الحثييون... أسياد الأناضول الأعظم (الجزء الأول)
التاريخ وعلم الآثار >>>> التاريخ
يعود أصل الحثيين إلى سلفهم حيث بن كنعان، حيث أسسوا حضارة عُرفت بالحضارة الحثية ووسعوا أراضيهم إلى امبراطورية نافست وهددت عظمة المصريين القدماء. أخذت مجموعة من القبائل المتحدثة باللغة الهندو أوروبية في بداية الأمر بتأسيس قوة مسيطرة في الأناضول فاختاروا منطقة بوغاز كوي في تركيا كعاصمة لهم، وهي مدينة محصنة على نحو كبير تقع على منحدر متموضع بين وديان عديدة، ويسمى الملك الذي جعل من هذا المكان عاصمة له باسم هاتوسيليس الأول (Hattusilis I) اشتهر بطموحه بالتوسع جنوباً وشرقاً بجيوشه الكبيرة حيث استطاع الوصول إلى الشمال السوري متابعاً إلى سواحل البحر المتوسط.
سعى الملك أيضاً إلى تحسين المستوى الثقافي والحضاري لإمبراطوريته حيث جلب معه من سوريا فريقاً من الخبراء في الكتابة المسمارية من أجل توثيق وتسجيل الحضارة الهندو أوروبية، وقد تم اكتشاف الألواح الطينية في القرن العشرين متضمنة المعلومات التي تُعد أساس معرفتنا بالحثيين.
قسم الباحثون المعاصرون المناطق التي خضعت لسيطرة الحثيين معتمدين على فترتين زمنيتين بارزتين في تاريخ الامبراطورية، عُرفت الأولى بالمملكة القديمة 1700 – 1500 ق.م. وعُرفت الثانية بالمملكة الحديثة وسُميت باسم الامبراطورية الحثية وذلك من 1400-1200 ق.م.
امتدت فترة قرابة المائة عام بين الفترتين السابقتين يسميها البعض بفترة المملكة المتوسطة، واشتهرت بكونها العصر الأسود في التاريخ الحثي تبعاً لانهيارات المملكة المتكررة على جبهات القتال وخسارتها لكثير من الأراضي واستلام حكام شاع صيتهم بعدم الحنكة والقوة.
قلما عرف عن الحثيين لولا الوثائق المصرية القليلة وذلك حتى القرن التاسع عشر عندما بدأت أعمال التنقيب في منطقة بوغاز كوي في تركيا. ويصف المؤرخ كريستوفر سكار المدينة المكتشفة بأنها حصن يمتد على تضاريس صخرية مدعمة بالحصون العملاقة والمعابد المتقنة. ثم أصبحت مركزاً وعاصمة لإمبراطورية قوية غطت الأناضول واجتاحت أراض واسعة باتجاه سوريا ولبنان في الجنوب.
أسس هذه المدينة قبائل الـ هاتي HATTI في 2500 ق. م وربما كانت ثقافتهم هي القاعدة الأساس لامبراطورية الحثيين. بقيت هذه الحضارة مجهولة لحين اكتشاف كتاباتهم أولاً على يد المبشر الإيرلندي وليام رايت في 1884م، ومن بعده عالم الآثار الألماني هوغو فنكلير في 1906، وبحلول عام 1912 استطاع فنكلير اكتشاف عشرة آلاف لوح طيني تعود للأرشيف الملكي الحثي. حيث سجلوا على هذه الألواح تاريخهم وصفقاتهم التجارية وتمَّ فك رموزها بشكلٍ سريعٍ نسبياً على يد البروفسور التشيكي بيدريتش روزني في عام 1916م.
كشفت الألواح أيضاً معلومات مهمة جداً حول تنظيمهم السياسي والاجتماعي والثقافي والديني، فلم يكن الملك الحاكم فحسب بل كان قائداً عسكرياً وقاضياً بالإضافة لكونه نائب الإله على الأرض وبموته يصبح إلهاً هو الآخر.
