سحر البيرو، ماتشو بيتشو تعيد عبق أرواح شعب الأنكا
التاريخ وعلم الآثار >>>> تحقيقات ووقائع تاريخية
في أعالي جبال الأنديز الموجودة في البيرو توجد مدينة قديمة تدعى ماتشو بيتشو أنها بقايا تأبى الشرح، من هم الغامضون اللذين بنوها ؟ ولماذا بنوها هنا؟ ومن دون امتلاك هذه المدينة لأسوارٍ دفاعية فهي لا تبدو كالحصن وعوضا عن ذلك هناك ينابيع وبرك صغيرة ومعابد ومذابح غريبة مصنوعة من الغرانيت لكن هناك دلائل قليلة توضح لنا كيف تمكن أناس لم يملكوا أدوات حديدية أو عجلات من صنع التحفة الفنية هذه وسبب صنعها
والان هناك بحث جديد يحل هذه الألغاز في أجساد وعظام الأشخاص اللذين عاشوا هنا في يوم ما هناك دلائل توجد تحت المدينة مباشرة وعلى انحدار الجبل الموجودة عليه وفي قصص موميائها من الملوك، هل ستريح هذه الأسرار أشباح ماتشو بيتشو لترقد بسلام ؟؟؟
يتبدى ستار كثيف من الغموض ما زال يلف ماتشو بيتشو معلقاً بين جبلين شديدين الانحدار تتدثر المدينة بخيوط من السحاب تجهد لإغفاء نضارة انمحت من قسماتها، ماتشو بيتشو ومعناها بلسان الانكا قمة الجبل العجوز يجري من تحتها نهر جارف وتضنها أشجار سامقة، طريق وعر في بطن الجبل يحيط به حزام من الغابات يؤدي صعودا إلى ماتشو بيتشو، مدينة المتوضعة على مسافة تمتد 2450 م، على قمة جبل ضيقة على جبال الأنديز المرتفعة هي من عجائب الدنيا القديمة الغامضة هناك أكثر من ألفي بناء منتشر في أعلى هذه القمة كل منها مبني من حجارة مقطوعة بشكل رائع بعضها يبدو كالمنازل والبعض الآخر كالمعابد تحيط بها الأراضي الخضراء بمساحة كيلومترين تقريبا تغذيها الممرات المائية المفتوحة والينابيع، إنها مدينة ضائعة تلمح أبوابها وممراتها إلى أشباح ماضيها إنها مكان جميل ومبهر جدا ليس هنالك دلائل مادية في المدينة ولا نقوش تشير إلى نتائج، في أعلى نقاط هذه المدينة يزداد سرها عمقاً هناك حيث تقف الأعمدة المنحوتة الجميلة على أعلى نقاط الموقع .
المناظر من هذا العلو الشامخ تصيب المرء بالذهول والفضول في آن معاً كيف استطاع البناة حمل هذه الصخور إلى الأعلى وتقطيعها بهذه الدقة والبراعة لدرجة أنهم لم يحتاجوا إلى الخرسانة لتثبيت الأسوار في أماكنها ؟ من الذي بنى ماتشو بيتشو ؟؟؟ ولماذا بنوها في هذا المكان المستحيل عملياً ؟؟؟ والسؤال الأكثر تعقيداً هو لماذا هجروها ؟
تبدو الحجارة في كل مكان في المدينة كأنها كانت على وشك أن توضع في مكانها عندما توقف كل شيء عن العمل والآن بدأت الدلائل تظهر كما لم تحدث من قبل ، ظهر بعضها في الموقع نفسه في حفريات جديدة وبعضها الآخر ظهر في مواقع أكثر انخفاضا في مدينة ماتشو بيتشو ، لطالما أصابت هذه الأسرار بالهوس( فرناندو استته مدير متنزه ماتشو بيتشو الأثري ) حيث أعتبر ان الماتشو بيتشو ارث ثقافي ليس للبيرو فقط بل للعالم أجمع وإن تفسير هذا الإرث يعتبر تحدياً (لأستته ) إلى جانب البدء بالعمل عليها.
