أحمد شوقي: أمير الشعراء... وربما شاعر الأمراء!
كتاب >>>> مفكرون وكتّاب
شاعر القصر...
عاد شوقي من بعثته بعد ثلاث سنوات وقد تولى الخديوي عباس حلمي الحكمَ بعد وفاة والده، فانضمَّ إلى ديوانه وبدأت مرحلة جديدة
عمل في قلم الأمور الإفرنجية في المعية السنية على عهد الخديوي عباس في حياته، وهي مرحلة «شاعر القصر»، وقد أدَّى شوقي كل ما يتطلبه هذا المنصب من التزاماتٍ سياسية واجتماعية، فأصبح بيته مقصداً لذوي الحاجات بسبب موقعه في القصر، وكذلك أصبحت علاقاته مقيدةً باتجاهات القصر.
أخذ في قرض الشعر الذي لقي تشجيعاً من راعيه بحكم مديحه له، وبحكم انتشار أشعاره بين الشبان المثقفين. وقد ألقى إحدى قصائده في المؤتمر الدولي للمستشرقين المنعقد في جنيف عام 1894، إذ لقيت استحساناً ظاهراً.
هاجم شوقي رياض باشا لمديحه للاحتلال عام 1904، وهاجم كرومر بمناسبة رحيله عن البلاد عام1907، وأظهر مشاعر الأسى لعزلِ السلطان عبد الحميد الثاني بعد عامين، وبعد قيامِ الحرب العظمى وخلعِ عباس عام 1914، نُفيَ إلى برشلونة، إذ درَّسَ الشعر العربي التقليدي وزار آثار الأندلس.
حياة المنفى...
كانت العلاقة بينه وبين الخديوي عباس حلمي قويةً حتى عُزِل الخديوي عام 1914، فنُفي شوقى إلى إسبانيا بسبب تلك العلاقة، وبدأت مرحلة جديدة في حياته هي حياة المنفى. عاش فيها حياة هادئة على مدى أربع سنوات لا يُنغِّصها عليه سوى حنينه الشديد إلى مصر وأهلها وقال في ذلك:
اختلاف النهارِ والليلِ يُنسي ** اذكرا لي الصبا وأيام أُنسي
وطني لو شُغلتُ بالخلد عنـهُ ** نازعتني إليهِ في الخلد نفسي
عاد إلى الوطن بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وأصبح أشدَّ التصاقاً بالشعب وأكثر تعبيراً عن آرائه وآماله بعد أن تحرر من قيود القصر. اقترب من حافظ إبراهيم في التوجه الوطني؛ لأن حافظ إبراهيم كان مرتبطاً بالحركة الوطنية منذ بدايته، وأصبح كلاهما من الفرسان الناطقين بمطلبِ الحركة الوطنية، وتحول شوقي شاعر الأمراء إلى شاعرٍ يقف في قلب الحركة الوطنية ويدافعُ عنها ويناضل في سبيلها؛ ولهذا السبب أصبح شوقي صديقاً ورفيقاً لحافظ وموازياً له في العداء للاحتلال البريطاني.
تُعدُّ مرحلة ما بعد المنفى أغزر فتراتِ حياته إنتاجاً، فقد كثرت فيها قصائد المناسبات الاجتماعية والوطنية، وقد اتجه إلى كتابة المسرحيات المستمدَّة من التاريخ.
بعد عودته إلى القاهرة عام 1919، انتشرت أشعاره انتشاراً واسعاً، وانتُخِبَ لعضوية مجلس الشيوخ عام 1923.
في عام 1927، اجتمع شعراءُ الدول العربية في مهرجان كبير بالقاهرة لتكريمه ومبايعته بإمارة الشعر ومكانة شعره، وأصبح منذُ ذلك الحين يُلقب بـ«أمير الشعراء»، ولو أنَّ ناقديه كثيراً ما وصفوه بشاعر الأمراء!
وقال في هذه المناسبة قصيدةً بعنوان «مرحباً بالربيع في ريعانِه»، ومن بعض ما جاء فيها:
مـــرحـبـاً بالربـيع في ريعانِــــــهْ ** وبأَنـوارِه وطِـيبِ زَمـانِـــهْ
رَفـــت الأَرضُ في مواكِــب آذا ** رَ وشبَّ الزمانُ في مِهْرَجانِهْ
عاد حَليـاً بِراحتــيـهِ ووشْـيـــــــاً ** طولُ أَنهارِهِ وعَرْضُ جنانِهْ
يــــا عـكاظــاً تــألفَ الشرقُ فيــه ** من فِلسطينِــــه إلى بــغـدانهْ
حملت مصــــر دونه هيكل الدِّيـ ** ـنِ وروحَ البيـانِ من فرقانِــــهْ
تتبــــارى أَصائلُ الشـــــــامِ فيهـا ** والمذاكي العتاقُ من لبنانِــهْ
كـــلما أَنّ بــالـعــراقِ جريــــــــحٌ ** لمس الشرقُ جنبه في عُمانِهْ
كان شعري الغناءَ في فرح الشرقِ ** وكان العـــــزاءَ في أحزانِهْ
كان شوقي يمدحُ الملوك والأمراء ويتغنَّى بمآثرهم، ويشدو بآثارهم مجيداً في مدحهم جميعاً، فاتَّهمه البعض في صحةِ عقيدته السياسية وشك في نزاهة مبدئه الاجتماعي، وقيلت عنه أحياناً كلمات الزُّلفى والتملُّق، فزعموا أنه مدَّاح السلطة أياً كانت السلطة.
