دموعك تأخذ صورا تذكارية لحالتك النفسية
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
(صورة مجهرية توضح شكل دموع لَمِّ الشمل)
في عام 2010، نشرت فيشر كتاباً يحتوي على صور رائعة، وذلك باستخدام المجهر الالكتروني الماسح SEM، حيث قامت بتكبير حجم البنية المجهرية للنحل إلى مئات أو حتى آلاف المرات، فاكتشفت بالتالي الكثير من الأشياء المذهلة التي لا نستطيع رؤيتها بالعين المجردة.
وكجزء من مشروع جديد أطلقت عليه اسم "طبوغرافيا الدموع"، تقوم فيشر باستخدام المجاهر لتمنحنا نظرة غير متوقعة من موضوعٍ مألوف آخر، ألا وهو "دموع الإنسان الجافة".
(صورة مجهرية توضح شكل دموع التغيير)
تقول فيشر: "لقد بدأت هذا المشروع منذ خمس سنوات، خلال فترة مليئة بالحزن والدموع، وذلك في ظلِّ الكثير من التغيّرات والخسارة".
فبعد مشروع النحل، وآخر حيث نظرت إلى قطعة من عظمها الوركي تمت إزالتها ضمن عملٍ جراحي، أدركت المصورة أنّ كل ما نراه في حياتنا ليس إلا القشرة الخارجية، وأنّ هناك الكثير مما يخفى على عيوننا. وفي تلك اللحظة فكّرت وتساءلت في نفسها: "كيف تبدو الدموع عن قُرب؟"
(صورة مجهرية توضح شكل دموع البداية والنهاية)
وضعت إحدى دموعها على شريحة، وجففتها، ثمّ قامت بتفحّصها عبر المجهر الضوئي، وقالت: إنّه أمرٌ مثيرٌ جداً، بدا وكأنه منظرٌ جوّي، كما لو أنني أنظر إلى منظر طبيعي من طائرة. وأخيراً بدأت أتساءل: ’هل من الممكن أن تختلف دموع الحزن عن دموع الفرح؟ وما فرقها عن الدموع الناتجة عن تقطيع البصل مثلاً؟’".
انتهى الأمر بالقيام بمشروع تصوير فوتوغرافي امتدّ إلى عدة سنوات، شمل أكثر من 100 عينة من دموعها ودموع مجموعة من متطوعين آخرين، إضافةً إلى طفل حديث الولادة.
(صورة مجهرية توضح شكل الدموع الناتجة عن تقطيع البصل)
علميّاً؛ تمّ تصنيف الدموع إلى ثلاث مجموعات أساسية حسب أصلها.
الدموع النفسية والتي تشمل دموع الحزن والفرح، تنتج عن العواطف الشديدة سواء كانت إيجابية أو سلبية. وكذلك الدموع الأساسية، والتي يتم إفرازها بشكل مستمر وبكميات قليلة جداً لإبقاء قرنية العين رطبة. وتشكّل الدموع الانعكاسية النوع الثالث، حيث تُفرز هذه الدموع بشكل لا إرادي وكرد فعل واستجابة لمثير (مُهَيّج) كالغبار أو تقطيع البصل أو الغاز المُسيل للدموع.
تتكون كل الدموع من الماء والملح ومجموعة من المواد البيولوجيّة المتنوعة مثل الزيوت والأجسام المضادة والأنزيمات. ولكن بالنسبة لما رأته فيشر، فقد كانت الدموع التي جُمعت من المجموعات المختلفة "من أنواع الدموع" تحتوي على جزيئات مميّزة عن الأخرى.
فقد وجدت على سبيل المثال أنّ الدموع العاطفية (النفسية) تحتوي على هرمونات بروتينية الأصل بما في ذلك ناقل عصبي يدعى "الليوسين انكيفالين Leucine enkephalin"، وهو عبارة عن مسكن طبيعي يتم تحريره عند تعرّض الجسم للضغط (التوتر).
وبما أنّ البنية المُشاهدة تحت المجهر هي عبارة عن أملاح متبلورة بشكل كبير، تختلف أشكالها ومكوّناتها بشكل جذري تبعاً للظروف التي يتم تجفيف الدموع فيها. لذلك فإنّ نوعين من الدموع العاطفية بنفس التركيب الكيميائي قد تبدو مختلفة جداً عن قرب. حيث أنّ هناك الكثير من المتغيرات التي تؤثر في هذه العملية مثل الكيمياء، واللزوجة، والتركيب، ومعدل التبخر، وإعدادات المجهر.
(صورة مجهرية توضح شكل دموع الحزن)
من المدهش جداً أن نرى كيف تبدو أنماط الطبيعة متشابهةً إلى حد بعيد بغضّ النظر عن حجمها ومقياس النظر إليها.
فمن الممكن أن تنظر إلى نماذج من التآكل التي حدثت على سطح الأرض عبر آلاف السنين، وعلى نحوٍ ما تستطيع أن تراها تتشابه مع نماذج متبلورة من دمعة مجففة استغرق تجفيفها أقل من لحظة لتشكّل هذا المنظر.
(صورة مجهرية توضح شكل الدموع الأساسية)
إذاً دراسة الدموع عن قُرب أوضحت لنا أنّ الدموع ليست مجرد سائل ملحي يخرج من عيوننا في اللحظات الصعبة، بل هي وسيلة للغتنا الأكثر بدائية، نستعملها في اللحظات القاسية كالموت، والأساسية كالجوع، والمعقدة كالانتقال من حالة نفسية أو اجتماعية إلى أخرى.
ختاماً تقول فيشر: "كل دمعة من دموعنا تحمل نموذجاً مصغراً لتجارب البشر الجماعية، وكأنها قطرةٌ من محيط".
(صورة مجهرية توضح شكل دموع الضحك)
المصدر:
هنا