أحد أسباب بلوغ قوة شعب الإنكا لذروتها في عام 1400 هو بنائهم لطرق بهذه الجودة فهم بنوا طريقهم بطرق راسخة لا تخشى المرتفعات ما تزال الكثير من شبكتهم الممتدة ل16 مترا موجودة حتى الآن وبهذا تركوا دليل آخر على براعة مهندسيهم وبنائيهم، تنافس شرفاتهم وقنواتهم ومدنهم الحجرية نظائرها الرومانية لكن على عكس شعب روما القديم فهم لم يستعينوا بالعجلات أو الحديد أو أي لغة مكتوبة ، كان لدى الإنكا نظام حسابات باستخدام الخيوط ذات العقد التي تدعى (كيبو ) لكنها لم تترك أي سجلات عن حياتهم وتاريخهم لذا فالكثير مما نعرفه الآن مصدره الإسبان الذين هزموهم في الخمسينات من القرن الرابع عشر وتنحاز هذه الحسابات إلى المستعمرين، هناك وجهة نظر مختلفة من قبل فنان من الإنكا اسمه (مال بوما ) ولد بوما بعد وصول الإسبان بوقت قصير لذلك كان مراقب يربط ما بين العالمين ، قام بعمل مئات الرسومات البسيطة التي تتحدث عن تقنيات الزرع وعن الملوك وتاريخ الانكا في النزاع .
نعرف من كلا هذه المصدرين أن شعب الإنكا كانوا محاربين عنيفين ، كانوا قد اخضعوا شعوب كثيرة لهم وضموهم بالقوة إلى إحدى اكبر الإمبراطوريات في العالم على امتداد 8300 م متر تقريبا .
اطعموا شعبهم عن طريق تحويل المنحدرات إلى مصاطب أراضي زراعية ويعتقد انه يوجد أراضي زراعية خلال عهد الانكا أكثر ما موجود الآن في البيرو لكن أكثر التفاصيل المثيرة للدهشة هو أن الانكا حكمت لمئة سنة فقط ومن ثم أهلكت إمبراطوريتهم من المرض أولاً ومن الحرب ثانيًا وأخيراً من المستعمرين الإسبان، ونحن نعلم من الإسبان أن آخر إمبراطور للانكا تراجع إلى الجبال إلى مدينة تدعى فيلكابامبا، صمد شعب الانكا في مدينة فيلكابامبا لمدة 35 سنة حتى دمر الإسبان المدينة في عام 1572 ، لكن الأمر المثير للغرابة إنهم لم يتركوا ورائهم سجلات مدونة عن المكان الذين كانوا متمركزين فيه وولدت أسطورة المدينة الضائعة فيلكابامبا التي كانت سرا غامضا له تأثير جذب كبير ، وبعد 350 عام جذب هذا السر مستكشفا اميركي يدعى (هايرن بينغهام ) للذهاب برحلة لحله.
في عام 1911 اعد( بينغهام ) كاميرا في قمة الجبل ودخل التاريخ ، كانت صوره إحدى المرات الأولى التي يتم فيها تصوير لحظة اكتشاف على فيلم واليوم تعد هذه الصور جزءاً من 23 البوم اكتشافات مجلد مفصلة إحدى اكتشافات (بينغهام ) لكن ما الذي وجده بالتحديد ؟؟؟ كان يدعوها بإسمها المحلي ماتشو بيتشو لكنه كان يظن أنها المدينة الضائعة فيلكابامبا .
بعد عام عندما اكتشف فريقه أكثر من 100 قبر اعتقد (بينغهام ) انه وجد دليله الذي سيحل له القضية ، وصل (بينغهام) وخبير العظام الدكتور (جورج ايتون) بعد فحص شامل إلى استنتاجات مذهلة وهو انه ثمانين بالمثة من الموتى كن من النساء. اعتقد( بنغهام ) انه وجد بقايا ما يدعى بعذراوات الشمس وفقا للتقارير الاسبانية فان أجمل نساء الإمبراطورية كان يتم اختيارهن لهذا الدير المقدس كانوا يختارون أولئك العذراوات بعمر 8 سنوات ليخدمن إمبراطورية الانكا لبقية حياتهن، خمن( بينغهام ) انه عند انسحب أخر ملك للانكا إلى الجبال للهرب من الإسبان اخذ معه العذراوات المقدسات وهذه كانت النتيجة ، أكدت الهياكل العظمية للعذراوات ان هذه المدينة المقدسة الموجودة في السماء هي مدينة فيلكابامبا .