صحيحٌ أنه مدح الملوك والأمراء، ولكنه نصحهم بالإصلاح واحترام الحرية والعمل على ترقية البلاد وحسن سياسة العباد، ورفع منار العلم، وهو يرى أن جميع هذه الأمور لا تقوم في الشرق إلا على أيدي القائمين بالأمر فيه.
كتب لدمشق في أحزانها قصيدته دمشق التي جاء فيها :
سَـــلامٌ مِن صَبا بـــــــردى أَرَقُّ ** وَدَمـعٌ لا يُكَـفكَـفُ يا دمشـــقُ
وَذِكـــــرى عَن خَواطِرِها لِـقَلبي ** إِليــكِ تلفّــتٌ أبـــــدًا وخـفـــقُ
وَبي مِمَّا رمَتكِ بــــه الليـــــالــي ** جِراحاتٌ لها في القلبِ عُمـــقُ
دخلتُكِ والأَصيـــلُ لـــهُ ائـتــلاقٌ ** ووجهكِ ضاحكُ القسماتِ طَلقُ
وكلُّ حضارةٍ في الأرض طالـتْ ** لها من سَرحِكِ العُلــوِيِّ عِرقُ
دَمُ الـثُــوّارِ تَـعـــــرِفــهُ فَـــرَنـسا ** وَتــعـلـمُ أنـهُ نـــــورٌ وحـــــقُّ
بِــــلادٌ مـاتَ فـــتــيــتُـها لِـــتَحيـا ** وَزالــوا دونَ قـومهِمُ لِــيَـبقـوا
ولـلـحريـةِ الـحَـــمــــراءِ بـــــابٌ ** بِــكـل يَـــدٍ مُـضـرَّجـةٍ يُــــدقُّ
جـــزاكمْ ذو الجــلالِ بـني دِمَشقٍ ** وَعـــزُّ الشـــرقِ أولــهُ دِمَشقُ
وكتب في دمشق قصائد عديدة أخرى منها قصيدة «قم ناج جلّق».
كتب لمصر الكثير والكثير من أشعاره، ومنها قصيدة بعنوان «إن تسألي عن مصرَ حواءِ القرى» تحدَّث فيها عن مصر وآثارها الخالدة:
إن تسألي عن مصــــرَ حواءِ القرى ** وقـرارة الـتـاريـخِ والآثــــارِ
فالصبحُ في منــفٍ وثيبــــة واضــحٌ ** مَنْ ذا يُلاقي الصبحَ بالإنكار؟
أمــلاكُ مصرَ القاهرون على الورى ** المنـــزَلون منـــازلَ الأَقمارِ
لو أُمهلوا حتى النشـــــورِ بِـــدُورِهـم ** قامـوا لخالـــقهم بغير غبار!
وكتب في عظمةِ آثار أسوان قصيدته الشهيرة «أيها المنتحي بأسوان»، التي رفع فيها درجة المناطق الأثرية إلى مستوى التقديس.
كان عاما 1931 و1932 هما العامَيْن اللذَين اشتغل شوقي فيهما أكثر من أي وقت آخر في إنجاز رواياته التمثيلية، وقد كان يحس بدنوِّ أجله، ففي هذه الحقبة نظم «مجنون ليلى»، ثمَّ أعاد نظم «علي بك الكبير»، وألَّـف «قمبيز» و«الست هدى» و«البخيلة»، وأسرع في وضع رواية عن «محمد علي الكبير»، ولكنَّ هذا الاجتهاد كان مع الأسف على حساب جسمه الضئيل الذي ناء بالمرض وقد أمره الأطباء بملازمة الفراش.
كُتب على قبره البيتان الآتيان وهما من قصيدته «نهج البردة» في مدح الرسول:
يــا أحمد الخير لي جاهٌ بتسميتي ** وكيف لا يتسامى بالرسولِ سمي
إن جلَّ ذنبي عن الغفران لي أملٌ ** في الله يجعلني في خير معتصـم ِ
تأثر بالوسط الأوروبي وبالحياة الأوروبية وبالشعر الأوروبي تأثراً كبيراً. وظل تأثره هذا ظاهراً حتى يكادُ القارئ يشعر وكأنه أمام رجلين مختلفين حين يقرأ أجزاء ديوانه، لا صلة بين أحدهما والآخر، إلا أن كليهما شاعرٌ مبدع يصل من الشعر إلى عليا سماواته، وأن كليهما مصري يبلغ حبه لمصر حد التقديس والعبادة.
أما فيما سوى ذلك، فأحد الرجلين غير الرجل الآخر! أحدهما مؤمن عمر النفس بالإيمان، والآخر رجل دنيا يرى في المتاع بالحياة ونعيمها خير آمال الحياة وغاياتها.
لشوقي ديوان شعر، إضافةً إلى عدد من المسرحيات الشعرية أشهرها «كليوباترا» و«عنترة».
المصادر:
ديوان أحمد شوقي: هنا
قصيدته السينية عن الوطن : هنا
قصيدة مرحباً بالربيع في ريعانِهْ : هنا
قصيدة إن تسألي عن مصرَ حواءِ القرى :هنا