تفسير سلوك البكاء عند البشر من وجهة نظر التطور
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
يقول علماء التطوُّر إنَّ البكاء لا بدَّ أن تكون له منافعُ كبيرة للإنسان؛ ولذلك فإنَّ هذه الصفة قد بقيت ملازمةً له حتى يومنا هذا! فذرفُ الدموع ظاهرةٌ يتشارك فيها البشر في أنحاء العالم؛ فنحن بحاجةٍ إلى الحفاظ على رطوبة أعيننا، ولكن لماذا تتشوش الرؤية عندما نبكي نتيجة تحفيز عاطفي؟
تقول إحدى النظريات إنَّ البكاء قد تطوَّر كنوع من الإشارات- إشارات ذات قيمة - ويلتقطها الأشخاص القريبون منا بما يكفي ليلاحظوا دموعنا، والذين سيكونون أكثر قابليةً لتقديم المساعدة إلينا. فمن المحتمل أنَّ البكاء قد فُضَّل من قبل "الانتقاء الطبيعي"؛ لأنَّه يحفِّز سلوك تقديم المساعدة لدى الآخرين.
ولكن كيف يحفِّز البكاء "سلوكَ تقديم المساعدة" لدى الآخرين؟
قدَّم العلماء تفسيرًا لهذا وهو أنَّ سلوك البكاء يشبهُ إلى حدٍ كبيرٍ، بل يحاكي بعض الخصائص الإدراكية للطفل المولود حديثًا، مثل رطوبة الوجه وتعابيره والأصوات التنفسية والصراخ وإغلاق العينين. إذ إنَّ الأهل والناس عمومًا "مبرمجون" للشعور بالحاجة إلى المساعدة والحماية عندما يرون أو يسمعون طفلًا حديثَ الولادة، فحينَ يكون شخص ما بحاجة إلى المساعدة والدعم؛ فإنَّه يبدأ تلقائيًّا بمحاكاة سلوك "حديثي الولادة" للحصول على استجابةٍ مماثلةٍ من الآخرين تتمثل في تقديم المساعدة والحماية. وحقيقةً يبدأ البكاء لدى (حديثي الولادة) بعد الولادة مباشرة وليس بعد أسابيع أو أشهر، لا تتعارض مع هذه النظرية بل على العكس تدعمها.
وهناك افتراضٌ آخر يشير إلى أنَّ البكاء يؤدي دورًا في حصول الشخص على ما يريد، وهذا الافتراض تدعمه فكرة لجوء الأطفال إلى البكاء من أجل الحصول على ما يريدون أيضًا، وغالبًا ما يحصلون على نتائج مرضية؛ لأن صوت بكائهم يعمل كتنبيه لمن حولهم بأنهم يحتاجون إلى شيء ما.
وإذا أراد أحدهم أن يثبت أن "الدموع العاطفية" لديها وظيفة أخرى غير كونها تعمل كإشارات لطلب المساعدة؛ فهناك خَياران عليه أن يثبت صحَّة أحدهما على الأقل:
* إمّا أنَّ عواطف الإنسان تحفِّز ضغطًا فسيولوجيًّا غير موجود عند الثدييات الأخرى، ويتطلب إفراز الدموع للتعامل معه ومواجهته.
* وإما أنَّ فسيولوجيا العين البشرية تختلف عن تلك في أعين الثدييات، فقد تتطلَّب الإفراز المفرط للدموع في ظروف أخرى غير الإجهاد البدني أو الفسيولوجي، وهذا الخيار قد تدعمه احتماليَّة أن تكون الدموع العاطفيَّة ناتجًا ثانويًّا لعمليَّة تطوُّر الإنسان الحديث، وقد أدَّى الانخفاض الكبير في موقع الجمجمة بمنطقة ما تحت الأنف (Subnasal Prognathism) إلى زيادة التدمّغ (Encephalization).
نظريًّا؛ فإن هذه التطورات من الممكن أنها أدَّت إلى زيادة حساسية القنوات الدمعية والجيوب الأنفية عند الإنسان استجابةً للعواطف الكبيرة والشديدة، ومن ثَمَّ فإن الدور الذي تؤديه الدموع كإشارات ينبغي ألَّا نعده الدور الوحيد.
وفي حال أردت أن تُثبت دور الدموع كإشارات لطلب المساعدة ينبغي أن تعمل على إثبات الفائدة الاجتماعية للبكاء. وللحصول على إثبات مباشر ينبغي العثور على ما يشبه "الدوائر العصبية" الموجودة فقط لدى الإنسان، والتي تحفز في حالات التوتر العاطفي الكبير، والتي بدورها ترسل إشارات لتحفيز الغدد الدمعية وإفراز الدموع، وهذا يؤدي إلى فهم القوى الانتقائية التي جعلت "الانتقاء الطبيعي" يحافظ على هذه الصفة لدى الإنسان.
ولإثبات الفائدة الاجتماعية للبكاء؛ درس راندولف كورنوليوس، البروفيسور في جامعة فاسار (Vassar College) معرفة دور الدموع في نقل إشارات ومعلومات إلى الأشخاص الآخرين، ولهذا الغرض جهزت مجموعة من الصور من مصادر شائعة لأشخاص يذرفون الدموع، وعُرضت على المشاركين في الدراسة، لاحقًا أُزيلت الدموع من الصور وعُرضت مجددًا على المشاركين الذين كان دورهم تقييم العاطفة التي يعبر عنها الشخص في الصورة في كلتا الحالتين.
وَفقًا لـ"كورنيليوس"؛ فإن وجود الدموع رفع من مستوى الانفعالية التي وجدها المشاركون في الصور وضَيَّق من نطاق الأجوبة التي قدَّمها المشاركون؛ فأصبحوا أكثر قدرةً على فهم الحالة الانفعالية للشخص بالصورة، وقد عبَّر معظم المشاركين في الدراسة عن شعورهم بعواطف من الحزن والأسى عند وجود الدموع في الصور. وقد قال كورنيليوس إن الدموع تنقل معلومات دقيقة جدًّا عن ماهية شعور الشخص والكيفية التي يريد أن يُعامله الآخرون بها. وهذه النتائج تدعم النظريَّة التطورية للدموع، التي تتلخص في أن البشر يَبكُونَ لجذب الانتباه لحاجتهم إلى المساعدة والحماية عند الشعور بالحزن والخطر.
وأنتم ما رأيكم؟ هل البكاء ضروريٌ بالفعل لبقاء الإنسان؟
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا