ضمن أعلى مصادر المتعة على مرّ التاريخ، لكن في حال وجدت نفسك مخالفًا لهذه القاعدة، فستنضم إلى مجموعة نادرة من الأشخاص تمثّل ما يقرب 5% من البشر التي تعاني على نحو مثير للاهتمام (انعدام اللذّة الموسيقية - musical anhedonia)؛ إذ تعدّ هذه الظاهرة حالةً عصبيةً نادرة يفقد معها الشخص القدرة على الاستمتاع بالموسيقا والأغاني مهما كانت درجة تفضيلها لدى أغلبية الناس (1-3).
نشير هنا إلى أن هذه الحالة لا تتعلق بذائقة الفرد أو مزاجه، فمن الطبيعي جدًا أن يستمتع شخص بأوبرا ما، في حين أنه يجدها آخر مملة، ولا ترتبط كذلك بـ(انعدام اللذّة العام - general anhedonia) الذي يُعد أحد أعراض الاكتئاب (1,2).
للتأكد من هذه الظاهرة، قاس مجموعة من الباحثين درجة تعرّق أشخاص محددين ومعدل ضربات قلبهم استجابةً لمجموعة محفّزات معروفة - فمعايير الجلد والقلب لا يمكن التظاهر بها أو تزييفها - فتبين أن الأشخاص في ألعاب القمار والمكافأة المالية أظهروا تعرقاً شديداً نتيجةً لإثارة دماغية، لكن عندما عُزفت الموسيقا بقي معدل إفراز العرق لديهم ومعدّل ضربات قلبهم دون أي تغيّر. هؤلاء الأشخاص أشاروا إلى أنهم استطاعوا الإحساس بالمشاعر في الموسيقا التي عُزفت كالحزن أو الحماس أي لم يكن لديهم عجز بالإدراك الموسيقي والذي يُعرف باسم (amusia)، لكنّهم ببساطة لم يستمتعوا بها (1,2).
وجد الباحثون أن استجابة الجسم للمحفزات الشائعة كالطعام والمال والجنس التي تحدث تحت إشراف الجهاز الحوفي للدماغ والمعتمد على الدوبامين تختلف نسبيًّا عندما يتعلق الأمر بالموسيقا. فقد وجدوا أن الدماغ يُعالج الموسيقا معالجةً أكثر تعقيداً عن طريق تأثّر الجهاز الحوفي نفسه ببنى دماغية أخرى، كالمناطق السمعيّة وفص الجزيرة وأجزاء من الفص الجبهي (2,3).
أشارت دراسات أخرى إلى أن الآلية العصبية لانعدام اللذّة الموسيقية تتشابه نوعاً ما مع تلك العائدة لاضطرابات طيف التوحد، فأدمغة مرضى التوحد تعطّلت فيها آلية الربط بين التواصل الاجتماعي والإحساس بالمتعة. لذلك قد تكون هذه الحالة النادرة من انعدام اللذّة ذات صلة فعليّة بضعف قدرة الفرد على التواصل والترابط الاجتماعي (1,3).
المصادر: