الجنون والفلسفة في غرفة واحدة
كتاب >>>> روايات ومقالات
الطبيب "أندريه" الذي يتمتع بسمعة طيبة، وأخلاق نبيلة، يجد أن الطبّ غير مجدٍ، فإذا لم يمنع الناس من أن يموتوا فلماذا نؤخِّر موتهم؟، درس الطب إرضاءً لوالده الجرّاح، بينما يميل في طبيعته للتفكُّر والعزلة، ويرى غالبية الناس مملين وفارغين، وغير قادرين على التفكير، يبحث عن معنى الحياة ومنبع السعادة والمعاناة ويرى أن العقل هو أسمى ما في الوجود.
"إنّ كل شيء في هذه الدنيا تافه ومملّ باستثناء أسمى مظاهر العقل الإنساني، فالعقل يضع حدًّا فاصلًا حادًّا بين الحيوان والإنسان ملمّحًا إلى ألوهية الأخير، وإلى حدّ ما يعوّضه عن الخلود الذي لا وجود له. وانطلاقًا من هذا يصبح العقل المصدر الوحيد المتاح للمتعة"
يصل الطبيب "أندريه" إلى مستشفى الأمراض العقلية فيجدها في حالة فظيعة، تنتشر بها العفونة والفئران والصراصير، حتى هواء العنابر ملوث. تتكدّس جبال من النفايات بجوار الجدران، وتفتقر لأبسط التجهيزات الطبية، ويجد هنا الحارس العجوز "نيكيتا" الذي يسرق المرضى ويضربهم للمحافظة على النظام، فيتوصل الطبيب منذ اللحظات الأولى إلى أنّ هذا المشفى غير أخلاقي ومُضِرٌّ بصحة النزلاء ولم يجد حلًّا سوى أن يُغلَق ويُطلَق سراح المرضى، لكن ليس باليد حيلة، وإرادته وحدها لا تكفي، فيستمرّ بالعمل رغم عدم إيمانه بجدواه، وتقوده المصادفة يومًا فيقابل "إيفان" أحد المرضى في العنبر رقم 6، وهو شخص نبيل مثقّف وذكيّ، يعاني من الشعور بالاضطهاد ويعتقد أن هناك من يراقبه دومًا ليقبض عليه، لم يكن "إيفان" هكذا طوال حياته، لكن في أحد الأيام رأى الشرطة تقيّد رجلًا وتسوقه إلى السجن فخطر بباله سؤال أرعبه: هل يمكن أن يقيّد هو الآخر وتُسلَب منه حريته فجأة؟ هو يعرف أنّه لن يسرق أو يقتل أو ينهب، لكنه ربما يرتكب جريمة عن غير قصد، أو ربما تُخطِئ المحكمة، لتستولي عليه هذه الفكرة ويصبح في حالة خوف وقلق دائم يدفعه يومًا للركض في الشارع شتاءً والصراخ دون سترة أو غطاء رأس.
تبدأ بعدها سلسلة من اللقاءات المليئة بالمناقشات الفلسفية الممتعة بين عقلين متضادين (أندريه وإيفان) يرى أحدهما أن السعادة والشقاء تنبع من الداخل وما الألم سوى تصوّر عن الألم، بينما يرى الآخر أنّ "جوهر الإنسان كله يقوم على أحاسيس الجوع والبرد والإهانات والخسائر والخوف الهاملتي من الموت" لتتوالى الأحداث ويختبر كل منهما صدق أفكاره، ومدى فاعليتها وجدواها، ولينتهي الأمر بأحدهما بنحو مأساوي.
كيف تثبت للآخرين أنك لست مجنونًا؟ كيف تعرف أنّ أفكارك "العظيمة" حقيقية؟ كيف تستطيع النجاة من نفسك ومن الذين لديهم السلطة ليحكموا عليك؟
نجد في هذه الرواية شيئًا من العمق في فلسفة تشيخوف خلافًا لمعظم أعماله الأخرى التي غلب عليها البساطة والتهكّم ووصف الحياة الريفية، انتصر تشيخوف في ختام الرواية لاتجاه فكري معين، مما قد يجعل بعض معتنقي الفكر المضاد يشعرون بشيء من الاستفزاز.
الكتاب:عنبر رقم 6 _ المجلد الثاني مؤلفات مختارة
الكاتب: أنطون تشيخوف
ترجمة؛ د. أبو بكر يوسف
عدد الصفحات: 59
دار النشر: دار التقدم. موسكو 1981