مراجعة كتاب (داروين مترددًا)؛ صاحب نظرية التطور.. مترددًا
كتاب >>>> الكتب العلمية
إن هذا الكتاب هو قارب جميل ينقلك إلى ضفة داروين ويُعرفك داروين الإنسان المرهف الحسِّ والباحث العملاق والأب المكلوم والزوج السعيد والرجل الذي لا يفارقه المرض مطلقًا.
جاء الكتاب في سبعة فصول، وحمل كل فصل منها عنوانًا لطيفًا ذا مغزى مقروناً بتاريخ فترة زمنية من حياة داروين يتناولها هذا الفصل بالبحث.
يُدعى الفصل الأول "البناء يتهاوى": يتحدث فيه الكاتب عن انتهاء رحلة داروين على متن السفينة الملكية "بيجل" التي استمرت خمس سنوات والتي وكانت مَهمتها رسم الحدود البريطانية، وكانت وجهة هذه السفينة القارة الأمريكية. ويشرح الكاتب في هذا الفصل بدايات تدوين داروين ملاحظاته عن الكائنات الحية وتَشكُّل المعالم البدائية لفكرة تطور الأنواع، وعندها لم يكن واثقًا جدًّا من نظريته، وأقرَّ في نفسه بأنه لو صدقت هذه الملاحظات لتهاوى البناء (والبناء هنا هو التاريخ الطبيعي اللاهوتي).
وفي الفصل الثاني "بيضة الكيوي": يُشبه ديفيد كوامن -مؤلف الكتاب- داروين بأنثى طائر الكيوي؛ فهي تحمل بيضة تُعادل أكثر من 20% من حجم جسمها، وهو حجم بيضة هائل جدًّا! وهذه البيضة هي نظرية داورين في التطور؛ ولكن كان داروين مترددًا جدًّا في الإفصاح عنها لأنه كان يُنشد الكمال ويرى أنَّ الوقت لم يحن بعد.
في الفصل الثالث "نقطة ارتباط": يزداد يقين داروين بنظريته وتتراكم لديه الأدلّة عن قانون الانتخاب الطبيعي. ونجد في هذا الفصل دارون الباحثَ العملاقَ الصبورَ الذي لا يرى نفسه إلا على طاولة البحث يدرس نظريته على الرغم من الآلام الشديدة التي يُعانيها والتي لم تفارقه طيلة حياته، ولم يتحدد هذا المرض بل وُصِف بأنه موجات من التقيؤ وآلام حادة في المعدة لم يجد لها دواءً قط.
أما مفاجئة الكتاب فكانت في الفصل الرابع "بطة للسيد داروين": فقد أرسل السيد ألفريد والاس هذه البطة إلى تشارلز داورين، وألفريد والاس هذا هو جامع عيِّنات طبيعية من حيوانات ونباتات نادرة من جميع أنحاء العالم ويبيعها في إنكلترا. والمفاجأة في الموضوع هو أن والاس أرسل إلى السيد داروين ورقةً بحثيةً فيها كثير من أفكار داروين عن التطور والانتخاب الطبيعي؛ الأمر الذي صعق داروين وأحسَّ بأن هناك من سبقه إلى النظرية. ويقول في ذلك تشارلز ليل أشهر عالم طبيعي في إنكلترا في تلك الفترة: "إن هذين العالمين أشبه بكلبَي صيد يُطاردان الفريسة نفسها".
يُشكِّل الفصل الخامس لبَّ الكتاب، ويُدعى "كتابه الكريه"؛ والمقصود هو كتاب أصل الأنواع الذي كتبه داروين على عجل لكي يسبق والاس ولكي تُنشر النظرية باسمه، ولم يكن هذا الكتاب طموحَ داروين مطلقًا؛ إذ كان يُخطِّط لكتاب ضخم جدًّا يُشبه الموسوعة ويدعى "الانتخاب الطبيعي" ولكن؛ لم يكتمل هذا العمل مطلقًا.
ونجد في هذا الفصل شرحًا وافيًا لكتاب أصل الأنواع والتعديلات التي طرأت على الطبعات الكثيرة له.
الفصل السادس "فكرة الأصلح": يورد المؤلف الانتقادات التي وُجِّهت إلى نظرية التطور تاريخيًّا حتى وصل إلى العصر الحديث، وبيَّن أن التطور موجود ولكن ليس بالانتخاب الطبيعي وحده، وأنَّ مصدر التغايرات في السلالات هو ما عُرف باسم الطفرات الوراثية. والجدير بالذكر هنا هو أنَّ عبارة "البقاء للأصلح" ليست داروينية؛ بل هي عبارة العالم هربرت سبنسر المشهورة، وهي مرادف تقريبي للانتخاب الطبيعي.
في الفصل الأخير "الخنفساء الأخيرة"؛ يبرز الجانب الإنساني العميق في حياة داروين، وفي هذا الفصل نتعرَّف دقائقَ شخصية في حياة داروين وأهمّ المؤلفات التي تناولت سيرته الذاتية وحقيقة إيمانه وضجره من كثرة التعليقات السلبية التي وردت على نظريته أيضًا.
إنَّ كتاب "داروين مترددًا" هو كتاب ممتع إلى أبعد الحدود، وقد جاء عملًا علميًّا غلب عليه الطابع الأدبي بلغة فيها كثير من العاطفة والرومانسية؛ إذ لم يحمل في طيَّاته جدِّية الأعمال العلمية مطلقًا؛ ولكنه كان يشرح إرهاصات النظرية التي كانت تدور في رأس داروين ويحدِّثنا في الوقت ذاته عن قصة زواجه السعيد من ابنة خالته إيما وعن أولاد داروين الكُثُر وعن ابنته آني التي ماتت في سنّ العشر سنوات؛ هذه الحادثة التي كانت سببًا أساسيًّا في معتقدات داروين الدينية، ولقد كان هذا التشابك في الأحداث والسرد على طول صفحات الكتاب.
وصدق الكاتب عندما قال: "لو كان المجتمع العلمي هو الذي يُصدر النقود؛ لكان من المسلَّم به أن تُوضع صورة وجه داروين على الدولار".
معلومات الكتاب:
الكتاب: داروين مترددًا.
تأليف: دايفيد كوامن.
ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي.
دار النشر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة-القاهرة.
نوعية الكتاب: ورقي 256 صفحة قطع متوسط.
الترقيم الدولي: 2-200-719-977-978