في عام 1913 في ابريل نشر كتاب في ناشيونال جوغرافيك خلق ضجة بين ليلة وضحاها وأصبح (بينغهام) نجمًا ، كانت المشكلة الوحيدة هي أن النظرية خاطئة فقد كشفت التحقيقات في بقايا الانكا الأخرى أن الإسبان قد دنسوا أي معبد مقدس وجدوه للانكا وبقيت مدينة ماتشو بيتشو بأكملها غير ممسوسة، لكن أكثر النظريات مقنعة التي تشكك في نظرية ( بينغهام ) هي العظام نفسها التي وجدها في الموقع عندما أعاد (الانثربولوجي الشرعي جون فيرانو ) فحصها مجدداً وجد أن جنس الهياكل العظمية كان متساوياً تقريباً وهي بعيدة عن الذي توقعه ( بينغهام ) و كانت مقارنة (جورج ايتون) تعتمد على قياس العظام فكان يتوقع أن صغار البنية كانوا إناث لذلك رسم توقعاته على معظم الهياكل العظمية كانت من الإناث وفي مجموعة( بينغهام ) وجد( الأنثروبولوجي فيرانو ) مجموعة أطفال عدة والأطفال والعزراوات لم يساهموا في التوصل لنتيجة ، من دون العزراوات أو أي شي يدل على التدنيس الاسباني لم يكن هناك دليل يدعم نظرية ( بينغهام ) بأنها كانت هذه مدينة فيلكابامبا إذاً ماذا كانت ؟؟؟
نظرا للتقارير القليلة الموجودة فيجب على علماء الآثار مثل (فرناندوا ستتيه ) أن يجمعوا الأدلة عن ماتشو بيتشو في أي مكان يجدونها فيه ويعتقد انه وجد دليلا في مدينة قريبة تدعى باتاياكتا ( كانت مدينة باتاياكتا مهمة حيث أنها زودت شعب ماتشو بيتشو بالطعام ) تبعد مدينة باتاباكتا عدة ساعات مشياً على الأقدام على طول طريق الإنكا الرئيسي في تلك المنطقة انه المكان الأقرب إلى ماتشو بيتشو حيث تتم زراعة المحاصيل هناك واسعة النطاق لم يكن سكان الباتاباكتا من المزارعين فقط بل كان لهم ادوار عدة مثل حجارين وعماليين وبنائين ، وكان أمل( فرناندوا ستتيه ) لفهم ماتشو بيتشو يكمن في معرفة عن الناس الذين قطنوا هنا وعن بناة هذه المدينة المحتملين .
وجد مرشد محلي في مدينة الإنكا القديمة في الأعلى قرب منحدر عمودي تقريبا ما يشبه المدفن ، يعتقد (ستته) وصديقته عالمة الآثار ( ايلفا تورينز) أن هذه المنطقة لم تمس بعد وإن أخر مرة لمست فيها هذه المقبرة كانت منذ 500 سنة ، قبل فتح المقبرة يجب على المرشد الذي يتحدث لغة الكيتشوا أن يقدم أعطية من أوراق الكاكاو للأرواح التي تقطن هنا كما كان يفعل المحجوبون من شعب الانكا تحقق( استته و تورينز) من مقابر عديدة في هذه المنطقة ومعظمها يسهل الدخول إليها على خلاف هذه المقبرة، تم بناء المعبد على طريقة لا تشبه المعابد الأخرى فهي موجودة في كهوف من حجارة متشكلة بطريقة طبيعية يسهل الوصول إليها ظهر داخل المقبرة هذه جمجمة بشرية وعظام كثيرة وأثناء دخول (تورينز) الضريح الضيق يصبح الاكتشاف أكثر إثارة وبدا لها أنها عظام شخصين منفردين وخلال تحقيقها اكتشف وجود هياكل عظمية أكثر عددها 9 وتظهر على العديد منها آثار إصابات.
