الأميرةُ تاراكانوفا، بين الحقيقةِ والدّجَلْ ... وما قدْ يفعلْهُ كَيْدُ النّساء !!
الفنون البصرية >>>> فن وتراث
الإشاعاتُ الّتي شكّكتْ بصحَّةِ ادّعاءِ هذه الأميرة وحقيقةِ وجودِها، انتهَتْ نتيجةً للمعرفةِ المُنتشرة آنذاك بأنّ الإمبراطورة إليزابيث كان لديها بالفعلِ طفلةٌ وُلِدتْ كثَمَرةٍ لعلاقة حُبّ جمعتها بالأميرِ "رازوموفسكي Razumovsky".
الأميرةُ الحقيقيّة كانتْ قد سُمِّيتْ "أوغوستا تاراكانوفا Augusta Tarakanova"، وكان قدْ تمّ إرسالُها بعيداً إلى إيطاليا وهي لا تزالُ طفلةً صغيرةْ، حيثُ بقيتْ هناك وتلقّتْ تعليمَها إلى أنْ أُعيدَتْ قسراً بأمْرٍ من كاترين العُظمى.
اقتصرَتْ حياةُ أوغوستا على الدَّيْر، حيثُ أُبقِيَتْ تحت الرّعايةِ والإِشراف، وفي عُزلةٍ تامّةٍ، بالرّغمِ من خدَماتِ الكنيسةِ الّتي سُخِّرتْ من أجلِها ...
وفقطْ فيما بعد وفاةِ الإمبراطورةِ كاترين سُمح لها بالزّياراتِ وباستقبالِ أعضاءٍ من رجالِ الدِّينِ ونُبلاءِ رُوسيا.
أمّا الشّخصيّةُ التي صوَّرها التّاريخُ على أنّها الأميرةُ تاراكانوفا، كانتْ لاشيءَ أكثرَ من دَجّالةٍ مُخادعةٍ ساعِيَةٍ وراءَ الُمغامرة !
امرأةٌ ذاتُ ماضٍ مُظلمٍ و أُصولٍ غيرِ مَعروفة، امتلكَتْ الجمالَ الخارقَ و المكْرَ والدّهاء لوضْعِ العديدِ منْ مُعْجبيها الأغنياءِ والنُّبلاءِ تحتَ سيطرتها والعَيشِ على نَفَقتِهم، وأحياناً ... قيادتُهم إلى الإفْلاسِ أو السّجنْ .
هرباً من دُيونها، سافرتْ في أرجاءِ أوروبا، تنتحلُ شخصيّاتٍ عديدةٍ، تُطلق على نفسِها ألقاباً عِدّة : Fräulein Frank ، أو مدام Trémouille مثلاً.
في باريس ، 1772 ، قامتْ بأدْهَى خدعةٍ في حياتِها على الإطْلاق، حيثُ ادَّعتْ بأنّها الأميرةُ الرُّوسيّة إليزافيتا فلاديميرسكايا Elizaveta Vladimirskaya، الوريثةُ المُباشرةُ للعرْشِ الرّوسي ...ابنةٌ للإمبراطورةِ إليزابيث ... وصرّحتْ بأنّها ترعْرعَتْ في بلاد الفُرسْ وأنّها الآن قدمَتْ إلى أوروبا للمطالبةِ بحقّها بالعرْشِ و بالميراثِ الرّوسي. ومرّةً جديدة، دُعمت مِن قِبَلِ مُعجبيها العديدين، و انتقلتْ إلى إيطاليا حيثُ بقيَتْ هناك لِسنتين، في الوقْتِ الّذي أخذَتْ تَنشرُ فيهِ حمْلةً إعلانيّةً واسِعة تُروِّجُ بها لِكونِها الوريثةُ الشّرعيّةُ لرُوسيا.
كاترين العُظمى كانتْ في ذلك الحِين مُهدّدةٌ من قِبل ثَورةِ " القُوَزاقيّين " the Ural Cossack " " الضّخْمة بقيادة Emelyan Pugachev والّتي كانتْ
تُطالِب أيضاً بحقّهم في عَرْشِ رُوسيا .
وفِي 1773 – 1775 ، كانتْ قَد أمرَتْ الأميرَ Aleksey Orlov بإغراءِ الأميرةِ تاراكانوفا المُزّيفة واسْتِدْرَاجِها من إيطاليا. و قد تمّتْ العمليْةُ بنجاحٍ تامٍّ ، وتمّ حَبْسُ المُخادِعَة الدّجالةِ في حِصْن بيتر آند بول في حزيران عام 1775 .
بِكُلّ اعتزازٍ وكِبرياء، رفضَتْ الاعترافَ والإِقْرارَ بكَذِبِها وانتِحَالِها لشخصيّةِ الأميرةْ، و لمْ تُصرِّحْ عَن هويّتِهَا أو سُلالَتِها على الإطْلاقْ.
تُوفّيَت بعد صراعِها مع مرضِ " السِّلّ " في كانُونَ الأوّل من نفسِ السّنةِ الّتي سُجنتْ بِها، و دُفنتْ جُثّتُهَا دونما أيّةِ طقوسٍ جنائزيّة .
رُبطتْ هذه القصّة برُومانسيّتها المُتفرّدةِ بالعديدِ من الأَساطيرِ، وظهرتْ لاحِقاً بالعديدِ من الكُتبِ و الأفلَامِ أيضاً .
على كُلّ حال، لا اللّوحةُ الّتي جسّدتها وهي تَغرقُ في سِجنها بمياه أحدِ الفيضاناتِ الّتي لَحِقَتْ بـ سان بطرسبرغ، ولا حتّى تلك القصّةُ الرّومانسيةُ الجارِفَة الّتي جمعَتْها بالأميرِ Orlov قدْ وُجِدَتَا على الإطْلاقْ !
ويَجدرُ بالذِّكرِ أنّ الفّنانَ الرَوسيّ Konstantin Flavitsky ، قد استوحَى لوحتَه الأشْهَر :
Princess Tarakanova، in the Peter and
Paul Fortress at the Time of the Flood، 1864
من إِحْدى الأساطيرِ الّتي تُصوِّرُ أنّ الأميرةَ قد ماتَتْ مَسْجونةً غَريقةً في أَحَدِ السّيولِ الّتي أصابَتِ المدينةَ، وقد صوَّرها بهيئةِ فتاةٍ جميلةٍ وَحيدةْ تواجِهُ الموْتَ بشكلٍ تراجِيديٍّ ميثيولوجيٍّ مُبْهِرْ ! .
المصدر:
هنا