20 _ متلازمة غيلان باريه Guillain-Barre syndrome
الطب >>>> متلازمات طبية
متلازمة غيلان باريه Guillain-Barré syndrome (GBS) يطلق عليها أيضاً التهابُ الأعصابِ الحادِّ المزيل للنخاعين (acute inflammatory demyelinating polyneuropathy "AIDP") تُعرف متلازمةُ غيلان باريه بأنّها اضطرابٌ نادرٌ في الجهازِ المناعي يحثّه على مهاجمةِ الخلايا العصبية في الجسم، حيث يتوجه الجهازُ المناعيُّ هنا لمهاجمةِ الخلايا العصبية السليمة بدلاً من قيامِه بوظيفتِه الطبيعية وهي محاربةُ العوامل الممرضة الخارجية والأجسام الغريبة، مما يسبب أذيةَ غمدِ النخاعين المغلِّف للأعصابِ المحيطيةِ المحركة، وكذلك الأعصابِ المسؤولة ِعن نقلِ حسِّ الألمِ ودرجةِ الحرارةِ واللمسِ ويمنعها بذلك من نقلِ الإشاراتِ العصبيةِ من وإلى الدماغ، هذا يتسبب بضعف وفقدانِ الحس في الطرفين العلويين أو السفليين، وقد تبينَ أنّ أعراضه تبدأ عادةً بضعفٍ عام وإحساسٍ بالخدر والتنميل في الأطراف، ولكن بسببِ انتشاره السريع في الجسم فإن هذه الأعراض غالباً ما تنتهي بشللٍ عام ممّا يجعله حالةً تستوجب دخولَ المستشفى للمراقبةِ وتلقي العلاج في معظمِ الحالات.
الشيوع:
يمكن للمتلازمةِ أن تصيبَ أي شخص، بغض النظرِ عن عمرِه وجنسِه، ولكنها أكثرُ شيوعاً لدى الذكور بنسبة 5 إلى 1 من الإناث، وبذروتي حدوث عمريتين 15-35 و 50 -70، وتعد متلازمةً نادرة، حيث تصيبُ فرداً واحداً من بين كل 100 ألف فرد.
الأسباب:
ما زال السببُ الدقيقُ لهذه المتلازمةِ مجهولاً حتى الآن، إلا أنها غالباً ما تتلو أمراضاً إنتانية مثل التهابات الطرق التنفسية والإنتانات الهضمية، وتم توثيقُ العديدِ من العوامل الإنتانيةِ المؤهبةِ لحدوثها نذكر منها:
- العطيفية الصائمية Campylobacter jejuni: وهي نوعٌ من أنواع البكتريا التي تسبب إنتاناتٍ خطرةً في الصائم (الجزء العلوي من المعي الدقيق)، بالإضافة لإحداثها إنتاناتٍ عديدة في الطرق التنفسيةِ والهضمية، وتعتبر من أهم العوامل التي تؤهب لحدوثِ متلازمة غيلان باريه وتطورها.
- الفيروس المضخم للخلايا CMV : يأتي في المرتبة الثانية بعد البكتريا C.jejuni ، ويعتبر من أهم الفيروسات المؤهبة لمتلازمة غيلان باريه، يتميزُ بإحداثِه إنتاناتٍ في الطرق التنفسية وذات رئة بالإضافة لأعراضٍ نزليةٍ غير نوعية.
- عوامل ممرضة أخرى تضم فيروس عوز المناعة المكتسب HIV المسببَ لمرض الإيدز والفيروس النطاقي الحماقي VZV وفيروس إيبشتاين بارEBV وفيروسات الأنفلونزا ونظيرة الأنفلونزا وغيرها.
- بعض اللقاحات: حيث بينت دراساتٌ وإحصائياتٌ أُجريت في فتراتٍ مختلفة وجودَ علاقةٍ بين لقاحِ الكزاز ولقاحِ المكورات السحائيةِ والإصابةِ بمتلازمةِ غيلان باريه. في حين لم تظهر علاقةٌ تربط بين لقاحاتٍ أخرى كلقاحِ الحصبة والتهاب الكبد B وهذه المتلازمة.
- بعض الأدوية: مثل المضاداتِ الحيويةِ وأهمها البنسلينات والفلوروكينولونات، وأدوية التهاب المفاصل الرثوي، وخافضات الضغط والمخدرات الوريدية.
