"ذوات الكلابات الكبيرة"، كائناتٌ منقرضة عاشت منذ 520 مليون عام بأدمغةٍ تشبه أدمغة العناكب.
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
بدايةً، اكتشف فريق البحث أقدم جهاز عصبي بقي موجوداً بشكلٍ كامل، حيث حُفِظ بصورة رائعة في بقايا مستحاثاتٍ لكائنٍ حيٍّ لم يُوصف من قبل، عاش في المحيط قبل 520 مليون عام، ويُسمى باللاتينية "megacheirans" بمعنى "الكلابات الكبيرة"، وينتمي إلى مجموعة منقرضة من "مفصليات الأرجل البحرية".
يقول نيكولاس ستراسفيلد، أحد المشاركين في الدراسة: "نحن نعلم الآن أن الجهاز العصبي المركزي لذوات الكلابات الكبيرة كان يشبه إلى حد كبير نظيره عند سرطان حدوة الحصان والعقارب التي تعيش في يومنا هذا، مما يعني أن أسلاف العناكب وأقاربهم عاشوا جنباً إلى جنبٍ مع أسلاف القشريات في أوائل العصر الكمبري".
صنف العلماء هذا المخلوق الذي بلغ طوله 3 سنتيمترات والمُكتشف قُرب مدينة كونمينغ جنوب غرب الصين كممثلٍ لجنس الـ"ألالكومينايوس" (Alalcomenaeus) المُنقرض والذي يتبع تصنيفياً لعائلة "ذوات الكلابات الكبيرة"، ويتميز أفراد هذا الجنس بشكلٍ مُتطاول مُقسَّم لعدّة أجزاء مُجهّزة بنحو 10 أزواج من الزوائد الجسمية للسباحة أو الزحف أو كليهما، إضافةً لزوجٍ من الزوائد الطويلة على الرأس تشبه المقصات للأغراض الحسية واستشعار للبيئة المحيطة.
ويقول غريغ إيدجكومب -أحد المشاركين في هذه الدراسة- أن بعض علماء الحفريات استخدموا المظهر الخارجي لـ"ذوات الزوائد الكبيرة" ليستنتجوا أنها على صلة قرابة بـ"كلابيات القرون"، استناداً إلى أن كلا أفراد المجموعتين لهم أطراف كبيرة الحجم، وأن كُلاً من العناكب أو العقارب على حد سواء لديهم ما يُسمى بـ"مفصل الكوع" بين الجزء القاعدي والجزء العلوي الشبيه بالكماشة في أطرافها، ومن خلال هذه الأحفورة حصلنا على دليلٍ مباشرٍ حول ماهيّة القطعة الجسمية التي يُرسل منها الدماغ الأعصاب إلى الأطراف الكبيرة، إنها القطعة الثانية، مثلما في ذوات الأنياب.
تمكن فريق الدراسة من تحليل الأحفورة عبر تطبيق تقنيات مختلفة للتصوير ومعالجة الصور، مستفيدين من رواسب الحديد التي تراكمت بشكل انتقائي في الجهاز العصبي أثناء تشكلها، ولجعل البُنى العصبية مرئية، استخدم الباحثون تقنيات التصوير المقطعي والمسح الليزري، وبمعالجة الصور الناتجة ومقارنتها مع الجهاز العصبي عند سرطانات حدوة الحصان والعقارب، توصلوا بما لا يدع مجالاً للشك بأن الـ"ألالكومينايوس" الذي عاش منذ 520 مليون سنة كان أحد أفراد مجموعة ذوات الأنياب، حيث أظهرت السمات نفسها التي توجد في أدمغة العناكب والعقارب؛ ثلاث مجموعات من الخلايا العصبية التي تعرف بالعقد العصبية وتلتحم مع بعضها مشكلةً الدماغ، وهذا يختلف عن الجهاز العصبي للقشريات حيث تكون العقد العصبية متباعدة ومتصلة بواسطة أعصاب طويلة بشكل يشبه سلم الحبال.
وتشمل الميزات التشخيصية الأخرى الموقع الأمامي للأمعاء والمفتوح على الدماغ، إضافةً لترتيب المراكز البصرية خارج وداخل الدماغ التي يتم تزويدها بالصور من خلال زوجين من العيون كما في سرطان حدوة الحصان.
كل المعلومات السابقة تم إدخالها ضمن الحاسوب في محاولةٍ لمعرفة موقعها ضمن شجرة العائلة للكائنات الحية، ويجيب ستراسفيلد أن الـ"ألالكومينايوس" قريبة من كلابيات القرون التي التعيش في يومنا الحاضر، لكن -والكلام لستراسفيلد- القصة لم تنتهي هنا؛ "لقد تم استخدام الزوائد البارزة لذوات الكلابيات الكبيرة في الامساك، وربما للأغراض الحسية، فيما تبدوا أجزاء الدماغ التي تخرج منها الأعصاب إلى حيث تنشأ هذه الزوائد الكبيرة في هذه الأحفورة ضحمةً جداً، وبناء على موقعها، يمكننا القول الآن أن الأنياب في العناكب وأقاربهم تطورت من هذه الزوائد".
المثير أن نفس الفريق العلمي تمكن قبل عام من اكتشاف أحفورة للـ(Fuxianhuia protensa)؛ إحدى مفصليات الأرجل التي ظهرت قبل 520 مليون عام وتظهر تشابهاً كبيراً للدماغ المعقد للقشريات الحديثة.
هذه النتائج والاكتشافات أظهرت أن "اللحييات" (أحد أصناف مفصليات الأرجل، والذي يضم القشريات) و"الكلابيات الكبيرة" ظهرت من مسارين تطوريين مختلفين منذ نحو 520 مليون سنة، مما يعني أن الأصل المشترك لهما يوجد عميقاً جداً في الزمن، وكلنا نأمل إيجاد السلف التطوري للجهاز العصبي الأساسي الذي اشتُقَّت منه الأجهزة العصبية لـ"اللحييات" و"الكلابيات الكبيرة".
المصدر:
هنا