إعادة الحيوانات المنقرضة إلى الحياة، حقيقة أم خيال؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم الجينات
بشكلٍ عام، هنالك طريقتان أساسيتان لإعادة الكائنات المُنقرضة إلى الحياة، الطريقة الأولى والتي تًأخذ الاهتمام الأكبر من العلماء وهي الاستنساخ بالاعتماد على جزيئات الحمض النووي (DNA) المحفوظة في ما تبقى من خلايا الكائن المنقرض، الطريقة الثانية هي "التزاوج الانتقائي "Selective Breeding" التي تعتمد على استخلاص بقايا الحمض النووي من بقايا جُثث الكائنات الُمنقرضة ثمَ مقارنتها مع الحمض النووي لبعض الأنواع القريبة من الكائن المنقرض لإجراء برامج تربية وتزاوج انتقائي للحصول على كائن يملك صفات الكائن المنقرض.
• الماموث الصوفي و تجارب إعادة سلالته مجدداً!
كمثال على الطريقة الأولى، قام علماء في كلية الطب في جامعة هارفرد بعزل ودراسة ثلاث مورثات من خلايا الفيل الآسيوي التي تساعد على التحكم في إنتاج الهيموغلوبين وهو البروتين المسؤول عن حمل الأوكسجين في الدم، وكان هدفهم هو جعل هذه المورثات أكثر شبهاً بمورثات حيوان منقرض منذ آلاف السنين ويدعى الماموث الصوفي .
تمَ اختيار الفيلة الآسيوية باعتبارها الأكثر قرباً إلى الماموث من الفيلة الأفريقية، بالرغم من بعض الاختلافات في المظهر والمدى الحراري، ولكن كما ذكر Dr. George Church خبير تكنولوجيا المورثات في جامعة هارفرد; "نحن لا نهدف إلى ايجاد نسخة مطابقة للماموث ، بل فيلة مقاومة للبرودة"،ولكن ماذا لو أنًّ التقنيات الجديدة لتعديل المورثات أصبحت قادرة على استنساخ الصفات الكاملة للماموث مثل مقاومة البرودة وغيرها ؟ "
في الحقيقة، وجد العلماء خلايا الماموث محفوظةً في التربة المتجمدة وتحوي الخلية الواحدة على المعلومات الوراثية اللازمة لنمو الكائن كاملاً، وعن طريق عملية التكثير يُمكن انتاج كائن جديد تماماً، و بالتالي إذا تمكنوا من استخراج المادة الوراثية (DNA ) فإنهم يستطيعون نظرياً أنْ يعدّلوا جينوم(المادة الوراثية) الفيل الأسيوي لِيصبح مطابقاً لجينوم(المادة الوراثية) الماموث تماماً.
• هل إعادة الكائنات المنقرضة (de-extinction) أمرٌ ممكنٌ فعلاً؟
الاجابة هي نعم، ففي السادس من يناير عام 2000 تسبب سقوط شجرة بمقتل آخر Bucardo، وهي حيوان من نوع الوعل الإيبيري البرّي، واسمها سيليا، وفي الثلاثين من يوليو عام 2003 ولدت سيليا المُستنسخة .
لإيجاد نسخة سيليا، قام العلماء بإزالة نواة خلية من خلايا سيليا ودمجها في بويضة غير مخصَبة لنوع آخر من الوعول، ثم قاموا بنقل الجنين الناتج إلى رحم ماعزٍ أُخرى لتقوم بعملية الحمل، وبعد سنةٍ تقريباً تم الحصول على نسخة سيليا التي تُشبهها تماماً، ومع أنًّ سيليا المستنسخة عاشت لِمدة سبع دقائق فقط بسبب اختلالات في الرئة، لكنَ هذه العملية أثبتت أنًّ إعادة الكائنات المنقرضة ليست فقط ممكنة بل إنِّها قد حدثت بالفعل!
حتى اليوم الـ Bucardo لا يزال منقرضاً، وبحسب - البيرتو فرناندز- الطبيب البيطري الإسباني الذي يقود جهود استنساخه فإنُّ عدم إحراز التقدم في هذا المجال يَنبع في الأساس من نقص الدعم المادي للبرنامج، بالإضافة إلى عيوب عديدة في التقنيات المستخدمة لإعادة الكائنات المنقرضة إلى الحياة.