هل من المحتمل أن تعود هذه الهياكل لبنائين ماتشو بيتشو ؟؟؟؟ لا يمكن التأكد إلا بعد إجراء الفحوصات اللازمة لهذه الهياكل في المختبر وهناك انضمت ( لتورينز ) عالمة الآثار البيولوجية (فالري اندروشكو) وفي الحال وجدت بعض المفاجآت في جماجم باتاياياكتا لقد كانت مليئة بالثقوب إنها تدل على إجراء عملية تدعى النقب ( وهي عملية يتم فيها إزالة جزء من الجمجمة ) مارستها الإنكا بدرجة عالية من النجاح وهي عملية تتم لتخفيف الضغط داخل القحف الدماغي التي تسببه الكسور ، تم العثور على هذه العمليات عبر الإمبراطورية كلها .
في الحقيقة تظهر العديد من جماجم الضريح علامات إصابات عنيفة وهو نوع من الإصابات التي قد يتعرض له المرء من جراء تلقي ضربة من الهراوة مما يعني ان هؤلاء الأشخاص لم يكونوا بناة بل محاربين على الأغلب .
شكل هذا لاكتشاف تضاداً بكل معنى الكلمة لظهور الماتشو بيتشو كملجأ ديني ، هذه المدينة هيمنت فيها المعابد والأضرحة المقدسة كمعبد النوافذ الثلاثة ومعبد نسر الكوندور الذي أطلق اسمه عليه لأرضه المنحوتة وأجنحته الحجرية ومعبد الشمس المنحوت بعناية مبني على حجارة تضيئه الانقلابات الشمسية وفي أعلى نقطة في المدينة هناك عمود حجري معروف باسم انتي واتانا .
يمكن أن نجد الجواب في العاصمة كوسكو القديمة حيث ما تزال تقطن السلالات المنحدرة من الإنكا في كل عام خلال الاحتفالات الرومانية الكاثوليكية لعيد القربان تم إزالة تمثال مريم العذراء إلى جانب 15 تمثال لقديسين أخر من الكاتدرائية ووضعها في الساحة لربما يمثلون هؤلاء القديسين المسيحيين لكن الآلات التي يعزفون عليها والخطوات التي يتحركون بها الشعب كانت أصولها من الإنكا في الأساس لان موكب القربان هذه هو نسخة عن طقس من طقوس الإنكا، منذ 500 عام سار شعب الإنكا أيضا في موكب عبر كوسكو لكنهم لم يحملوا تماثيل القديسين بل حملوا موميائات ملوكهم التي كانوا يوقرونها كما الآلهة ومن المحتمل أن يكون أحد هذه الملوك هو ملك الذي بنى ماتشو بيتشو.
إن جودة الحجارة نفسها تشير إلى أن المدينة كانت ملكية ، يقدر (فرناندو استتي ) أنها احتاجت الإنكا إلى 50 عاما على الأقل على إنهاء هذا البناء وبما أن إمبراطورية الإنكا دامت لمدة 100 عام فقط فان التركيز كان منصبا على الملوك الأوائل، تشير تقارير الكاثوليكي الإسباني المتدين يدعى ( برنابي كوبو) إلى انه كان هناك قائد فعال أسس إمبراطورية الإنكا وهو ملك يدعي باتشاكوتي لكن لم يستطع احد ان يثبت باتشاكوتي هو من بنى ماتشو بيتشو ولكن هناك دليل صغير كان مخبئ باسمه والذي يعني ( الرجل الذي يعيد صنع العالم) وهو كان بمثابة لإسكندر العظيم لشعب الإنكا وهو من قام بالتوسع خارج مدينة كوسكو وبدأت منطقة الإنكا بالتوسع بشكل كبير في مناطق لم تحتلها الإنكا مسبقاً وما نعرفه عن تاريخ باتشاكوتي يعود بالفضل إلى الأب (كوبو ) حيث وصل ( كوبو ) إلى البيرو بعد الاحتلال في أواخر 1500 وكتب تقريره بناء على مقابلات أجراها مع شعب من سلالة الإنكا.
