مراجعة كتاب جوهر الإنسان؛ الإنسان: ذئب أم خروف
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
يستعرض الكاتب بدايةً أشكال العنف البشري، ويركِّز في القسم الأكبر من الكتاب على أكثر أشكال التوجيه البشري فسادًا وتدميرًا، وتلك الظواهر هي: النكروفيليا (حب الموت) التي تقابلها البيوفيليا (حب الحياة)، والنرجسية التي تقابلها الإنسانية، والتثبيت السفاحي التعايشي ويقابله الاستقلالية.
يُستخدم مصطلح "النيكروفيليا" للإشارة إلى الانحراف الجنسي، وهو الرغبة بامتلاك جسد ميّت للممارسة الجنسية، لكن الكاتب يأخذه هنا بمعنىً أوسع، للإشارة إلى حب الأشياء الميتة، وعدم وعي الشخص النيكروفيلي بمشكلته يجعله يقتل الجانب البيوفيلي منه تدريجيًّا، ويشير الكاتب إلى أنّ البيروقراطية الحديثة، وتطبيق مبادئ النظام الصناعي على الناس يحولهم إلى أشخاص لامبالين بالحياة منجذبين للموت دون وعي. ولا شيء قد يواجه النكروفيلية (حب الموت) سوى البيوفيلية (حب الحياة) وتُزرع في الأطفال بالإيماءات قبل الأفكار وبالمثل الأعلى قبل الوعظ، ويشدِّد على ضرورة الحرية وغياب التهديد، ويؤكّد أنه نادرًا ما تظهر النيكروفيليا أو البيوفيليا بالوجه النقي وغالباً ما يوجد كليهما في الإنسان بنسب متفاوتة، فيعزز حب الموت كل من االخوف واستبدال العلاقات الإنسانية بالآلية والروتين الممل.
"النكروفيلي النقي مجنون، والبيوفيلي النقي قدِّيس، ومعظم الناس هم خليط من الاثنين، ومايهمنا هو أي الميلين هو السائد لدى الناس"
ينتقل بعدها إلى توصيف النرجسية، ويميّز بين الفردية والجماعية، فالنرجسي هو من ينعزل عن العالم ولا يستطيع أن يرى الشيء إلا عن طريق نفسه، وتؤدي الحالات المتطرفة إلى الجنون؛ فلا يتقبل النرجسي النقد، ويعدُّ أي تهديد للأشياء التي يمتلكها تهديدًا لحياته، والبديل الوحيد له عند انهيار "الأنا الرائعة" هو الاكتئاب، فيعبّر عن طريقه أنه غير مرتبط ولا مهتم بالعالم، ويشير الكاتب إلى أنّ الحزن والسوداوية والندب هو شكل من أشكال النرجسية. ثم ينتقل بعدها من الفردية إلى النرجسية الجماعية، ويقدّم علاجها بالتواضع والتخلي عن كل آمال المعرفة والقدرة الكلية والتفكير النقدي والموقف الشكّاك والتجريب، ويتمنى لو أمكن أن يحلّ "الجنس البشري" موضوعًا للنرجسية الجماعية بدلًا من الأعراق والقوميات والأديان، لأمكننا أن نقاتل المرض والفقر ونشر المعرفة والفن والمساواة للجميع.
ويرى فروم أن اجتماع الظواهر الثلاثة معًا (النيكروفيليا والنرجسية والتثبيت السفاحي التعايشي) يؤدي إلى "متلازمة انحلال" تدفع الإنسان للتدمير من أجل التدمير، وبالمقابل يؤدي اجتماع الإنسانية وحب الحياة والاستقلالية إلى "متلازمة نمو"
"سينمو حب الحياة في مجتمع يتوافر فيه الأمان والعدالة والحرية، وتعدُّ النقطة الأخيرة ذات أهمية خاصة، فقد لا يكون حتى المجتمع الذي تسوده العدالة والأمان محرّضًا لحب الحياة إذا لم يُعمّق النشاط الذاتي المبدع لدى الفرد، فلا يكفي أبدًا أن البشر ليسوا عبيدًا"
يعود الكاتب في الفصل الأخير من الكتاب ليسأل: هل يملك الإنسان إرادةً حرة؟
يشير الكاتب إلى أنّ وعي الإنسان في رغباته يجعله يظن أنه حرّ الإرادة، في حين يجهل دوافع هذه الرغبات، وأنّنا في الواقع نفقد الحرية قبل اللحظة التي نعرفها بكثير، وفي هذا السياق يورِد على ذلك مثالًا: يلعب الأبيض والأسود الشطرنج، ويكون لدى الأبيض أفضلية طفيفة، لكن الأسود هنا يزعم أنه يمتلك حرية الفوز، ويكمل الأبيض اللعب دون أخطاء، في حين يرتكب الأسود بعض الأخطاء ولا يزال يملك حرية الفوز، لكن مع تتالي النقلات وفي لحظة معينة يكتشف أنه فقد هذه الحرية، وهنا يشير إلى أنه حقيقة يتوهم الحرية وبأنه فقدها منذ زمن دون أن يعي ذلك، فقد تؤثر أحداث ومواقف وظروف عشناها في طفولتنا في خياراتنا وتكون السبب وراء دوافعنا.
ختامًا؛ يجيب الكاتب على التساؤل الذي طرحه في البداية ما هو جوهر الإنسان، وهل هو ذئب أم خروف؟
"نصل إلى أنّ طبيعة أو جوهر الإنسان ليس حقيقة معينة، مثل الخير أو الشر، بل تناقضًا متجذرًا في شروط الوجود البشري ذاته، ويحتاج هذا الصراع بحد ذاته إلى حلّ، وليس هناك سوى الحلول النكوصية أو التقدمية"
وتستمر عملية إيجاد الحلول ومواجهة التناقضات حتى يصل إلى حالة "الاستيقاظ الكامل" الذي يختفي فيه الجشع والصراع ويصبح إنسانًا كاملًا.
"في الواقع يجب أن نتمتع بالوعي وذلك من أجل أن نختار الخير، إلّا أنه ليس هناك من وعي يساعدنا إذا فقدنا قدرتنا على الإحساس بمصيبة كائن بشري آخر، بتغريد الطيور وخضرة العشب، إذا أصبح الإنسان لا مباليًّا بالحياة فلن يكون هناك أي أمل بإمكان اختياره للخير، ومن ثم سيصبح قلبه قاسيًّا إلى الحدّ الذي ستنتهي به الحياة بسببه"
"الإنسان لا يستطيع أن يكون إنسانًا إلا في مناخ يتوقع فيه أن يحيا مع أطفاله ليرى السنة القادمة، والعديد جدًا من السنوات اللاحقة"
معلومات الكتاب:
الكاتب: إريك فروم.
ترجمة: سلام خير بك.
عدد الصفحات: 203
دار الحوار للنشر والتوزيع 2011