مع ذلك،يبدو أنَ هناك تقنيات واعدة جديدة في تعديل الجينوم(المادةالوراثية) ظهرت مؤخراً حاملةً معها أملاً للعلماء على وجه الخصوص ما يطلق عليها نظام كريسبر*CRISPR هذا النظام الذي اكتُشف أول مرة عام 1987 في بكتريا Escherichia coli ولاحقاً تم إيجاده في أنماط بكتيرية أخرى وهو عبارة عن تسلسل تستفيد منه في دفاعها ضد الفيروسات التي قد تهاجمها.
ضمن هذا التسلسل وعلى وجه الخصوص هناك أنزيم يعرف بـ Cas9 يستطيع أنْ يرتبط ب DNA الفيروس ويُقَسمه بحسب تعليمات جزيء RNA الموجَه (RNA Guide) ، حيث تُؤدي عملية القطع هذه إلى قتل العامل الممرض في الفيروس (pathogen) أو على الأقل تعطيله.
اليوم، استطاع العلماء تحديد التسلسل المطلوب من الـ RNA كوسيلة فعَالة لتسخير و توجيه الأنزيم السابق كيفما يريدون مع الأخذ بعين الاعتبار بأنَ النتيجة لا يمكن التحكَم بها دوماً، وتعتبر الطريقة المعتمدة على الـRNA من الطرق التي تمتاز بسرعتها و قلة تكاليفها ويمكن ان تقوم بتعديل عدة مورثات في كل مرة.
• هل تقف حدود هذه التقنية عند إعادة الحيوانات المنقرضة ؟
الإفادة من التقنية السابقة، لم تتوقف عند فكرة إعادة الحيوانات المنقرضة بل إنه تم استخدامها في أنواع أخرى نباتية ذات سلالات مميزة من الأرز، التبغ و القمح أضف إلى أنواع حيوانية كالأرانب و حشرات كأنواع من ذبابة الفاكهة.
كما أنَ العلماء اقترحوا بأنه يمكن للإنسان أن يستفيد من التسلسل الذي تستخدمه البكتريا في دفاعها عن نفسها عند إضافته للمورثات الخاصة به ليصبح قادراً على مقاومة الأمراض في رحلات الفضاء مثلاً!!
ويمكن أن يتم استخدامها كوسيلة لزيادة تكاثر بعض الأنواع المهددة بالانقراض كفهد الشيتا ووحيد القرن عن طريق استخلاص الـ DNA من الأفراد التي تموت منها و إعادة دمجه في مورثات الأفراد الحيَة وتشكيل ما يسمى بـ تَجْمِيْعَةُ الجينات،هذا ما قد يسمح لضمان استمرار التنوع ودور هذه الكائنات في المناطق التي تتواجد فيها.
• الخلاصة:
أحياناً لا يكون الاستنساخ هو الطريقة الأسهل والأفضل لإعادة بعض الأنواع المنقرضة الى الحياة، ففي حال وجود كائن مشترك قريب للكائن المنقرض لا يزال على قيد الحياة، يُمكن للعلماء دراسة جينوم الكائن المنقرض والكائن المشترك الذي لا يزال على قيد الحياة وملاحظة الفرق بينهما، ثمَّ استخدام "هندسة الجينات العكسية" لإنشاء الكائن المنقرض مرة أخرى وهذه الطريقة التي يتّبعها بعض علماء الجينات لإعادة الحمام الزاجل باستخدام أقرب كائن مشترك معه وهو الحمام المذنب (The band-tailed pigeon) .
ولكن يبقى التحدي الأكبر، هو دمج جميع الجينات للوصول إلى جميع الصفات الوراثية المطلوبة والتي تشمُل الصفات السلوكية أيضاً لمحاكاة الكائن المنقرض بجميع تفاصيله، ويبقى الأمل أن تتطور تقنيات دراسة وتعديل الجينات لتصبح أكثر دقة وأكثر قدرة على استحداث الجينات المنقرضة وإعادة الكائنات المنقرضة الى الوجود مجدداً مع الأخذ إلى ضرورة اعتبار أخلاقيات مهمة عند التفكير بإعادة الكائنات المنقرضة وفقاً لما يجده بعض العلماء بأنه في مجتمع متحضر طموح العلم لاعادة كائن حي كالإنسان لمجرد إرضاء الفضول العلمي يعتبر لا أخلاقياً!
ملاحظات على الهامش :
*كريسبرCRISPR : "Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeats"متكررات عنقودية قصيرة مقروءة بكلا الاتجاهين والمنفصلة عن بعضها بفراغات بانتظام.
وهذه صورة توضح مبدأ عمله باختصار :
المصادر:
هنا
هنا
هنا
مصدر الصورة:
هنا