هل يمكن تجنُّب مخاطر السُمنة بتغيير أماكن توضّع الدّهون في الجسم؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم المورثات والوراثة
عند تناول الأطعمة غير الصحِّية، غالباً ما تتراكم الدّهون الحشويَّة حول الأعضاء الداخلية للجسم وخصوصاً المعدة، حيث تكون هذه الدهون مؤذية في المعدة تحديداً، فهي مرتبطة بمقاومة الأنسولين وبالتالي تطوُّر مرض السّكري من النّمط الثاني وكذلك أمراض القلب.
عن طريق تغيير جينات فئران التجارب، وتعطيل أحد البروتينات المرتبطة بالسُمنة؛ تمكّن علماءٌ في جامعة أكسفورد من منع تشكّل الدهون حول الأعضاء الدّاخلية لهذه الفئران، حتى في حال تناولها غذاءً غير صحيّ. وقد وجدت الدّراسة التي نُشِرت في " Nature Medicine" أنّ هذه الفئران المعدّلة وراثياً حافظت أيضاً على حساسيتها للأنسولين (التي غالبا ما تُعطِّلها السمنة)، على الرّغم من ازدياد وزنها.
تُظهر الدراسة أنّ تغيير تموضع ترسّب الدّهون من منطقة ما حول المعدة و جعله تحت الجلد يُحفِّز سلسلةً من الأحداث ينتج عنها الحفاظ على الحساسية للأنسولين و تقليل فُرَص الإصابة بداء السّكري من النّمط الثاني.
- ولكن كيف يحدث ذلك؟
من المعلوم للعلماء أنَّ الدهون الحشويَّة تستقطب نوعاً خاصّاً من البالعات الكبيرة من نوع M1)M1-type macrophages)، (وهي خلايا مناعيّة تُهاجم أماكن العدوى و الخلايا التّالفة)، وتُنتج هذه الخلايا بروتيناتٍ مؤذيةً تُحرِّض على مقاومة الأنسولين.
تقول البروفيسورة ايرينا أدلوفا من معهد كينيدي لأمراض الروماتيزم في جامعة أكسفورد: "لقد وجدنا سابقاً أنّ هناك بروتيناً يسمّى انترفيرون العامل التنظيمي الخامس و يُرمز له اختصاراً ب (IRF-5 )
يبدو وكأنّه يدفع البالعات الكبيرة لتتحوّل من النمط الأكثر مُسالمةً وهو النّمط M2 إلى النّمط الأكثر عدائيّة وهو النّمط M1"، و تضيف قائلةً:" لذلك، فقد تساءلنا ما إذا كان حذف IRF-5 سيكون ذا تأثيرٍ مفيدٍ".
و لاختبار هذه الفكرة، قام فريقا البحث بتغذية الفئران التي تفتقد المورثة التي تشفر للـ IRF-5 وفق نظامٍ غذائيّ صحيّ وآخرَ غنيّ بالدهون. وقد أشارت النتائج أنّه لم يكن هناك فرقاً بين الفئران الحاملة للتغييرات الوراثية وتلك التي لم يتم التعديل عليها، وذلك عندما تناولت كلتا المجموعتين غذاءً صحيّاً. كما ازداد وزن الفئران في كلتي المجموعتين عندما تناولت غذاءً عالي الدّسم. و لكن وُجِدَ أنّ الفئران ذات الجينات المعدّلة قد راكمت الدّهون تحت الجلد بدلاً من مراكمتها حول الأعضاء الدّاخلية (في المعدة). كما أنّ حجم الخلايا الدهنيّة في منطقة المعدة كان أصغر في هذه الفئران بسبب وجود ترسّبات من الكولاجين بنسبةٍ أكبر(وهو بروتين دعاميّ يوفّر الدّعامة لأجزاء عديدة من الجسم) حاصرةً الخلايا الدّهنية بينها.
تقول البروفيسورة أدلوفا:" استمرّ ازدياد وزن الفئران التي تفتقد IRF-5 و لكن كان الاختلاف في الأماكن التي راكمت فيها الفئران هذه الدّهون. نعلم أنّ الأشخاص الذين يراكمون الدّهون في بطونهم هم أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض المرتبطة بالسُّمنة كداء السّكري من النّمط الثاني، مقارنة بالأشخاص الذين يراكمون الدّهون في أفخاذهم. ولكننا لا نستطيع أن نُغيّر من نمط توضّع هذه الدّهون في البشر كما نفعل الآن في الفئران. و بالتّالي أصبح ذلك طريقةً ممتازةً لاختبار ما إذا كان تغيير نمط تراكم الدّهون يغيّر من العوامل التي تؤدي إلى داء السّكري من النّمط الثاني. "
قام العلماء باختبار هذه الفكرة من خلال إعطاء الفئران شراباً شديد الحلاوة حاوياّ على الغلوكوز و من ثمّ تعقّبوا سرعة تحطّم الغلوكوز بواسطة الأنسولين. يمكن للسُمنة أن تجعلَ الجسمَ أقلَّ حساسيّة للأنسولين، مما يعني أنّ اختفاء السّكر من مجرى الدّم سيستغرق وقتاً أطولَ. إنّ انخفاض الحساسية هذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى السكري من النّمط الثاني. وعلى الرّغم من زيادة بدانة الفئران التي تفتقد IRF-5 فإنّ أداءها كان أفضل من الفئران التي لم يتم تعديلها وراثيّاً بالنسبة لاختبار تحدّي السّكر هذا.
وجد الباحثون أيضاً أنّ مستويات IRF-5 كانت مرتفعة في النّسج الدّهنية عند الأشخاص شديديّ السمنة، و خاصّةً ضمن الدّهون الحشويّة لديهم.
تقول البروفيسورة أدلوفا:" لقد وجدنا أنّ الفئران التي تفتقدIRF-5 كانت بصحّة جيّدة على الرّغم من أنّها كانت أكثر بدانة بشكلٍ ملحوظ. إنّ إيقاف نشاطIRF-5 قد يكون له تأثيرات جانبيّة مثل زيادة الحساسية. لذلك، هناك حاجة للمزيد من العمل لفهم ما إذا كان تغيير مستويات IRF-5 (من خلال استخدام عقار جديد يستهدف هذا البروتين) في البشر سيكون طريقةً جيّدةً لعلاج مشكلة السُمنة والأمراض الاستقلابية المرتبطة بها."
المصدر: هنا