وفقاً ( للاب كوبو) كان باتشوكوتي بناءًا معروفاً وهو كرس نفسه لبناء معابد عديدة رائعة خلال بقية حياته وقصور وقلاع حصينة ، كانت المباني الحجرية الرائعة في ماتشو بيتشو مشابهة جدا في التصميم لمعابد باتشاكوتي الموجودة في مدن الإنكا الأخرى حيث تشير إلى أن هذه المباني شيدتها اليد ذاتها. لكن أكثر الدلائل التي تربط ماتشو بيتشو ب باتشاكوتي تأتي من سجل اسباني محفوظ في مبنى الأرشيف الاستعماري في كوسكو تذكر البيانات أنه في تاريخ 1568 ذكرت مدينة بيتشو بمرجع واحد لمالكها إنكا يوبامكي والمعروف أيضاً باسم باتشاكوتي
الدليل مقنع إنه باتشاكوتي أول إمبراطور للإنكا هو من طلب بناء ماتشو بيتشو في مكان يجعل أي مهندس معماري يعيد النظر في الأمر ، بعد 15 عام من الدراسات يكشف لنا المختص بعلم المياه (كين رايت )وفريقه من المهندسين كيف استطاع شعب الإنكا تحقيق هذا حيث أن وعورة الموقع ليس بالمشكلة الوحيدة كان المطر الغزير ينهمر بشكل سنوي على ماتشو بيتشو مما أدى إلى حدوث انهيارات متكررة ، كما أن هناك زلزالين يجتازان الموقع مما يجعل الموقع فظيعا لبناء مدينة حجرية عليه ، لكن الموقع له ميزتان:
1- ينبوع مياه نقية قريب
2- مصدر لحجر الصوان حيث يوجد محجر في الموقع تماما
عندما اتجه مهندسو الإنكا في البناء كانت أولى الخطوات التي اتخذوها هي دعم الجبال فقاموا بذلك ببناء حصن استثنائي للشرفات ، لأن الشرفات أمر جوهري لمدينة ماتشو بيتشو حيث إن بعضها كان يتم استخدامها للزراعة على نطاق صغير إلا أن الغرض الرئيسي منها هو تثبيت الجبل لمكان عبر استنزاف كميات ضخمة من المياه بعيداً عنه إن تركت هذه المياه دون إدارة كانت لتحول الجهات كلها إلى طين وكانت مدينة ماتشو بيتشو لتنزلق على الجبل .
تجنب شعب الإنكا ذلك عن طريق نظام مجارير معقد حيث وجد علماء الآثار داخل الشرفات طبقة من التربة الغنية وبالأسفل منها طبقة من القذارات الرملية والطبقة الأخيرة من الحصى والحجارة الأكبر حجما وكانت المياه تصفى عبر طبقات متدرجة منها عوضا عن انسكاب هذه المياه عن الجبل تشق هذه المياه طريقها إلى التربة يبطئ وبالتالي لا يكون هنالك احتكك وبوجود هذه التصميمات الأساسية في متناول اليد استطاع بناءو الإنكا بناء الشرفات الأولى في الجبل ومن ثم باشروا بالشرفة التالية وهم يعيدون نفس الطريقة وصولا إلى الجبل وحين الوصول إلى هناك أتضر بناءو الإنكا للنظر إلى مشكلة أخرى للمياه وهي أن ماتشو بيتشو منحوتة بالحجر ومزودة بمرافق إضافية لتصريف المياه لكن الأنكا تنبؤا بحدوث هذه المشكلة وخلال عملية البناء قاموا بوضع أكثر من مئة مصرف عبر المدينة وفرت العديد من هذه المصارف مخرج من الأجزاء المرفوعة من المدينة إلى الساحة الرئيسية بالإضافة إلى ذلك كشف البحث هناك إلى ابتكار متميز في التعامل مع كمية المياه هذه حيث اصطدم فريق ( رايت ) أثناء الحفر أسفل الطبقات المعتادة للتربة الزراعية والحصى بطبقة سميكة من رقاقات حجر الصوان .
