تجارب ناجحة لمستقبل مستدام من ماليزيا لؤلؤة الشرق (1)
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عمارة وأرض
للاستدامة ثلاثة جوانب أساسية؛ اجتماعية واقتصادية وبيئية وقد استطاعت ماليزيا تطوير مصادر طاقة صديقة للبيئة كما أمـّـــنت في الوقت عينه البيوت والخدمات الرخيصة للعديد من الأسر الفقيرة مسجلةً أنموذجاً رائداً بحق ستلمسون جوانبه في كلٍ من الأفكار التالية التي سنتناولها مقسمةً على مقالين:
1- القرى الذكية؛ نموذج يحتذى به للتخفيف من وطأة الفقر:
القرية الذكية؛ تجمع مؤلفٌ مما يقارب المائة منزل منشأةٌ بكلفة اقتصادية معينة خلال فترة قياسية تقارب العشرة أيام للمنزل الواحد وبالاعتماد بشكل كبير على موادَ معادٌ استخدامها. تبلغ مساحة القرية الواحدة نحو 20 هكتاراً وتتضمن مرافقاً تعليمية بتقنية متطورة ومنشآتٍ للتدريب على مهارات العمل وملاعباً ومنشآتٍ ترفيهية ورواقاً للاجتماعات العامة ومركزاً لإدارة الموارد ومرافقاً للعبادة، وهي مزودة بشبكة انترنت من الجيل الرابع تدعم التعلم الإلكتروني والخدمات الصحية الإلكترونية. إضافة إلى منظومةٍ زراعية متكاملة على أساس الاستدامة وتأمين الغذاء ومصدر الرزق للقرويين. ويتم تزويد القرية بالطاقة عبر اللوحات الشمسية بشكل أساسي إضافة إلى المحطات الكهرومائية الصغيرة والطاقة من المصادر العضويّة.
تتضمن الابتكارات المستخدمة في الإنتاج الزراعي لهذه القرى سلاسل من الخزانات المخصصة لتربية الأسماك ونقلاً للمياه عبر مساقط مائية من الخزانات العليا إلى أخرى سفلية بحيث تخصص الخزانات العلوية للأسماك شديدة الحساسية لنوعية المياه يليها أسماك أقل حساسية لنوعية المياه وفي نهاية السلسلة توجد أنواع الأسماك الصغيرة تليها الطحالب اللذان يستخدمان كغذاء للأسماك الموجودة في الخزانات العليا.
تستخدم مياه الصرف الناتجة عن خزانات الأسماك في ري الأشجار وحقول الحبوب والنباتات عالية المردود الاقتصادي والمزروعة في أصص مؤتمتة Autopots تتحسس رطوبة التربة وتزود النبات باحتياجه الدقيق من المياه وفي نفس الوقت تقلل من استخدام الأسمدة والمبيدات. يتم إطعام الديدان الموجودة في نتاج تحلل الأجزاء النباتية للدواجن ويتم تسويق بعض منتجات القرية ذات المردود الاقتصادي كالبطيخ الأصفر وأنواعٍ معينة من الخس والأعشاب والأسماك إضافة للدجاج.
ترفع هذه القرى الذكية التي يتم إنشاؤها في ماليزيا من واردات العائلات القاطنة في المناطق النائية وهي في نفس الوقت تعزز مفهوم الاستدامة البيئية. جدير بالذكر أن الحكومة الماليزية جددت التزامها مؤخراً بالتوسع في مشاريع القرى الذكية إضافة إلى دعم الأبحاث التقنية المتعلقة بها وخاصة في مجال مصادر الطاقة النظيفة.
2- المدن الذكية ذات انبعاثات الكربون المنخفضة:
تعاني ماليزيا تزايداً سكانياً كبيراً حيث ارتفع عدد السكان من 18 مليون نسمة عام 1990 إلى 28 مليون نسمة عام 2010 ويتوقع أن يبلغ هذا العدد 33 مليون نسمة عام 2020 سيقطن نحو 75% منهم في المدن، وبما أن مساهمة المدن تبلغ نحو 50% من إنتاج غازات الاحتباس الحراري الكلي، فإنه من الضروري جداً إنشاء مدنٍ ذات انبعاث منخفض للكربون للتخفيف من النزعة الحالية لارتفاع درجات الحرارة على سطح كوكبنا.
يتضمن مشروع المدن الذكية المعتمد في ماليزيا بهذا الخصوص تعليمات لتخطيط المدن منخفضة انبعاثات الكربون وإدارتها ونظاماً للتقييم يمكّن من حساب بصمة الانبعاثات للمدينة والإجراءات اللازمة لتغييرها في إطار مشروع تطوير تنموي. من بين السمات الأساسية للمناطق السكنية منخفضة انبعاث الكربون:
- مشاريع تطوير وتنمية سكنية مركزة في إطار ميزانية محددة لانبعاثات الكربون.
