الاصطفاء الطبيعي لصفة الطول في هولندا
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
سجل الهولنديون اليوم متوسطاً جديداً للطول يعادل 1.84م للرجال و1.71م للنساء. و لكن ما هو السبب وراء هذه الظاهرة و لماذا درست؟ هل يمكن أن يكون الاصطفاء الطبيعي لا يزال مستمراً على البشر، و كيف يمكن أن يؤثر بجعل الهولنديين الأشخاص الأكثر طولاً في العالم؟
هل أنت قلق أنّك لست طويلاً بما فيه الكفاية؟! عليك إذاً أن تتجنب زيارة تلك الدولة الأوروبية الصغيرة، هولندا، التي قد حقق قاطنوها زيادة على صعيد الطول بحوالي 20 سنتيمتراً خلال ال 150 سنة الماضية، وتعدّ اليوم البلد ذات المعدل الأعلى بالطول. يعزو العلماء هذه الظاهرة إلى الارتفاع بمستوى الصحة بشكل عام، و ازدياد الثروة المادية، و الغذاء الجيد، ولكن لدراسة حديثة رأي جديد: حادثة ازدياد الطول بشكل ملحوظ عند الهولنديين قد تكون إحدى علامات التطور البشري.
أظهرت دراسة حديثة، نشرت على الانترنت في مجلة (Proceeding of the royal Society B)، أنّ الرجال الهولنديين الأطول قامة هم الأكثر حظّاً بإنجاب الأطفال مقارنة مع نظائرهم من الأقصر القامة، كما أنّ أطفالهم يتمتعون بقابلية أكبر على العيش. و هذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على زيادة انتشار المورثات المسؤولة عن الطول بين الهولنديين.
وهكذا تشير الدراسة إلى أنّ الإنسان لا يزال إلى يومنا هذا عرضة للاصطفاء الطبيعي.
لسنوات عديدة، كان سكان الولايات المتحدة الأطول في العالم. ففي حوالي القرن 18، كان الرجال الأمريكان أطول ب 5 إلى 8 سنتيمترات مقارنة مع الهولنديين، أما اليوم فقد تراجعوا بشكل ملحوظ أمام سكان أوروبا الشمالية بما فيها (الدنمارك والنرويج والسويد وأستونيا...).
إنّ السبب وراء مثل هذه حالة ليس واضحاً تماماً. تلعب المورثات دوراً كبيراً في تحديد الطول، فقد أستطاع العلماء أن يجدوا 180 مورثة مسؤولة عن تحديد الطول ولكل منها أثر صغير لوحدها، أما أثرها مجتمعة يكون 80% من الاختلافات في الطول في العالم. وهذا أيضا لا يعني أن نهمل عامل البيئة، فالأطفال اليابانيين على سبيل المثال عندما هاجروا إلى جزر هاواي لوحظ أنهم سجلوا معدلات في الطول تفوق آبائهم. وهنا اعتقد العلماء أنّ السبب يكمن وراء الغذاء الغني بالحليب واللحم.
نعود إلى الهولنديين، حيث يعتقد العلماء أنّ هذا التغيّر الكبير في الطول يعود إلى التغيرات البيئية العائدة إلى التطور في هولندا، وكونها أصبحت من أعظم الدول في إنتاج الحليب والجبن وما إلى ذلك. بالإضافة إلى توزيع عادل للثروات وسهولة الوصول للعناية الصحية.
ولكن لا يزال العلماء يتساءلون إن لعب الاصطفاء الطبيعي دوراً أيضاً، فالمعايير المستخدمة في تحديد الشريك المناسب لدى الهولنديين تصبّ لصالح الطول، حيث ارتبط الطول بالصحة الجيدة، والجاذبية، والمستوى العلمي العالي، وحتى الدخل الأكبر، كل هذا يؤدي إلى صحة إنجابية أكبر.
وعلى العكس في الولايات المتحدة، حيث كان الرجال متوسطي الطول والنساء الأقصر هم الأكثر نسبة من حيث تسجيل عدد الولادات. مما يعني أنّ الاتجاه التطوري للاصطفاء الطبيعي سجل علامات تختلف عن تلك التي سُجّلت في هولندا.
ما يحدث ليس اصطفاءً طبيعياً فقط، بل اصطفاءً جنسياً إذا صحّ التعبير، فالنساء الهولنديات يمِلن أكثر لاختيار الرجال طوال القامة لأنهم يرون فيهم مشروعا ناجحاً كشركاء في إنجاب الأطفال. ولكن يمكن أن يرجع السبب أيضاً إلى أنّ طول القامة مرتبط بشكل ما في مقاومة أفضل للأمراض.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا الاختلاف بين هولندا والولايات المتحدة بما يخص هذا الاصطفاء؟ ولماذا يكون لصالح الطول في هولندا على حساب القصر في الولايات المتحدة! الجواب يكمن في أنّ غالبية الناس لا يفضّلون اختيار شريك لهم يختلف عنهم كثيراً بالطول. فالنساء القصيرات في الولايات المتحدة ينجبن أطفالاً أكثر، وبما أنهنّ سيفضّلن شريكاً مناسباُ لهنّ بالطول، سيفشل طوال القامة في تحقيق أفضلية أمام غيرهم من متوسطي الطول.
وفي النهاية، يمكننا أن نتوقع أن يكون الارتفاع لصالح الطول مؤقتاً في هولندا. ففي علم التطور، نكون أمام اصطفاء طبيعي لصفة ما خلال عدة أجيال، يمكن أن يتبعها استقراراً أو حتى تراجعاً عكسياً في الصفة المدروسة. فمثلاً سجلت الولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعاً في معدلات الطول خلال القرون السابقة لتعود بعدها للتوقف.
الدراسة الأصلية: هنا
هنا