هذه تحصينات أرضية ضخمة تمتد حوالي 3 أمتار تحت السطح مطوقة عدة كيلومترات وكانت تجمع المياه لتبعدها عن المدينة وبقدر ما تبدو المدينة شاسعة ما يزال نحو 60 بالمية منها موجودا تحت الأرض داعماً المدينة لتثبت في مكانها وبينما قام الإنكا بفعل الكثير للتخلص من المياه قاموا أيضا ببناء الينابيع احتفالا بها يوجد 16 ينبوع في المدينة كل منها مصمم بشكل جميل وهو مصدر عملي لمياه الشرب تغذي هذه النوافير الينابيع الطبيعية الموجودة قرب الأراضي المحيطة بماتشوبيتشو ومن هنا صمم الإنكا قناة متدرجة بنسبة 3 بالمية لتوفر الكمية المناسبة من المياه للنوافير.
تم حساب المياه لتتدفق بين 23 إلى 114 ليتر كل دقيقة اعتماداً على وقت السنة وهي كافية لإمداد تعداد سكاني يقارب الألف شخص. وعلى الرغم من نقص الأدوات الحديدية إلا أن الإنكا استطاعوا بطريقة ما تحويل حجر الصوان وهو حجر بغاية القساوة وهنك دليل على قيامهم بهذا في محجر ماتشو بيتشو كانت الطريقة التي استخدمها الإنكا هي الطرقة المباشرة كانوا يستخدمون مع القطع الصخرية القاسية أدوات كبيرة من الحجارة ثم كانوا يستخدمون أدوات اصغر واقسى لتشكل سطح أملس قوي وحال انتهاء الحجارين من تقطيع الصخر كانوا يضعون الحجارة على بكرات من قطع الأشجار أو الطين لينقلوها قرب موقع البناء والخطوة الأخيرة هي نقل الحجارة إلى الموقع لمطابقتها مع الحجارة الشبيهة بها، ماتشو بيتشو مدينة شيدت بطلب ملكي وهي ثناء على هندسة الإنكا وبراعتهم الفنية حيث تقوم مئات الشرفات التابعة لها بحمايتها من الأسفل ما تزال جذور حجر الصوان صلبة بعد مضي 500 عام بسبب نظام تصريف مذهل وهي محاطة بطوق من النوافير ذات التصميم العبقري التي تتدفق من الينابيع المندفعة من الأعلى . لكن السؤال لما بذل هذا الجهد كله ؟؟ لماذا أمر باتشوكوتي ببناء ماتشوبيتشو في هذا المكان المنيع ؟؟؟ أكانت اسبابه دينية ؟ ما نعرفوه عن ديانة الإنكا أتى إلينا من مخطوطات ( الأب برناب كوبو) الذي كتبها بعد احتلال الإسبان وهو أن شعب الإنكا يعبدون بنفس درجة التبجيل ونفس الطقوس : الشمس والقمر والأرض والعديد من الأشياء الأخرى التي يعتبرونها مقدسة ، كان الإنكا يعتقدون أن الشمس والجبال آلهة يجب إرضائها عبر الطقوس دون ( كوبو) أن إحدى هذه الطقوس هي التضحية بطفل تم تأكيد هذا الإدعاء بشكل درامي في عام 1999 عبر عالم الآثار( يوهاين راين هارد ) قام (راين هارد) باكتشاف 3 موميائات تعود لأطفال محفوظة بشكل ممتاز في قمة جبل عالي في الأرجنتين في الجانب الجنوبي من إمبراطورية الإنكا لقد تمت التضحية بهم كأعطيات لنفس آلهة الجبال التي وصفها ( كوبو )، تقترح الفكرة التي تدعى نظرية المناظر الطبيعية المقدسة أنه بالإضافة إلى عبادة الشمس والأنهار والجبال كآلهة فقد أخذت الإنكا قوتها من الاتصال الجسدي معها ....................... فهل هذا هو سبب بناء الماتشو بيتشو هنا ؟؟؟
ماتشو بيتشو مكان غير عادي لتتم فيه عملية بناء حتى بالنسبة إلى الإنكا والتي كانت عاصمتهم كوسكو حاليا ومدن الإنكا الأخرى مثل بيساك متموضعة على أراضي منبسطة ويسهل الدخول إليها كما أنها نائية ويحتاج الوصول إليها 5 أيام مشياً على الأقدام حسب توقيت الإنكا واليوم يتطلب السياح 4 ساعات للوصول إليها بالقطار ومن ثم بالحافلة للصعود إلى منطقة الآثار وعبر هذا الموقع تلميحات تشير إلى سب اعتقاد الإنكا أن هذا مكانا يستحق العناء، ففي أماكن معينة قام الإنكا بحفر الحجارة على شكل قمم مقدسة تحيط بالمدينة ثم قاموا بعرضها على هيئة رموز ضخمة مقدسة حتى (بينغهام ) بحد ذاته ذهل من هذه الصخور ، الصخرة التي تدعى بالصخرة المقدسة التي تعكس رسم جبل ينانتين.
