الآلهة و العقائد و الميثولوجيا الكنعانية-الأوغاريتية ... الجزء الأول
التاريخ وعلم الآثار >>>> تحقيقات ووقائع تاريخية
سيشمل هذا البحث البسيط في الميثولوجيا الأوغاريتية عرض مختصر لبعض الأساطير و القصص و الآلهة التي كتبت في تلك الفترة مع مناقشة بعض الأسس الاجتماعية و النفسية لهذه المعتقدات دون الخوض في الكثير من الطقوس الدينية التي سادت في تلك الفترة لأن ذلك قد يحتاج الى كتب كاملة لشرح و تفسير ما قام به هذا الشعب من طقوس على مدى الألف عام تقريباً .
قصة الاكتشاف :
ما إن وصل نبأ الاكتشاف الأثري في منطقة رأس شمرا حتى سارعت السلطات الفرنسية المنتدبة إلى إرسال بعثة للتدقيق في الأمر. وتلت ذلك (11) حملة تنقيب بين 1929 و1939 تحت إشراف العالم الأثري شيفر، واستتبع التنقيب بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد وجدت في أوغاريت آلاف اللوحات معظمها في أو حول المكتبة المرتبطة بهيكل البعل (وقد وجدت هذه خلال حملة التنقيب الثانية عام 1930)، وغرفة السجلات في القصر الملكي (وقد وجدت هذه خلال حملتي التنقيب العاشرة والحادية عشرة 1938-1939)، و وجدت لوحات أخرى أقل عدداً في أوقات متفرقة. وتتنوع لوحات أوغاريت بمحتواها، فغدا الأناشيد والملاحم هناك لوائح بأسماء الآلهة والتقدمات، ولوائح لغوية، ولوائح بأسماء المدن والممالك والمؤسسات والأشخاص، كما وأن هناك نصوصاً في الطب البيطري ووثائق تجارية واقتصادية ورسائل شخصية ورسمية. وقد كتبت هذه اللوحات بلغات متعددة، منها الأكادية والسومرية والحورية والأوغاريتية. وقد كتبت بالأسلوب المسماري إما على الأساس المقطعي أو على الأساس الأبجدي. وقد عثر على جل اللوحات في مستوى أثري يقع تاريخياً بين القرن السادس عشر والقرن الثاني عشر قبل المسيح. أما اللوحات المتعلقة بالبعل فبالإمكان تحديد موعد كتابتها بدقة أكثر بفضل تعيين اسم كاتبها على بعض الألواح وهو إيليميلك الشوباني الذي حررها على أساس إملاء رئيس كهنة هيكل البعل على عهد ملك أوغاريت نقماد.
لقد شغلت نصوص أوغاريت المتعلقة بالبعل الدارسين، وظهرت ترجمات عديدة لها إلى معظم اللغات الحية وبحوث مستفيضة حولها و قد نتج التكاثر في الترجمات عن طبيعة اللقى الأثرية ومصادفات التنقيب ، فاللوحات المتعلقة بالبعل عديدة وكثير منها أصاب أقساماً منه التلف، والترتيب القديم الأصلي للوحات المتعلقة بالبعل على مدى سنوات متفرقة، (1930، 1931، 1933، 1929). وفقدان مقاطع كبيرة من بعض اللوحات وفقدان لوحات كاملة من المجموعة يمنع من الوصول إلى ترتيب ثابت لمجرى أحداث الأناشيد.
وعندما تفتقد الوقائع يكثر الافتراض. أضف إلى ذلك الصعوبات المتعلقة باللغة التي كتبت بها اللوحات، ونحا الكثير من الباحثين إلى قراءة هذه اللوحات بخلفية مشبعة بالعبرانية وآدابها. فقد كان همّ الباحثين الأوائل الاستفادة من النصوص الأوغاريتية لإلقاء أضواء جديدة على التوراة والديانتين اليهودية والمسيحية دون تدبر موضوعي مستقل لمعاني هذه النصوص. والمفارقة الكبرى هي أنه رغم كون العبرانية والأوغاريتية تنتميان إلى عائلة واحدة من اللغات. إلا أن العربية هي الأقرب في تصويتاتها إلى الأوغاريتية من العبرانية وفينيقية الألف الأول قبل المسيح والآرامية. وبما أن القاموس العربي هو بالحقيقة متحف واسع للكلمات القديمة والحديثة، فهو لذلك المرجع الأفضل لفهم بعض الكلمات والتعابير الأوغاريتية القديمة .
تعريف بالكنعانيين و الأوغاريتيين
الاسم الأكدي: يرى بعض المؤرخين أنه ربما كان الاسم الأكدي (كناجي أو كناخني ) الذي أطلقه البابليون عليهم، والذي ظهر في رسائل (تل العمارنة ) في مصر، هو أصل هذه التسمية والذي يعني اللون الأحمر الأرجواني.