يعتبر الحثيون أول من عمل بالحديد في الأناضول حيث استخدموه في الكثير من المجالات أبرزها صناعة الأسلحة الأمر الذي يفسر قدرتهم على التغلب واكتساح كل من عاداهم. يعد الحديد أقل قساوة من البرونز ولهذا أصبح له أهمية كبيرة باعتباره أحدث إنجاز تقني آنذاك، وأخذ الملوك يتفاخرون بامتلاكه وتبادلوه فيما بينهم كهدية ذات قيمة مميزة.
كان المجتمع الحثي إقطاعياً وزراعياً في الجوهر لكون أرض الأناضول وفيرة خصبة. كان الدين آنذاك معروفاً بأنه دين متسامح مع المشركين بآلهتهم رغم تعددها فقد شملت آلهة من الأناضول وسوريا وحرّان.
Image: ancient.eu
الشكل (1): تمثال هائل لأسد من البازلت عثر عليه في معبد عين دارة بالقرب من حلب في سوريا، يعود تاريخه للقرن 10-8 ق.م واكتشف في عام 1955م.
المملكة القديمة:
يوجد القليل من الوثائق التي تشرح تاريخ تلك الفترة ولكن تعتمد في أغلبها على وثيقة متميزة وحيدة وهي: "مرسوم تيليبينوس الدستوري"، تيليبينوس (Telipinus) هو أحد آخر ملوكها.
في البداية تربع الملك لابارناس (Labarnas) على العرش ثم انضم الى جانبه أبنائه وإخوته وقرابته في الدم وجنوده تحت راية دولة صغيرة، ولكن برغم ذلك كان قادراً على دحض وإخضاع أعدائه بالقوة أينما سار بجيوشه. دمّر الكثير من البلاد وأضعف أخرى، وبعد عودته من غزواته انطلق أبناؤه ليحكموا أجزاء المملكة واستمرت البلاد في الازدهار. وبهذا نرى أن الحثيين يعتبرون بداية تاريخهم يشرق مع الملك لابارناس.
ثم خلفه هاتوسيليس (Hattusilis) والذي كان يسمى ملك حاتوشا المدينة التي اتخذها عاصمة له. حكمَ ستَّ سنوات قام خلالها بالتوسع الكبير في الجهات الأربعة، ولكنه خلال السنة السادسة من حكمه وجدَ نفسه عرضة لمواجهة جيوش الحوريين في شمال سوريا المدعومين بجيوش مساندة من حلب، لم يستطع حسمَ عدائه مع حلب في أيام حياته فقد ذكر أنه عاد إلى موطنه إثر إصابة خطيرة واختار حفيده مورسيليس (Mursilis) وريثاً له وقد أثبت أنه اختيار حكيم.
عمل وريثه على الانتقام لمقتل جده بتصفية الحسابات مع حلب والتي دمرها بعد قضائه الساحق على جيوش الحوريين. وبعد هذا النصر العظيم أطلق بعثة استثنائية لمواجهة بابل، وقد ذكر تيليبينوس في كتابه أنه دمرها بالكامل. اغتيل مورسيليس في شباك مؤامرة حاكها هانتيلي (Hantili) وزيدانتا (Zidanta) لينهوا حكمه عام 1595 ق.م. وقد كانت الفترة التالية كارثية بامتياز على يد خليفته هانتيلي حيث اقتربت المملكة حينها الى حافة الهاوية والزوال، فقد استغل هانتيلي في الثلاثين سنة من حكمه منصبه العالي ليستمتع بالملذات، ومع الوقت ازداد زيدانتا غضباً حتى الانفجار وقام باغتياله هو وجميع من كان سيخلفه واستولى على العرش لعشر سنوات أخرى. إن الهدوء النسبي في الامبراطورية الواسعة التي أسسها هاتوسيليس لم يدم طولاً حتى أخذت بالتفكك والسقوط بسبب ازدياد المناطق الثائرة على الحكم وهكذا تنتهي المملكة القديمة خلال السنوات التالية.
سنتوقف في مقالنا هذا هنا وسنكمل في الجزء الثاني حديثنا عن مملكتهم الوسطى والحديثة وأوج قوتهم وأقسى اتساعهم من هنا
المصادر:
هنا
هنا
هنا