لماذا يقتل الناس أنفسهم؟
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
لدينا جميعا نفس الآلية الذهنية التي تميزنا عن الحيوانات الأخرى ونفس الأدوات العقلية التي تسمح لنا بحل المشاكل وإنتاج الأعمال الإبداعية التي تعطينا خلوداً رمزياً وهي ذاتها الأدوات التي جعلت طفلة بعمر ستة سنوات تفكر في مستقبل كئيب بما يكفي ليجعلها تقفز أمام القطار. إذا كان لطفلة بعمر الستة سنوات تلك القدرة المعرفية للإقدام على هذا العمل فيجب علينا أن نضاعف جهودنا لنجد سبب المشكلة ومنع الانتحار من الحدوث.
هناك بعض الدراسات التي ساعدت في إحداث تأثير أو تغيير في طريقة تحليل حوافز الإنتحار ومنها الدراسة التالية:
(1)- قام الباحثون بتحليل عشرين رسالة من قبل أشخاص حاولوا الانتحار وعشرين رسالة مكتوبة من قبل أشخاص انتحروا فعلاً، ثم قيمت الملاحظات على خمسة أبعاد:
1-الشعور بالعبء على الآخرين (هل سيصبح وضع الأشخاص المقربين مني أفضل بدوني؟)
2- الشعور بالألم العاطفي (إلى متى كل هذه المعاناة في حياتي؟)
3- الهروب من المشاعر السلبية (هل الموت هو الحل لإنهاء الألم الذي أعانيه؟)
4- الوضع الاجتماعي (هل الموت هو الحل لإنهاء علاقاتي الاجتماعية المزعجة؟)
5- واليأس (هل هناك أي أدلة على أن الحياة سوف تصبح أفضل بدوني؟)
ما وجده الباحثون يستحق كل اهتمامك الآن !
الفرق الجليل بين المجموعتين كان عند الذين أقدموا فعلاً على الانتحار فيما ذكروه من تفاصيل تتعلق بما يشكلونه من عبء على من حولهم . كما أن المنتحرين استفاضوا في شرح أسباب انتحارهم اكثر ممن حاولوا فقط الانتحار. وقد تتفاجأ مثلي عندما تجد ان باقي البنود : كاليأس و الالم ..الخ موجودة بشكل متطابق عند المجموعتين .
النتيجة العامة : الناس لا يقدمون على الانتحار بسبب الألم و اليأس إنما يقدمون على الانتحار بسبب اعتقادهم ان العالم سيكون مكاناً افضل بدونهم و لا يوجد سبب لتواجدهم لإعتقادهم بأنهم عبء على الآخرين.
ماهو الدافع الذي يعطي شخصاً ما القدرة الكافية أو الشجاعة على ابتلاع علبة كاملة من الدواء أو ابتلاع السم أو دفع كرسي يقف عليه ليشنق نفسه ؟ من التناقض بمكان أن نقول بأن هؤلاء كان لديهم الشجاعة الكافية أو القوة للقيام بالأفعال السابقة. إن على المقدم على الانتحار التغلب على الاضطراب العاطفي الشديد قبل سلب حياته فعلياً.
لذلك خلص الباحثون إلى أن الشعور بالعبء على الآخرين هو دافع قوي ولكنه غير كافي لكي يقدم الشخص على الانتحار .فهؤلاء الأشخاص يجب أن يمتلكوا القدرة على إيذاء أنفسهم . يجب أن يتحملوا الألم بشكل كبير. ويجب أن يتجاوزوا الصراع الذي يعيشونه حتى يقرروا إنهاء حياتهم . يستمر الباحثون بإيجاد الأدلة على أن السبب الأقوى للإقدام على الانتحار هو الشعور بالعبء بالإضافة إلى وجود تاريخ من القدرة على إيذاء النفس عند هؤلاء الاشخاص في الماضي .
وتتطور هذه القدرة إثر بعض الممارسات غير الاعتيادية مثل:
- ممارسة الرياضات العنيفة والخطيرة.
- القيام بالوشم أكثر من مرة ووضع الأحلاق.
- إطلاق الأعيرة النارية.
- الدخول في عراكات ومشاجرات.
هذا النوع من الممارسات المؤلمة والاستفزازية يغذي شعور عدم الخوف من الأذى الشخصي. وقد ترى هؤلاء يرددون عبارات مثل: "الأشياء التي تخيف الآخرين لا تخيفني" أو "أستطيع تحمل الألم أكثر من باقي الناس."
إذا كنت لا تزال غير مقتنع بأهمية القدرة على تحمل الألم، انظر إلى هذه الإحصائية: واحد من كل 25 شخصاً من الذين طلبوا خدمات الرعاية الصحية في المشفى بسبب إيذائهم لأنفسهم قاموا بالانتحار خلال السنوات الخمسة التالية. وعليه فإن احتمالية قدرتك على الانتحار تزداد بشكل كبير من خلال تقبل الألم العاطفي وإيذائك المتكرر لنفسك سواء عن طريق تجريح جسمك أو الحرق أو منع الجروح عمداً من الشفاء. في إحصاءات أخرى لم يعتبر إيذاء الذات مسبباً للانتحار لأنه يعتبر وسيلة لتخفيف الألم.
إنه لمن الغريب أن نرى القدرة على تحمل الألم العاطفي كهبة وقوة في سياق آخر. لا بل إنها شكل من الرشاقة العاطفية التي تسمح للشخص أن يغدوا أكثر نجاحاً وتقبلاً للحياة. يجب أن ننظر إلى الدوافع وراء تصرفات الناس لأن بعض الصفات التي قد نعتبرها مصدراً للإعجاب والتقدير قد تكون عوامل مميتة بالواقع .
و بهذا فإن الشعور بالعبء على الأخرين و القدرة العالية على التغلب على الألم العاطفي والجسدي تتربع على عرش الأسباب المؤدية للانتحار.
هل تتوافق وكاتب المقال في أسباب الانتحار؟
المصدر: هنا