الاسم المصري: ورد اسم (بي كنعان) عند المصريين للدلالة على المناطق الجنوبية والغربية من سوريا. وكذلك استعمل المصريون منذ عصر الدولة القديمة كلمة (فنخو) للدلالة على شعب من شعوب الشام، وقد يكون أن الإغريق استعملوا هذا اللفظ وحوروه الى (فويفكس) للدلالة على (فينيقيا ) ولفظ (فويفيكن) للدلالة على الفينيقيين.
الاسم الكنعاني: استعمل الكنعانيون أنفسهم الكلمة السابقة للدلالة عليهم في بعض الأحيان.. ويؤيد ذلك نص الملك (أدريمي) ملك ( الالاخ) وهي مملكة كنعانية ازدهرت في شمال غرب سوريا قرب أنطاكيا، وذلك في النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد
الاسم العبري: تعني كلمة كنعان باللغة العبرية، بلاد الأرجوان، ولكن جذر(ك ن ع) تعني بالعبرية انخفض.. وهذا يشير الى أنهم سكان البلاد المنخفضة وهي القريبة من نهر الأردن.
الاسم العربي: لا يختلف اللفظ العربي والجذر كثيرا عن العبري ف (خنع وقنع و كنع ) تعني الهبوط والانخفاض والتواضع.
الاسم الحوري: يرى بعض الباحثين أن أصل كلمة كنعان مشتق من كلمة حورية هي (كناجي) أي الصبغة الأرجوانية أو القرمزية التي اشتهر الكنعانيون بصناعتها.. ولا يعرف عما إذا كان الحوريون هم من أخذ عن الأكديين تلك التسمية أم الأخيرون قد أخذوها عنهم.
الاسم الإغريقي: ربما حور الإغريق الكلمة المصرية (فنخو) التي تحولت الى (فينيكس ) للدلالة على الفينيقيين، وهي تعني اللون الأحمر.. وإن تأكد ذلك فإننا في صدد الحديث عن حضارة واحدة وهي الكنعانية أو الفينيقية.
الاسم الروماني: استعمل الرومان كلمة بوني (Poeni) للدلالة على الفينيقيين الغربيين (القرطاجيين) في إفريقيا.. وهي كلمة تعني اللون الأحمر الأرجواني أيضا.. وهذا يؤكد التقارب القديم ما بين مغارب أفريقيا و شرق البحر المتوسط.. ويفسر الاستعداد للتلاقح الحضاري والثقافي بينهما.
وعلى أي حال إن كانت فينيق تعني الطائر الأسطوري الذي يطير من بين الرماد والذي كان يرمز له المصريون القدماء بطائر اللقلق، أو كانت تعني الأرجوان، أو النخلة كما في بعض الأبحاث فنحن نتحدث عن حضارة تغلغلت منذ أربعة آلاف عام في عموم المنطقة التي يطلق عليها الآن اسم الوطن العربي.
أهمية التعريف بالكنعانيين :
إن البعد الزمني لنشأة الكنعانيين والذي يصل الى حوالي خمسة آلاف سنة، يجعل من عملية تصور بداية النشأة أمرا عسيرا للقارئ، ويلجأ العلماء لمعرفة القرابة بين الشعوب و الحضارات، من خلال دراسة الأساطير (الميثولوجيا) لتتبع تلك العلاقات وتشابهها و لذلك أهمية هائلة ، فلكي نحصل على خريطة واضحة لهذا التاريخ الطويل و المليء بالأحداث و الانجازات الفكرية يجب علينا ان نقوم بعملية ربط لكل ما نحصل عليه من الرقم الأثرية ، و تحديد هذه الشعوب و سماتها العامة و ملكيتها الفكرية قد يكون في أي لحظة عامل تاريخي و علمي حاسم يقف في وجه الكثير ممن يحاولون استخدام التاريخ المغلوط لانشاء صراعات سياسة و لتبرير حروب طويلة و جرائم انسانية كما حصل و يحصل اليوم في فلسطين و الزعم بملكية الأرض لأصحاب معتقد ما و ليس لشعب ما و هي كارثة حقيقية .
المصادر:
الحياة الدينية في المجتمع الأوغاريتي\ حكيم صالح. دمشق: المديرية العامة للآثار والمتاحف ،2010
أناشيد البعل\ حسني حداد ، د. سليم مجاعص. بيروت: امواج للنشر و التوزيع، 1995
المعتقدات الكنعانية\ خزعل الماجدي. عمان: دار الشروق، 2001
قاموس الآلهة و الأساطير\ ف.رولينغ، محمد وليد خياطة. ط1. دمشق: الأهالي للطباعة و النشر، 1987.
مغامرة العقل الأولى\ فراس السواح. دمشق: دار علاء الدين، 1978.
دين الانسان\ فراس السواح. دمشق: دار علاء الدين، 2002.