العنوان: فيزيائيون "لا يكتشفون" مُركّبًا فلزيًا هامًا.
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
قد يبدو لك هذا مجموعة كلمات لا صلة لها بحياتك على الإطلاق، ولكنها في الواقع مشكلةٌ كبيرة، لأن مركبات الكربيد قد تكون مفيدةً بشكلٍ لا يصدق في مجموعة من الصناعات. تخيل طلاءً يجعل أدوات التقطيع أفضل، أو مسرّعاً للتّفاعلات الكيميائية - نحن بحاجة لمعرفة كيفية عملها أولاً . و هذا الاكتشاف بحد ذاته هو خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح.
دعنا في البداية نخطو خطوة إلى الوراء، إن كنت ممن يهتمون بهذا الأمر فلا بدّ أنك تتساءل ما هو التكنيشيوم ، وما هو الكربيد أصلاً؟
التكنيشيوم هو أحد الفلزات الانتقالية، عدده الذري 43 في الجدول الدوري، ليس له أيّة نظائرَ مُستقرة، وبالتالي فإنّ كل أشكاله تعدُّ مُشِعة.
الفلزات الانتقالية التي ينتمي لها التكنيشيوم هي العناصر التي تكون فيها الالكترونات المسؤولة عن تشكيل الروابط الكيميائية موجودة في مواقع محددة في الذرة، فهي تتوضع على المدارات d.
مثل الحديد والنحاس. ولكن خلافاً لهذين العنصرين الأكثر شيوعًا، فإنّ التكنيشيوم نادرٌ بشكل لا يصدق في الطبيعة، وفي الحقيقة فإنّ كل العينات الموجودة منه قد تمّ تركيبها في المختبر. إنّ هذه الحقيقة بحد ذاتها مثيرة للاهتمام.
عندما يرتبط أحدُ الفلِزات الانتقالية مع الكربون فإن ذلك يؤدي إلى تشكّل ما يُعرَفُ بالكربيد - و هذا أمرٌ مدهش للعديد من الاِشخاص، لأنَ الكربيد قاسٍ للغاية ومقاومٌ للحرارة.
لذا فإنَ المهندسينَ يعتقدونَ أنَ هذهِ المواد ربما تُشكِل طلاءً ممتازًا لأدوات التقطيع ، كما أن هذه المواد تثير اهتمام الكيميائيون أيضًا، لأنَ لديهِا قدرات مُحفِزة للتفاعلات الكيميائية مماثلة لألواح البلاتين المكلفة - إلا أنها أرخصُ بكثير.
هذا كله عظيمٌ جدّاً، لكن وبالعودة إلى كربيد التكنيشيوم فإننا ما زلنا لا نعرف الكثير حول هذه الكربيدات الفلزيّة الانتقالية، والقصة بدأت قبل بضع سنوات حين زعمَ فريقٌ فيزيائيّ أنه تمكَن من تصنيع كربيد التكنيشيوم . أثارت هذه المزاعم جدلاً كبيرًا بين الكثيرين ولكن لم يستطع أحدٌ منهم أن يُثبِتَ بشكل قاطع، ما إذا كان هذا المركب موجودًا أم لا.
أمّا مؤخراً فقد استخدم فريقٌ من معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا في روسيا خوارزميةً لتصميم نموذج لمجموعةٍ كاملةٍ من كربيدات الفلزات الانتقاليّة المحتملة الوجود للمرة الأولى، و أثبَتَت النتائج أنَ كربيدات التكنيشيوم هذه مستحيلة الوجود.
تمكَن العلماء من القيام بذلك عن طريق حسابِ عاملين رئيسيين لكل كربيدٍ محتمل: طاقة ترابط ذرات الفلزات، و الطاقة اللازمة لإدراج الكربون في شبكةٍ ذرات الفلِز.
بشكلٍ أساسي ، إن كانت الطاقة اللازمة لإدراج الكربون في الشبكة كبيرةً جدًا ، فإنَ الكربيد يصبح غيرَ ُمستقِر ولا يمكن له أن يتشكّل- وهذا هو الحال بالنسبة لكربيد التكنيشيوم الذي زُعم اكتشافه سابقاً.
فلماذا اعتقدَ الباحثون أنَ كربيداتِ التكنيشيوم مُحتمَلة الوجود في المقام الأول؟
إن الدليل السابق الذي وجده الباحثون كان يستند على صورة شعاعية تحتوي على قمتين مميزتين، تم الحصول على هذه الصورة من أنماط حيود الأشعة السينية. ولكن عندما قام الفريق الروسي بنمذجة عملية تبعثر الأشعة السينية في التكنيشيوم النقي رأوا صورةً مشابهةً جدا، وبيانات تجريبية مطابقة تمامًا.
"ولذلك، فإن المجموعة السابقة قد افترضت خطأً أنَ بقايا الكربيد النقي هي عبارةٌ عن كربيد التكنيشيوم "، كما كتب الباحثون.
إن هذه الدراسة مهمةٌ جداً ليس لأنها تلغي اكتشاف مُركب ما فقط - بل لأنها تُمَهِدُ الطريقَ أيضاً لِلبَحثِ مستقبلًا في كربيدات الفلزات الانتقالية، و تَضعُ نظاماً يُمكننا استخدامه لتحديد تلك التي تستحق النظر فيها.
يقول المؤلِف المشارك أوليغ فيا: " قمنا في هذه الورقة بِإيضاح أسباب تَشكُل هذه المركبات، كما أنشأنا قاعدة للبحث المستقبلي والسعي لإيجاد كربيداتٍ جديدة مفيدة في التطبيقات العملية. وعلاوة على ذلك، في بعض الأحيان فإنَ إلغاء اكتشاف مادَةٍ مثل كربيد التكنيشيوم في اللحظة المناسبة يمكن أن يساعد على توفير الوقت و جهود الباحثين المعاصرين والمستقبليين في هذا المجال".
المصدر: هنا