كان الزوار في عهد الإنكا يصلون إلى ماتشو بيتشو من الأعلى حيث يمكن رؤية المدينة محاطة بنهر أوراباما المقدس أما بالنسبة للمزارعين لم يكن هناك ما هو أهم من الماء وكان هذا المكان مطوق بالمياه وهناك دليل إضافي آخر يربط الماتشو بيتشو بالمناظر الطبيعية المقدسة حيث يوجد أعلى القمة الشبيهة بالمثلث داخل المجمع نصب تذكاري مقدس معروف باسم انتي واتانا هذا النصب التذكاري المقدس على خط مستقيم مع آلهة أربعة جبال بغاية الأهمية لشعب الإنكا كما صدف انه يتفق مع الاتجاهات الأساسية وهو يطل على القمم المقدسة وقريباً من النهر المقدس وعلى محاذاة أربعة آلهة جبلية قوية وهذا ما جعل المكان لا يقاوم بالنسبة إلى الإنكا .
لكن كيف استطاع أول إمبراطور للإنكا باتشاكوتي من استخدام الماتشو بيتشو ؟؟؟؟
كان هناك مسكن ملكي مميز داخل المدينة يضمن حصول الملك على أنقى المياه كما أنه قريب من أكثر المعابد قدسية لكن سواء أكانت المدينة محكمة باتشاكوتي الملكية أم مركزا دينيا أو موقعا عسكريا فهي تبقى سرا غامضا، تم إقتراح إعادة تحليل الهياكل العظمية التي وجدها ( بينغهام ) حلاً محتملاً وخلال حفرياته 1912 أخطأ الفريق بتحديد هذه الهياكل العظمية حيث اعتبرها تابعة لعذراوات الشمس ومؤخراً تمت إعادة فحصها ويفسر هذا كيف تم استخدام الماتشو بيتشو، لم يجد الأنثروبولوجي( جون فيرانو ) خلال بحثه أي دليل عل أي إصابات عنيفة وبالتالي لم يكن أولئك محاربين كما أكد أن قبورهم كانت بسيطة من دون أشغال يدوية عالية الجودة وهذا يعني أنهم ليسوا من الملوك واكتشف من خلال عظامهم أنهم لم يكونوا من العمال العاديين أيضا بل كانوا من الطبقة الوسطى وهناك دليل حاسم على هويتهم حيث يمكن إيجاده عبر تقنية تدعى التحليل النظيري يقوم العلماء بهذه العملية بتبخير كمية صغيرة من العظام بهدف البحث عن أثر كيميائي للطعام كان قد تم امتصاصه داخل العظام ووجدوا بين الجزيئات المبخرة نسبة عالية من نظائر عنصر الكربون 13 والذي يعد إشارة على نبات الذرة ومع أن نبات الذرة هو شائع في البيرو إلا أنه كان طعام الملوك في عهد الإنكا .
في الحقيقة يظهر فحص حبوب اللقاح للتربة الممتدة على مئات الشرفات أن اقل الطعام الذي كان يزرع في الموقع هو الذرة وكما وجد ( جون فيرانو) فإن الذرة تترك أثراً آخراً وهو أن الذرة مليئة بالكاربوهيدرات وهي ليست جيدة للأسنان لذا كان لديهم حالات كثيرة من التجويفات والخراج لذا مع أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا ملوكا إلا أنهم شقوا طريقهم لذرة الملوك كما أنهم لم يكونوا من أصحاب المهن الشاقة ...
