لماذا تفشل الاختبارات السريرية المُختبرة على الفئران في التجارب السريرية على البشر؟ (الجزء الثاني)
الكيمياء والصيدلة >>>> رحلة اكتشاف دواء
قد يكون لاختلاف تجارب الأدوية على البشر والحيوانات علاقة بامتصاصيّة الجسم للدواء وحركيّته، علمًا أنّ هذه العمليات تتشابه كثيرًا بين الأنواع المختلفة، ولكن في بعض الأحيان قد تكون المادة الفعّالة عند الفئران قاتلة عند البشر!
وهذا لن يفاجئ أصحاب الحيوانات الأليفة، فَهُم يعلمون أنّ إطعامَ كلبهم اللطيف قطعةَ شوكولا يمكن أن تكون آخر شيء يتناوله في حياته.
إنّ قدرة كبد الكلاب على استقلاب وتفكيك الكافئين والتيوبرومين الموجودين في لوح الشوكولا ضعيفة، ويؤدي ذلك إلى تراكم المستويات السامة من الكافئين والتيوبرومين في مجرى دم الكلاب عند تناولهم هذه المادة (1)، لذلك دعونا نحتفظ بالشوكولا لأنفسنا.
كذلك الأمر لدى القطط؛ إذ إنّ ابتلاع القطّة مضغوطةَ أسيتامينوفين (أو ما يُعرَف بالباراسيتامول) أو حتى كمية صغيرة منها يمكن أن تجعلها حالة طوارئ بيطرية، لأنّها تفتقر إلى أنزيمات الكبد الضرورية لتفكيك الباراسيتامول، وبدلًا من ذلك تحوّله أجسامُها إلى مادة كيميائية سامّة لكريات الدم الحمراء (2).
ولكنّ الأمر الأكثر إشكاليّة هو الدواء الذي يبدو آمنًا في التجارب على الحيوانات، لكنّه يبدي عكسَ ذلك لدى البشر، إذ تكون العواقب مأساويّة!
على سبيل المثال، دواء ثاليدوميد Thalidomide الذي استخدِمَ لعلاج الغثيان الصباحي، لم يسبب أي تشوّهات خلقيّة عند إعطائه للجرذان والفئران الحوامل، لكنّه تسبب بعيوب خلقية كارثية لدى البشر، تتضمّن تشوّهات شديدة للأطراف (3).
فيما بعد، اكتشف الباحثون أنّ الفئران تفكك الثاليدوميد أسرعَ بكثير من البشر (4). ليس ذلك فحسب، بل تتمتّع أجنّتها أيضًا بدفاعات مضادة للأكسدة أكثر من الأجنّة البشريّة (5).
في عام 1993، طُوِّر عقار فيالوريدين Fialuridine لعلاج المصابين بالتهاب الكبد B، وقد نجح على نحو مذهل لدى الفئران والجرذان والكلاب والرئيسيّات، ولكن بمجرّد بدء التجارب السريريّة؛ أُصِيبَ سبعة مرضى بفشل الكبد، توفيَ خمسة منهم وأُنقِذ المريضان الآخران عن طريق عمليات زراعة الكبد (6).
ويعود السبب في ذلك إلى وجود بروتين hENT1) Human Equilibrative Nucleoside Transporter 1) في الميتاكوندريا البشريّة (مصانع الطاقة في خلايانا)؛ الذي يعمل على إدخال الفيلاوريدين من السيتوبلاسما إلى داخل الميتاكوندريا، ومن ثم تسميمها، أي إعاقة إمداد الخلايا بالطاقة؛ مما يؤدي إلى تلف هذه الخلايا، وبالتالي حصول فشل كبد خطير (7). لم يكن بروتين mENT1 (وهو البروتين الفأري المقابل لـhENT1) موجودًا لدى الفئران، ومن ثم لم يُنقَل الفيلاوريدين إلى داخل الميتاكوندريا؛ ممّا يفسّر عدم حدوث سميّة لدى الفئران (7).
دواء آخر، TGN1412، مُصَمّمٌ لعلاج السرطان؛ اختُبِر على القرود وكان تحمّله جيّدًا، ولكن في المرحلة السريرية عند إعطاء 1/500 فقط من جرعة القرد الآمنة لستة متطوعين أصحاء، أُظهروا بسرعة استجابة التهابية جهازية شديدة، وأُسعِفوا إلى وحدة العناية المُركّزة، ولحسن الحظ قد نجوا بأعجوبة (8)!
كان هدف الدواء عبارة عن بروتين موجود في خلايا مناعيّة محددة، يختلف هذا البروتين قليلًا بين القرود والبشر؛ إذ يرتبط هذا الدواء بقوة أكبر بالخلايا المناعيّة البشريّة ويسبب تفعيلًا أكبر للخلايا المناعية (9).
وعلى الرغم من عيوب النماذج الحيوانيّة، تظلُّ التجارب على الحيوانات أداةً لا تقدر بثمن في سبيل تطوير الأدوية!
يمكنكم الوصول إلى الجزء الأول من المقال عن طريق الرابط: هنا
إعداد: Jinan Mhanna
المصادر:
2. Fitzgerald, K.T., Bronstein, A.C. and Flood, A.A. (2006) ‘“over-the-counter” drug toxicities in companion animals’, Clinical Techniques in Small Animal Practice, 21(4), pp. 215–226. doi:10.1053/j.ctsap.2006.10.006. (Accessed: 27 May 2024) Available at هنا
3. Kim, J.H. and Scialli, A.R. (2011) Thalidomide: The tragedy of birth defects and the effective treatment of disease, OUP Academic.(Accessed: 28 May 2024) Available at: هنا
4. Lu, J. et al. (2004) Metabolism of thalidomide in liver microsomes of mice, rabbits, and humans, The Journal of pharmacology and experimental therapeutics.(Accessed: 28 May 2024) Available at: هنا
5. J, K., LO, K. and U, R. (2008) Thalidomide resistance is based on the capacity of the glutathione-dependent antioxidant defense, Molecular pharmaceutics(Accessed: 28 May 2024). Available at: هنا
6. FJ, M. and M, S. (1995b) Introduction, Review of the Fialuridine (FIAU) Clinical Trials. (Accessed: 28 May 2024) Available at: هنا
7. Lee, E.-W. et al. (2006) ‘Identification of the mitochondrial targeting signal of the human equilibrative nucleoside Transporter 1 (HENT1)’, Journal of Biological Chemistry, 281(24), pp. 16700–16706. doi:10.1074/jbc.m513825200. (Accessed: 28 May 2024) Available at :هنا55852-3/fulltext
8. Attarwala, H. (2010). TGN1412: From Discovery to Disaster. Journal of Young Pharmacists. 2(3) pp 332-336. doi:10.4103/0975-1483.66810 (Accessed: 28 May 2024) Available at :هنا
9. Hansen, S. and Leslie, R.G.Q. (2006) TGN1412: Scrutinizing preclinical trials of antibody-based medicines, Nature News.(Accessed: 28 May 2024) Available at: هنا