مراجعة رواية "اختراع العزلة" .. البحث عن ذاكرة أبي!
كتاب >>>> روايات ومقالات
اختراع العزلة عمل أدبي للكاتب الأمريكي بول أوستر، نُشرت أول مرة في العام 1982م. تتألف الرواية من قسمين، الأول بعنوان "بورتريه لرجل غير مرئي" يتناول فيه موت والده والحزن الذي سيطر عليه، والقسم الثاني بعنوان “كتاب الذاكرة" الذي يحوي مطولات مقتطفة يتحدث فيها أوستر عن تجربته بصفته أب وكاتب، وعن مفهوم العزلة في حياته وعن علاقته بوالده ومحاولته فهم شخصيته، وتحدث عن الموت بطاقة شعرية هائلة.
تبدأ الرواية من منزل "سام" والد "بول أوستر"، حيث يستعيد ذكرياته القليلة والمتناقضة مع والده الذي توفي فجأة وحيدًا في منزله، ويحللها بنظرة نقديّة واعيّة؛ إذ تجمع الرواية بين السيرة الذاتية والمذكرات، وتستخدم أسلوبًا بسيطًا ومباشرًا، وتتميز الرواية بأسلوب كتابة جذاب ومؤثر؛ إذ يقدم أوستر تحليلًا عميقًا للعلاقات الإنسانية والمشاعر العائلية، ويتناول موضوعات الفقدان والذات والتراث العائلي بصفته ممتلكًا شخصيًّا. وتتصف الرواية بالغموض والعبثيّة، وتطرح أسئلةً وتفسيراتٍ وجوديةً جادةً ومهمة.
يعدّ أوستر أن الإنسان يجب عليه أن يجد السعادة والمعنى في الحياة عن طريق التفكير في الذات وفهم العلاقات من داخلها،واستطاع الكاتب وصف الفقدان الذي يشعر به بعد وفاة والده، وتتناول الرواية خصوصًا موضوع تأثير العلاقة بين الأب والابن. ويشير إلى دور الأب في توجيه العلاقة نحو التأثير الإيجابي أو السلبي في حياة ابنه، فعلاقة أوستر بوالده كانت معقدةً ومحفوفةً بالتحديات، خصوصًا فيما يتعلق بالتواصل والتفاهم. هذا الأسلوب الغامض من والده جعله يشعر بالإحباط والعزلة منذ صغره.
"فأنت لا تكفّ عن الجوع لحب أبيك حتى بعد أن تكبر"
يمضي أوستر بهذا الكتاب داخل ذاكرة أبيه الرتيبة والمنظمة، يعبث بها ويغيّر أثاثها، ويزيح طاولةً ويركل أخرى، ويفتح رسائل أبيه القديمة، متجاهلًا الغبار الذي يعلو المكان، ويبحث عن أي دلائل لتقصّي شخصيته وتبرير سبب نمط حياته.
تتسلل ضمن الأحداث علاقات الأسرة ببعضها، ويحاول مزجها وربطها وتبرير أفعال أبنائها تبعًا لما عاشوه، واكتشف أن والده سام شاهد موت أبيه هاري على يد والدته وهو صغير، ولازمه هذا المشهد بقية حياته دون أن يشارك به أي أحد، وهذا ما جعله صامتًا زاهدًا بما حوله.
من موت أبيه لموت جده هاري أوستر، وصولا لولده دانيال. يقف بول أوستر عالقًا بين ذاكرة أبيه المتوفى وأبنه الصغير، هكذا كما لو أنه مشلول بين الموت والحياة، بهذا المشهد يصف بول شعور العجز الذي يشعر به.
تحكم التجربة الشعورية الأشخاص جميعهم داخل الرواية، والتجاسر على الموت بمنح ندمه مبررات بصفتها محاولةً لتخطي شعور الذنب تجاه والده والرغبة في الثبات أمام تلاشي الأشخاص من حوله، طرح التساؤل والتفكير بالطريقة التي نرسم فيها حياتنا، وكأنه جاء ليقول: هل يمكننا أن نصنع عزلةً لأنفسنا؟ يعبّر أوستر عن رؤيته للعزلة، بصفتها حالةً إبداعيةً، وصورة من صور التحدي.
الكتاب مليء بالفقد والحزن والوحدة، وهذا ما عاشه أوستر حتى في أثناء تواجد أبيه؛ إذ كان بعيدًا عنه وجافًا.
اختراع العزلة عمل أدبي روائي ثقيل يستحق القراءة؛ إذ تعرّى بول بكتابه هذا أمام الجميع بصيغة الغائب، وأظهر كدماته التي ورثها عن عائلته، وأشار إليها ووضع يده عليها بجرأة، واستطاع أن يشعرنا بألمها كما لو أننا نحن من امتلكناها..
"بدلًا من أن تقوم الكلمات بدفن أبي نيابةً عنّي، فقد أبقته على قيد الحياة"
معلومات عامة:
عنوان الكتاب: اختراع العزلة
الكاتب: بول أوستر
المترجم: أحمد العلي
نوع الكتاب: رواية أدبية، سيرة ذاتية، بيوغرافيا ومذكرات
اسم الناشر: دار أثر
تاريخ النشر: الطبعة الأولى 2016 م
عدد الصفحات: 168 صفحة
إعداد: عمر الهادي