- مساحات خضراء مكشوفة وأشجار.
- الاستخدام السهل لأنظمة النقل العامة والدراجات الهوائية والمشي بما يجعلها بدائل جذابة مقارنةً بقيادة السيارات ويترافق ذلك مع سياسات تدعم تشارك وسائط النقل الخاصة وتخفيف السرعة وانسياباً أفضل لحركة المرور.
- الترويج لرفع كفاءة منظومات المياه والطاقة في مراحل التصميم والتنفيذ وإعادة التأهيل والإصلاحات إضافة إلى دعم التوجه لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة.
- البنية التحتية الداعمة لأنظمة التكييف المركزي والإدارة الفعالة لمياه الأمطار والحد من الآثار السلبية الفيضانات.
جدير بالذكر أن مدينة "إسكندر" في جنوب ماليزيا تعتبر أولى المدن الذكية في جنوب شرق آسيا والمقامة على أساس التكامل الاجتماعي وخفض الانبعاثات الكربونية، وبالرغم من مساحتها الكبيرة (2217 كم2) التي تعادل مساحة لوكسمبورغ وعدد سكانها البالغ عام 2011 نحو 1.3 مليون نسمة إلّا أن الحفاظ على البيئة والإدارة المستدامة لمواردها وإبقاء ما تصدره من غازات الاحتباس الحراري في مجال قدرة الطبيعة على الامتصاص والتكيف لهو من أولويات هذه المدينة. يمكنكم زيارة موقع هذه المدينة هنا
3- مبادرة أهالي منطقة كوندو راكيات Kondo Rakyat:
يتألف هذا التجمع من نحو 16 ألف نسمة من ذوي الدخل المحدود ويقطنون في مجمعات سكنية يتكون كل منها من خمسة طوابق ويسعون لتكوين نموذج يحتذى به في تطبيق مفهوم الاستدامة في الضواحي. تتألف المبادرة/المشروع من عدد من النشاطات:
- جمع الزيت النباتي الذي تم استخدامه في الطبخ من البيوت وبيعه لشركات إنتاج الطاقة العضوية.
- إنتاج الأعشاب والخضار والفاكهة في حدائق ملحقة بمطابخ التجمع السكني.
- تحويل فضلات الحدائق إلى سماد بمساعدة آلة تمزيق ومستودعات للتخمير واستخدامها في الحدائق المنزلية.
- سوق صديق للبيئة يتم فيه بيع المعدات والأدوات القابلة لإعادة الاستخدام.
أي أن المشروع يساعد أبناء هذا المجتمع على مساعدة أنفسهم عن طريق إنتاج مواد غذائية طازجة ونشاطات منتجة اقتصادياً وبنفس الوقت تقليل كمية النفايات والزيوت التي تلوث البيئة المحيطة.
4- تحويل النفايات العضوية إلى ثروة:
بعد الاكتشاف الذي تم التوصل إليه حديثاً بأن الفضلات التي تنتجها صناعة زيت النخيل يمكن تكريرها لتصبح مواداً كيميائية صديقة للبيئة وذات مردودٍ اقتصادي عالٍ أصبحت ماليزيا على أبواب أرباح اقتصادية غير مسبوقة نتيجة المساحات الهائلة التي تغطيها هذه الزراعة والبالغة 15% من مساحة البلاد. يستخدم لب الثمرة المائل للاحمرار لإنتاج الزيوت والتي بدورها تستخدم بشكل واسع في الطبخ إضافة للعديد من المنتجات الاستهلاكية كمواد التجميل ومعجون الأسنان. تترك طريقة التصنيع التقليدية نسبة 40% من الألياف والغلاف وفروع النبات التي لا يتم استخدامها كفضلات، ولكن يمكن باستخدام التقنية الحديثة الحصول منها على مواد كيميائية صديقة للبيئة ذات عائد اقتصادي كبير وتوفير آلاف فرص العمل حيث يقدر المختصون أن عائد معالجة 20% فقط من النفايات العضوية الناتجة عن صناعة زيت النخيل والمقدرة سنوياً ب 80 مليون طن يمكن أن يبلغ نحو 30 مليار دولار في العام 2025.
تخطط ماليزيا للتحول إلى قيادة سوق المواد الكيميائية صديقة البيئة بالاعتماد على هذه التقديرات، وقد بدأت بالفعل إجراءات عملية للسيطرة على هذا السوق والذي يقدّر أن ترتفع قيمة صناعاته إلى 100 مليار في العام 2020.
المصادر:
هنا
هنا