- أسباب أخرى: تتضمن الجراحة، والرضوض، والحمل، والسمنة، وزرع الكلى، والتخدير فوق الجافية، والصدمات النفسية، ولدغات الأفاعي، والساركوئيد، والذئبة الحمامية الجهازية (وهو مرض مناعي) وسرطانات الغدد اللمفاوية.
التشخيص:
يتوجه الطبيب عادةً نحو التشخيص من خلال القصةِ السريرية والاختباراتِ الفيزيائية، والأعراض والعلامات (الأعراض هي ما يمكن للمريض أن يشعر به، والعلامات هي ما يمكن للطبيب أن يتحراه ويقوم بقياسه)، ويكون تشخيص متلازمة غيلان باريه في المراحل المبكرةِ صعباً، حيث تتنوعُ أعراضُها وعلاماتُها، وتتشابه مع الكثير من الاضطراباتِ العصبية، كما أنها قد تتباين بين شخص وآخر.
أول أعراض متلازمة غيلان باريه عادةً هو الضعفُ العضلي والشعورُ بوخزٍ يشبه وخزَ الإبر في القدمين أو اليدين، مما يؤدي للتأرجحِ في المشي (مشية مترنحة) أو انعدامِ القدرةِ على المشي وصعودِ السلالم، ومن ثم ينتشر هذا الضعفُ العضلي وحسُّ الوخز في معظم الحالاتِ نحو الأجزاءِ العلويةِ من الجسم، كذلك قد تظهر صعوبةٌ في حركاتِ العينين والوجهِ مثل المضغِ والبلع والكلام، وفي بعض الحالاتِ ألمٌ واخز أو تشنجي يشتدُّ في الليل. ومن الممكن أيضاً ظهورُ سلسٍ بولي، وتسرعٍ في ضربات القلب، وعسرة تنفس.
كما تظهر الفحوصُ الفيزيائية التي يستعينُ بها الطبيبُ ضعفاً عضلياً متناظراً في الأطراف، وغياباً أو اشتداداً في بعض المنعكسات، ونقصاً في سعة التنفس (يدل على إصابة العضلات التنفسية)، وكذلك الاضطرابات في النظم القلبي، وعدم استقرار ضغط الدم.
أما بعد التوجه ووضع التشخيصِ التفريقي من خلال استجوابِ المريضِ والفحص الدقيق، يلجأ الطبيب عادةً لما يلي:
البزل القطني LP: يتم سحبُ كميةٍ صغيرةٍ من السائل الدماغي الشوكي الموجود في القناة الشوكية، باستخدام إبرةِ بزلٍ خاصة تدخل في المنطقة القطنية (أسفل الظهر)، ثم تجرى اختباراتٌ مختلفة على هذا السائل يتم من خلالها وضع التشخيص حيث تظهر تبدلاتٌ نوعيةٌ في السائل الدماغي الشوكي لدى مرضى غيلان باريه، فترتفع نسبةُ البروتين في السائل كانعكاسٍ للالتهاب المنتشر الذي يصيب جذورَ الأعصاب لدى مرضى الطورِ الحادِ ولا ترتفع الكرياتُ البيض (يعتبر هذا المفتاح المميز للتشخيص – ارتفاع بروتين السائل الدماغي الشوكي دون ارتفاع تعداد الكريات البيض-)، كما تُستبعَد الأسبابُ الأخرى الإنتانية وغيرها والتي من الممكن أن تتسبب بظهور هذه الأعراض.
Image: http://www.lymphomas.org.uk
تخطيط العضلات الكهربائي EMG: تُغرَس الكترودات على شكلِ إبر رفيعة في العضلاتِ المراد دراستها، حيث يقدم هذا الاختبار معلومات عن الفعالية العصبية في هذه العضلات، ويلعب دوراً هاماً في وضعِ التشخيص.
Image: http://nursingcrib.com
اختبارات التوصيل العصبي NCS: هنا توضع الإلكترودات على سطح الجلد، ثم تُمرَّر دفعاتٌ كهربائية عبر العصب لقياس سرعة الإشارات العصبية، فالسيالة العصبية لدى مرضى غيلان باريه تنتقل بسرعة أقل.
Image: http://www.hopkinsmedicine.org
التصوير الشعاعي: يمكن استخدامُ طرقِ التصويرِ الشعاعي، كالرنين المغناطيسي MRI والتصويرِ المقطعيِّ المحوسب (الطبقي المحوري) CT للنخاع الشوكي، فتساعد هذه الطرق في استبعادِ الأسبابِ الأخرى المسببة لاعتلال النخاعين، كما تلعب دوراً رئيسياً في وضع تشخيصٍ لمتلازمة غيلان باريه.
