هل سنرى أطفالاً يتبعون وراثياً فقط لآبائهم المثليين يوماً؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
تشير التطورات الحديثة في أبحاث الخلايا الجذعية أن المستقبل سيمكننا من تخليق البويضات والحيوانات المنوية من الخلايا الجذعية البشرية من خلال عملية تدعى في المختبر بعملية تكوين الأمشاج* (IVG). سوف تسمح هذه الطريقة بعلاج بعض أشكال العقم غير القابلة للعلاج حالياً، وقد تسمح أيضاً بأن يكون للأزواج من نفس الجنس أطفالٌ مرتبطون بهم وراثياً، كأن تستطيع الخلايا المأخوذة من رجل واحد أن تُستخدم في تخليق بويضة يُمكن إخصابها بالحيوانات المنوية المنتجة طبيعياً من رجل آخر.
كيف تتم عملية تكوين الأمشاج لحل مشكلة أمٍ عقيمة وأبٍ خصب؟
يتم جلب المادة الوراثية من الأم من أحد خلاياها الجسمية وزرعها في بويضة منزوعة النواة أي باستبدال نواتها بنواة خلية جسمية من الأم العقيمة. يتم تخليق الجنين الناتج عن نمو هذه البويضة والذي يعتبر استنساخاً للأم وبمجرد وصول الجنين إلى مرحلة الكيسة الأريمية/ الأرومية (Blastocyst Stage) أو ما بعدها، يوقف نموه ويتم حصاد الخلايا الجذعية وتحفيزها لإنتاج بويضة ليتم بعد ذلك إخصابها من الأب قبل زراعتها في رحم الأم البديلة التي ستتولى مهمة الحمل حتى الولادة.
في الواقع فإن العملية آنفة الذكر لا تزال غير ممكنة ومجدية بالنسبة للبشر حتى الآن لكنها ستصبح كذلك قريباً، فقد أُحرز تقدم كبير على الفئران في هذا الصدد. أمكن الحصول على كِلا نوعَي الخلايا؛ الشبيهة بالحيوانات المنوية والشبيهة بالبويضات ابتداءً بالخلايا الجذعية الجنينية في المختبر. كما أمكن أيضاً إنتاج النسل الحيِّ الناتج عن إخصاب بويضة طبيعية لفأرة بخلايا شبيهة بالحيوانات المنوية القادمة من الخلايا الجذعية الجنينية.
يجدر القول أن كفاءة العملية منخفضة الفاعلية؛ فمع استخدام 210 بويضات و65 جنيناً تمت ولادة 12 حيواناً حيـّاً فقط، لكن ذلك لا يقلل من أهمية هذه الخطوة. كما أمكن أيضاً في أعمال لاحقة الحصول على الحيوانات المنوية الوظيفية من خلايا الأديم الظاهري لفأر، (الأديم الظاهر Epiblast: خلايا جذعية محفَّزة حُصِدت من الأجنة خلال فترة متأخرة قليلاً (بعد الزرع) مقارنةً بالخلايا الجذعية الجنينية التقليدية).
بالنسبة للبشر فالتقدم في تطبيق التقنية بطيءٌ إذا ما قورن بالفئران، لكن الباحثين تمكنوا من استخلاص الخلايا الجنسية الناضجة ابتداءً من الخلايا الجنينية الجذعية البشرية. لكنَّ اختبار الوظائف الإنجابية لهذه الخلايا يمثل تحدياً بسبب القيود الأخلاقية الموضوعة على الأبحاث المطبقة على الإنسان، مع ذلك فإن المزيد من التقدم العلمي مع التغييرات في القوانين، يمكن أن يؤدي لتخليق أمشاج وظيفية وأجنة قادرة على التطور الطبيعي. في نهاية المطاف سيكون علاج حالة العقم ممكناً.
بالطبع يوجد لهذه الطريقة مناهضون ورافضون لكن اعتراضاتهم يمكن أن تُحَل إذا ما كان بالإمكان تحويل خلية جسدية من الأم مباشرةً إلى خلية جذعية صالحة ليتم اشتقاق بويضة منها، وعلى الرغم من أن هذا الاحتمال هو الأكثر قبولاً إلا أنه ليس مثالياً فالخلية الجسدية للأم يمكن أن تُحفَّز لتصبح خلية غير ناضجة تحمل مواصفات الخلية الجذعية تدعى "الخلية الجذعية المُحدَثَة بالتحفيز" وليست خلية جذعية بالمعنى الدقيق.