فما الذي كانوا يفعلونه هنا ؟؟؟؟
ربما كانوا طاقم فندق كبير خدماً للملكية وكان هذا طاقماً كبيراً استطاع (فيرانو) بالنهاية تحديد 177 فرداً والدليل الذي يشير إلى أن ماتشو بيتشو كانت عقارا ملكيا للإمبراطور باتشاكوتي وكان هذا ملجأ أمن يأوي إليه هو وحاشيته طلباً للراحة وللعبادة وللاستمتاع بوقتهم وتم قضاء حوائجهم من خدم ملكي مدربين بشكل جيد ، لكن الاكتشافات الجديدة في الضريح في المركز الزراعي القريب من مدينة باتاياكتا لا تبدوا متلائمة مع الصورة المتخيلة المسالمة فالإصابات الشديدة التي أصيبت بها الهياكل العظمية تقترح ارتباط الماتشو بيتشو بالنزاعات والحروب
إذاً كيف يمكن أن تكون مكانا للحرب والسلام ؟
وفقا للتقارير الإسبانية فقد احتل الإنكا هذا الوادي قبل عقد من تولي باتشاكوتي للسلطة لذا ربما قام ببنائها بطريقة لإنهاء احتلاله، إذاً فقد كانت الماتشو بيتشو رمزاً عظيماً لقوة الإنكا مصدر زهوا مدهش لباتشاكوتي ليس بحنكتهم في الهندسة فحسب بل لارتباطهم السامي بالجبال والأنهار المقدسة ومع ذلك إن كان لهذا المكان دوراً في الأهمية في السيطرة على القوة الدينية والعسكرية للإنكا. فلما لم يمحيه الإسبان عن وجه الأرض كما فعلوا بمواقع الإنكا الأخرى؟ ولما لم يتم وصفه قط في أي من السجلات الإسبانية؟
توفي باتشاكوتي في عام 1471 لكنه لم يدفن بل تم تحنيطه تفاصيل العملية غير معروفة لكن إحدى النظريات تقترح أن جسده تم تجميده ومن ثم تجفيفه تدريجياً حيث ترك تحت أشعة الشمس الحارقة لأيام ليتجمد في نهاية اليوم أثناء الليل وعبر عمليات التسخين والتجميد والإذابة المتكررة تجف الجثة بالكامل والأمر المثير للغرابة أن هذه الطريقة مشابهة للطريقة التي يحفظ بها سكان الكاتشوا لحم اللاما وتكون النتيجة اللحم المقدد وبعد حفظ جثة باتشاكوتي لم يتم وضعها في القبر بل كان يواصل لعب دوراً فعال في ممارسة سياسة وطقوس عالم الإنكا، قام رسام من الإنكا يدعى (غوالا بوما ) بعمل الرسومات مؤكداً على استخدام الموميائت مثل هذه الطريقة ، كان الاهتمام بالموميائات ورعايتها هي من مهمة أفراد عائلة تدعى باناكا الذين أيضا كانوا يديرون جميع ممتلكات الملك لكن مع مرور الوقت حتى عائلة باناكا التابعة لباتشاكوتي كانت مصادرها ستنفذ ، فقد قل العمل في ماتشو بيتشو ومن ثم توقف تماماً فكانت لسلالة باتشاكوتي اهتمامات أكثر إلحاحاً فحتى قبل الاحتلال الأسباني اجتاحهم مرض الجدري وتبعهم حروب أهليه دامية عديدة مما ترك إمبراطورية لإنكا ضعيفة ومنقسمة.
بعد مرور 60 عاما من وفاة باتشاكوتي انهارت إمبراطورية الإنكا تحت اجتياح الإسبان وفي ذلك الوقت بدا الجميع أنهم قد نسوا أمر ماتشو بيتشو ما عدا خدم الملوك ومع مرور الوقت حتى هم أنفسهم انجرفوا مع التيار لهذا لم يسمع الإسبان عن ماتشو بيتشو على الأغلب والأهم من هذا أنهم لم يجدوها قط بل كان اكتشافها من حظنا نحن ما يعني أن ماتشو بيتشو إحدى أهم مواقع الإنكا العظيمة لم يتم مساسها ومع أنها تحمل أسرار مربكة إلا أن لها مستقبل واعد حيث تسمح لنا التكنولوجيا والاكتشافات الجديدة بالتوصل إلى تفاهم مع أشباح ماتشو بيتشو .
المصدر:
هنا