Image: https://static.healthcare.siemens.com
التصوير المقطعي المحوسب CT
العلاج:
من الضروري مراقبةُ المصابين بمتلازمة غيلان باريه في المشفى، ولكن لا يوجد حتى اللحظة علاجٌ نوعيٌّ وفعال لهذه المتلازمة، إلا أنه هنالك بعضُ الخطط العلاجية الداعمة التي تفيدُ في تسريعِ الشفاءِ ومنعِ تطورِ المرضِ وظهورِ المضاعفات، وهذا يتضمن مراقبةَ النبضِ والتنفسِ والضغطِ الشرياني والتغذيةِ السليمة، وفي الحالاتِ التي تتطورُ فيها صعوبةٌ في التنفس نتيجة إصابةِ العضلات التنفسية، يوضع المريض على التهويةِ الآلية (المنفسة) ويدعم بالأوكسجين، بالإضافةِ إلى إعطاء مضاداتِ التخثرِ كالهيبارين منعاً لتشكل الخثرات السادة للأوعية، وكذلك الصاداتِ الحيوية وقايةً من الإنتانات.
كما يتم اللجوءُ إلى العلاجِ الفيزيائي بعد الطورِ الحاد من المرض، لإعادةِ تأهيلِ العضلاتِ الضامرةِ نتيجة عدم الحركة.
ونظراً لطبيعة المرض المناعية الذاتية، من الممكن اللجوء إلى العلاجات المناعية:
- فصادة البلازما (تبديل البلازما): يتم فيها فصلُ البلازما عن بقيةِ مكوناتِ الدم الخلوية، ومن ثم تقوم الخلايا الدمويةُ في الجسم بتصنيعِ كميةٍ جديدة من البلازما لتعويضِ ما تم إزالته منها، حيث تفيد هذه الطريقة في تخليصِ البلازما من الأجسامِ المضادة والتي تلعب الدورَ الرئيسي في الهجوم المناعي على الأعصاب المحيطية.
- الغلوبيولينات المناعية: وهنا يتم إعطاء المرضى جرعاتٍ عاليةٍ من الغلوبيولينات المناعية السليمة المأخوذة من دم المتبرعين الأصحاء، وذلك عن طريق الوريد.
ويمكن في بعضِ الحالاتِ استخدامُ الأدويةِ المثبطةِ للمناعةِ كالكورتيزون.
غالباً ما تتطورُ أعراضُ المرضِ بعد أولى التظاهرات السريريةِ خلال ساعاتٍ أو أيام أو أسابيع، لتصل الأعراضُ إلى ذروتها خلال أسبوعين إلى أربعة أسابيع لدى معظم المرضى، وتتراجع هذه الأعراض عادةً خلال فترةٍ تتراوح بين 6-12 شهراً، ولكن قد يستغرق بعض المرضى وخاصةً المسنون سنيناً عديدة، حيث لوحظ أنّ حوالي 80% من البالغين يستعيدون القدرة على المشي خلال 6 أشهر من تشخيص المرض، وحوالي 5-10% يستغرقون مدة طويلة للغاية قبل أن تظهر عليهم علامات ُ التحسن والشفاء، في حين نجد أن الأطفالَ يملكون قدرةً أسرع على الشفاء والتعافي من البالغين والعكس صحيح لدى المسنين.
في حين أن معظمَ المصابين بمتلازمة غيلان باريه يتماثلون للشفاء حتى في أشدِّ الحالات، فإن بعضهم يستمر بالمعاناةِ من درجاتٍ مختلفة من الضعف العضلي، وتبقى الحالات الأشد من هذه المتلازمة نادرةً ولكنها من الممكن أن تتسبب بشللٍ تام تقريباً، أو حتى الموت في حوالي 3-5% من الحالات نتيجة المضاعفاتِ التي تتضمن شللَ العضلاتِ التنفسية، وإنتان (تجرثم) الدم، والصمة الرئوية، وتوقف القلب.
ونشاهد النكس بعد الهجمة الحادة للمرض في حوالي 3% من الحالات، كما يعاني المرضى من مشاكل نفسية وعاطفية بسبب صعوبةِ التأقلم مع الشلل واعتمادِهم على الآخرين، مما يستدعي التأهيل النفسي والعاطفي لهؤلاء المرضى.
المصادر:
هنا
هنا
هنا