إن حالة العقم التي تكون فيها الأم قد استأصلت الرحم والمبيضين (بسبب السرطان مثلاً) تشكل حالة مثالية لتطبيق هذه الطريقة من حيث أنها تشكل الأمل الوحيد. تتزايد رغبة الآباء في مثل هذه الحالات بالحصول على أطفال مرتبطين بهم وراثياً بدلاً من تبني الأطفال أو طلب مساعدة جهة مانحة للبويضات.
ليس هنا بيت القصيد:
مما يثير الريبة أو بالأحرى حماسة العاملين على هذا النوع من الأبحاث هو أنَّ تكوين الأمشاج سيسمح للآباء المثليين بالحصول على أطفال مرتبطين بهم وراثياً. لنفترض وجود حالة ذكرين يرغبان بإنجاب طفل دون مساعدة.
الأول (أحدهما) قادرٌ على إنتاج الحيوانات المنوية الطبيعية بوفرة لكن الآخر لا ينتج البويضات ولا يحمل الأطفال. يمكن التغلب على ذلك من الناحية النظرية والتقنية من خلال أخذ خلايا جسدية من أحدهما وتوليد الخلايا الجذعية منها ثم توليد البويضات منها وبعد أن تغدو ملقحة (بنطاف الأب الآخر) تزرع في رحم الأم البديلة.
الاعتراضات على الطريقة:
- الحاجة للحصول على البويضات من طرف ثالث؛
- تتضمن الآلية تخليقاً من ثمَ تدميراً لجنين بشري؛ كما تنطوي على عملية استنساخ والذي يشكل قضيةً بحد ذاته؛
- يشكك بعض الخبراء من إمكانية أن يصبح ذلك ممكناً في البشر أصلاً (يشككون في نجاحها)؛
- إن تخليق حيوانات منوية من خلايا الإناث سيكون صعباً في حالة المثليَّات الإناث لغياب الصبغي Y الحامل للجين المسؤول عن بدء تطوير الحيوانات المنوية.
- تكوين الأمشاج لمختلفي الجنس هي حالة علاجية بينما لمثلييه حالة تعزيزية (تكميلية) والأمر برمته منافٍ للتكاثر الطبيعي.
مع كل ذلك فإنه سيكون من الجرأة بمكان أن يصبح التكاثر ضمن نفس الجنس ممكناً من خلال تطوير أبحاث الخلايا الجذعية.
يردُّ مؤيدو الطريقة بالقول:
- إن حالة العقم عند زوجين من جنسين مختلفين قد تكون في بعض الأحيان من اختيارهم (عند إزالة الرحم أو عندما يكون الحل الزواج بآخرين) لكن في حالة مثليي الجنس فالعقم ليس من اختيارهم وبرأي القائمين على البحث فالطريقة أهم بالنسبة إليهم ويجب توظيفها في خدمتهم؛
- حرمان مثليي الجنس من هذه التقنية سيكون ضد مبدأ العدالة وتساوي الحريات.
لا شك أن الأبحاث المتعلقة بالعقم والإنجاب تلاقي اعتراضات أخلاقية قد تفوق العلمية أغلب الأحيان. يبقى لكم قرائنا الأعزاء أن تطرحوا رأيكم دون أن تنسوا الخدمة العظيمة التي قد تقدمها هذه الطريقة –في حال طبقت على البشر– للآباء مختلفي الجنس الذي يعاني أحدهما من عقم غير ممكن الشفاء.
للتوضيح:
(*) الأمشاج، الجاميتات أو الأعراس Gametes: هي الخلايا التي تندمج بأخرى أثناء الإخصاب في الكائنات الحية التي تتكاثر جنسياً وهي تحمل نصف المعلومات الوراثية للفرد (n=1)، أما الـ Gametogenesis فهي عملية تكوين الجاميتات التي تنقسم فيها الخلايا الابتدائية وتتمايز لتكوين جاميتات وحيدة الصيغة الصبغية. يكون الانقسام منصفاً (اختزالياً Meiosis) للخلايا ثنائية الصيغة الصبغية أو (متساوٍ Mitosis) لأحادياتها.
المصدر: هنا
مصدر الصورة: هنا